12-فبراير-2020

يتشكل الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي في ظل غياب منابر إعلامية (الصورة: Getty)

عند الإعلان عن أحكام محكمة الاستئناف العسكرية في البليدة، نشر الصحافي أمين علّام ما قال إنه خبر عاجل، مفاده "تخّرج دفعة من 40 مليون قاضٍ عسكري بالجزائر"، وقد توّقع تعليق الجميع على الأحكام، ليس من منطلق المهتمّ، وإنّما من منطلق "الخبير في القانون والقضاء العسكريين".

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي، بالحديث عن القانون العسكري، والتعليق على الأحكام الصادرة في حق المتهمين

وبسرعة امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي، بالحديث عن القانون العسكري، والتعليق على الأحكام الصادرة، بين مؤيّد ورافض، وكل ينطلق من حكمه الشخصي على هذا المتهم أو ذاك، ويندر أن تجد من ينقل تصريحًا لخبير قانوني "حقيقي"، يتكلّم بلغة القانون.

اقرأ/ي أيضًا: تعديل الدستور.. بين تبون وبوتفليقة والشاذلي وديغول

وقبل "تخرّج دفعة الأربعين مليون قاضٍ عسكريٍّ"، كانت قد تخرّجت دفعة أخرى متخصّصة في الدفاع عن حقوق الحيوانات، و"حفظ النظام العام"، انطلاقًا من حفظ السكينة العامّة التي يكون قد داسها ديكٌ بصياحه المتكرّر، أدى إلى إزعاج دبلوماسية إيطالية، وبعد أيّامٍ من الجدل القانوني والأخلاقي بين الأربعين مليون خبير، تبيّن أن الخبر كاذب من الأساس، ويتحوّل الجميع وبشكلٍ مفاجئ إلى خبراء في "الدعاية" والأخبار الكاذبة".

وكان الأربعون مليون خبيرًا، قد تناولوا بإسهاب ومن منطلق اقتصادي متخصّص، قضية "الوديعة" الجزائرية لدى البنك المركزي التونسي، ورغم أن الجميع كان يتكّلم بلغة الواثق الذي لا يرقى الشكّ إلى كلامه، إلا أن التناقض بدا كبيرًا من مختلف المحليين، ولم يتفقوا حتى على أبسط المصطلحات، كتعريف الوديعة والفرق بينها وبين الهبة والقرض.

وبدا أن الأمر أخرج عن سياقه، وما كان أن يُطرح إعلاميًا بذلك الشكل، حتى يؤدّي إلى نتائج عكسية، جعلت الكثير من "العوام" يتطاولون إلى درجة أن بعضهم قال إنه سيقضي عطلة الصيف مجانًا لدى البلد الجار، لأنه بصدد استرداد جزءٍ صغيرٍ من "أمواله"، وتسبّب الأمر في فتنة بين أفراد البلدين.

ويعتمد بعض "الخبراء" المحسوبين على فئة الأربعين مليونًا، لغة تبتعد عن المنطق، وتقترب من السبّ والشتم، وبالخصوص عندما، يتعلّق الأمر بالشأن الرياضي، فقد دفعوا مدرّبي المنتخب الوطني رابح سعدان، وكريستيان غوركوف، ورابح ماجر، للخروج من الباب الضيّق.

ورغم أن المدرّب الوطني الأسبق رابح سعدان، كان قد أعاد المنتخب إلى طريق الانتصارات، وأهّل "الخضر" إلى نصف النهائي من كأس أفريقيا للأمم، وإلى نهائيات كأس العالم، رغم أن المنتخب قبل ذلك كان يعجز حتّى عن التأهّل إلى نهائيات كأس أفريقيا، فلم يشفع له ذلك، وسمع كلاما جارحًا لمجرد تعثر في مقابلة، مما دفعه للاستقالة.

وقبيل ذلك، ولسبب غير معروف، تعرّض سعدان إلى حملة إعلامية ممنهجة، دفعت "أربعين مليون خبيرٍ" الى اتخاذ موقف سلبي منه، إلى درجة أن المعني كان ضحيّة "كاميرا خفية"، اقترح فيها موزّع البنزين، على المدرب الوطني خطة لعب "مبتكرة" عوضًا عن خطته التي قيل إنه بالغ فيها في الدفاع.

وما إن استلم رابح ماجر زمام المنتخب، حتى ثارت ثائرة "أربعين مليون خبيرٍ" ضدّه، وأسمعوه ما لم يسمعه في حياته من كلام جارح، ليخرج بعدها من الباب الضيّق، وأصبح يعامل "كعدو للوطن"، ونسيَ الجميع ما قدّمه ماجر للمنتخبن أيام كان لاعبًا في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين.

ما إن استلم رابح ماجر زمام المنتخب، حتى ثارت ثائرة "أربعين مليون خبيرٍ" ضدّه

ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي، التي طغى فيها التراشق بأنصاف الأفكار، وأصبح فيها صوت العقل خافتًا لا يكاد يسمعه أحد، أصبحت قوة حقيقية، لينتبه إليها "اللاعبون الكبار"، واضطروا إلى دخولها بهوايات مستعارة، من أجل التلاعب بالعقول، وقد حدث فعلًا وأصبحنا نعيش فوضى حقيقية، ازدادت خطورتها على الأمن القومي، في ظلّ غياب منابر إعلامية حقيقية ومراكز للدراسات، بل إن الإعلام نفسه أصبح يقتات من "الأخبار الكاذبة"، التي تروّج في "السوشل ميديا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحافة الساخرة في الجزائر.. "تجارب بيضاء" و"مصائر سوداء"

اللّقاء التّلفزيوني الأوّل لتبّون.. سلطة الرّداءة