27-ديسمبر-2024
(الصورة: الترا جزائر)

(الصورة: الترا جزائر)

لم يخرج الحديث الثقافي هذه السنة، عن إصدارات جزائرية أثارت جدلًا بسبب الطابوهات والمحرّمات، أو مُنعت دور نشرها من المشاركة في المعارض والصالونات وألغيت بسببها جلسات البيع بالتوقيع، وعلى خلاف سنوات سابقة شهدت ظهور أسماء جديدة في مجال الرواية الجزائرية، وروايات حقّقت مبيعات قياسية في ظرف وجيز، كانت هذه السنة مليئة بالصدامات والنقاشات والانتقادات.

يُمكن الحديث هنا، عن 3 إصدارات جزائرية لفتت انتباه الجزائريين واستولت على اهتمام نقّاد ومثقفين ونواب برلمانين وحتى سياسيين

يُمكن الحديث هنا، عن ثلاثة إصدارات جزائرية لفتت انتباه الجزائريين وحجزت فضاءات واسعة للحديث والنقاش طيلة أشهر قليلة ماضية، واستولت على اهتمام نقّاد ومثقفين ونواب برلمانين وحتى سياسيين، وهي باختصار كتاب "الجزائر اليهودية" للكاتبة هدية بن ساحلي، ورواية "هوارية" لصاحبتها إنعام بيوض الفائزة بجائزة آسيا جبار، إضافة إلى رواية "حوريات" لكمال داود.  

كان منتظرًا أن تشهد الساحة الثقافية ظهور رواية وإصدارات جديدة، بعيدًا عن نمطية الأخبار الثقافية المتداولة، عن أعلى المبيعات أو أكثر الكتب مقروئية على المنصات الإلكترونية، ولكن لا هذا ولا ذاك حدث، حتى صالون الكتاب الأخير لم يعرف ظواهر أدبية كالتي كنا نراها في سنوات سابقة.

هدية

نشير هنا، إلى روايات حقّقت أعلى المبيعات في معارض سابقة بالجزائر، بعيدًا عن كلاسيكيات الرواية الجزائرية والأسماء الرواية المعروفة، ويمكن الاستشهاد بروايات لأسماء جديدة في ذلك الوقت، مثل رواية "شيفا" و"شياطين بانكوك" لعبد الرزاق طواهرية ورواية "هاجر أنت لست شجرة" لأسامة تقي الدين رميشي.
العام الماضي، فاقت أرباح مبيعات روائية شابة تكتب باسم مستعار 3.5 مليون أورور في فرنسا، وحّظيت رواية "الرهينة" للكاتبة الجزائرية الشابة سارة ريفنس، باهتمام واسع من الكتاب والروائيين والمثقفين والنقاد.

حقيقة "الجزائر اليهودية"

ربّما عودنا الكتاب الجزائريون الشباب على مثل هذه الخرجات بين الفينة والأخرى. هؤلاء الذين تحرّروا من سلطة النقد ورتابة الحوارات الإعلامية، وصنعوا عوالمهم الخاصة، وصافحوا قراءهم إلكترونيًا في غفلة عن أعين الرقابة المجتمعية والإعلامية، فكتبوا بلغة ربّما كانت تعترضها حواجز اللغة والطابوهات والمحرمات في الرواية الجزائرية.

سارة ريفنس، الشابة التي تبلغ من العمر 24 عامًا، وتعمل تعمل كوكيلة إدارية بقاعة رياضية في مدينة الجزائر، كانت تنتمي إلى فضاء افتراضية للإبداع، وكانت تنشر مقاطع من روايتها على مراحل بمنصة (واتباد Wattpad)، حيث بلغ عدد قراءها تسع ملايين قارئ. لم يسمع بها أحد من قبل إلى أن حقّقت ما حققته، بعدما تحرّرت من اسمها الحقيقي، وكتبت بلغة قال عنها الروائي واسيني الأعرج إنه من الصعب أن تمرّ في قاموس اللغة العربية، وذلك أنها كانت تكتب باللغة الفرنسية.

الجزائر اليهودية

بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية ومناقشة القضايا السياسية، كتبت سارة ريفنس، بلغة حرّة لا رقابة عليها في الوقائع والأحداث، بأسلوب ينتمي إلى "الدارك رومانس" أو "الأدب المظلم" كما سمّته منصات إعلامية، وتناولت أحداث قصتها وقائع عن الجريمة والاغتصاب والتعذيب النفسي، وربما هذا ما بات يجلب القراء الشباب اليوم.

بالعودة إلى الإصدارات التي صنعت المشهد الثقافي، نجد كتاب "الجزائر اليهودية"، الذي أثار موجة غضب واسعة وألغيت ندوتان للكاتبة في العاصمة وتيزي وزو، بعد احتجاج نائب برلماني.

وجهة نظر الكاتبة هدية بن ساحلي، تشير إلى أن العمل يسرد جانبًا من تاريخ البلاد، والروابط التاريخية والثقافية والدينية التي جمعت بين اليهود والجزائريين.

وأوضحت الكتابة، أن العنوان الذي رآه البعض "مستفزًا" لا يعني بالضرورة أن الجزائر كانت يهودية في أيّة مرحلة من تاريخها، مؤكدة على أهمية الاعتراف بجميع المكونات التي ساهمت في تكوين المجتمع الجزائري على مرّ العصور.

الكتاب سردية تاريخية، لا علاقة له بالصراع في الشرق الأوسط، واستغراب من ربط الأحداث بتزامن صدوره مع العدوان على غزة، كل هذا جاء في توضيح من الكاتبة بعد الجدل المثار.

وبرّرت هدية بن ساحلي ما جاء في العمل، بأن من وصفتهم بأصدقائها الفلسطينيين أجمعوا على أنه لا ينبغي ربط التاريخ الجزائري بالتوترات الحالية في المنطقة، وأن الاهتمام بتاريخ اليهود في الجزائر ليس خيانة القضية الفلسطينية، وأن عملهما تعرّض لحكم مسبق قبل قراءته.

ربّما كانت هذه "المحاكمات" تتعلّق بعنوان الكتاب، وأحكام جاهزة وُجّهت للكتابة بن ساهلي قبل قراءة محتواه، وضعتها في موقف الدفاع عن النفس، ولكن ومع ذلك، استمرّ الجدل حول مضمون الكتاب وبعض أهم المحاور التي تناولها، وربما أبرز من كتب عنه، الأكاديمي يوسف بوذن.

يتساءل بوذن، في منشور له عن لجوء صاحب دار نشر "فرانز فانون" إلى مواطنة إسرائيلية (Valérie zenatti) لكتابة مقدمة الكتاب، بالقول: هل كان نشرُ الكتاب تواطؤ سافرًا مع أطروحة الكتاب؟

واعتبر في سياق منشوره الطويل، أن الكاتبة بن ساحلي "ضخّمت الوجود اليهودي وأطّرته بالمراجع الصهيونية، الأسماء في الهوامش والمتن، إلى أن تناغم مع مطالب السردية الإسرائيلية".

وختم الأكاديمي، أن الكاتبة دعت لاستبطان ديْن تجاه اليهود "ربما لن يكون بإمكاننا تسديده إلا بالتطبيع، كفّارة صريحة عن جحودنا".

إنعام بيوض

"هوارية" وتهمة الترويج للبذاءة

قبل الجدل الحاصل حول كتاب "الجزائر اليهودية"، وفي الصيف الماضي، بدا خبرًا عاديًا أن تتسلم الكاتبة إنعام بيوض جائزة "آسيا جبار" عن روايتها الصادرة العام 2023، وبات الأمر كأن أحدًا لم يقرأها من قبل حتى حصولها على جائزة أدبية رغم صدورها باللغة العربية.

ولكن فجأة، فجرّ متابعون جدلًا بدا كأنه لن ينتهي حول مضمون رواية إنعام بيوض، ووصفت بأنها عمل "يُروّج للبذاءة" و"يسيء إلى مدينة وهران" لاحتواء بعض صفحاتها على كلمات نابية من قاموس الشارع الجزائري.

وبناءً على ما ورد على عدد من الصفحات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، بدا أن "الأحكام الجاهزة" التي أطلقت على الرواية، كانت من أشخاص لم يقرؤوا الرواية، ولم تخرج عن السياق الأسطر المنشورة عنها.

ولم يرد من كتلة الانتقادات الموجهة لها، أن تلك العبارات أُقحمت بشكلٍ فجّ وغير مبرر، أو أثّرت بشكل مباشر على سردية النص والحوار، أو استُخدمت بشكل مبالغ فيه، ولم تنل رواية بيوض حظها من القراءة، أكثر مما نالتها من المحاكمات والتوصيف والأحكام المسبقة، بسبب بضع عبارات وُصفت بـ"الإباحية" ووصل الأمر إلى مطالبة كثيرين بسحب جائزة "آسيا جبار" منها.

إنعام بيوض

لم يتوقّف الأمر هنا، فالدار التي تولّت نشر الرواية أغلقت أبوابها بسبب الجدل الذي أثير حول "هوارية"، وجاء في منشور لها" تاركين الجمل بما حمل كما فعلنا دوما، نُعلن أن ميم أغلقت أبوابها منذ اللحظة في وجه الريح، وفي وجه النار،.. لم نكن إلاّ دعاة سلم ومحبة ولم نسع لغير نشر ذلك ".

لم يكن إغلاق دار ميم للنشر، في سياق هروبٍ إلى الأمام من الانتقادات أو المحاسبة، أو تكفير عن ذنب اقترفته، ولكن في سياق رسالة أرادت توجيهها، مفادها أن المسافة ما زالت طويلة أمام أهدافٍ سطرتها، وأنها ربما كانت تستثمر جهودها في المكان الخاطئ.

يشار أن الرواية إنعام بيوض، أصدرت عدة أعمال أدبية وفكرية وشعرية، منها "الترجمة الأدبية.. مشاكل وحلول" (2003)، و"السمك لا يبالي" (رواية/ 2003)، و"رسائل لم ترسل" (شعر/ 2003).

كمال داود

ربما تشترك رواية "حوريات" للكاتب كمال داود مع رواية "هوارية" في أن جدلًا واسعًا أثير حولهما بعد حصولهما على جائزة أدبية، ضف إلى ذلك أن كلا العملين يتناولان فترة حساسة من التاريخ الجزائري وهو "العشرية السوداء"، غير أن ما حصل مع داود فيما بعد لم يكن بسبب "المضمون المسيء" أو "الكلمات النابية" بل لسبب مختلف تمامًا عما عرفته السجالات السابقة حول الإصدارات والكتب الأدبية.

"حوريات" في المحاكم 

قبل حصول رواية كمال داود "حوريات" الصادرة عن دار "غاليمار" على جائزة غونكور بفرنسا، مُنعت الدار من المشاركة في في معرض الكتاب الدولي بالجزائر العاصمة، بين 6 و16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ولم يكن ذلك إلا مقدّمة بسيطة لما سيحصل فيما بعد، وقد جاء قرار هذا المنع قبل شهر تقريبًا من انطلاق معرض الكتاب وعلى مسافة 20 يومًا من حصول الكاتب داود على الجائزة.

 وبعد حصول كمال داود على جائزة غونكور، لم يدم الأمر مدة طويلًا، حتى ظهرت سيّدة على إحدى القنوات التلفزيونية، تتهم فيها كما داود بسرقة قصتها دون إذن منها، بالتواطئ مع زوجته الطبيبة النفسية التي كانت تعالج عندها.

سعادة عربان، سردت تفاصيل قصتها أولًا بأول، واعترفت أن كما داود طلب منها أن يكتب عن قصتها روائيًا ولكنها رفضت الأمر جملة وتفصيلًا، وبعد صدور الرواية تفاجأت بعدد من أصدقائها يتصلون بها ليخبروها أن كمال داود نفّذ ما كان يدور برأسه.

هذه الفتاة كانت تحمل قصّة حزينة جدًا، فهي من ضحايا العشرية السوداء، تعرضت عائلتها لهجوم إرهابي في أواخر التسعينات، فقُتل جميع أفراد عائلتها جميعًا وذبحت هي من الوريد إلى الوريد، وكانت الطفلة سعادة عربان ذات الست سنوات وقتها، الناجية الوحيدة من هذه الحادثة المأساوية.

بالعودة إلى قصة كمال داود في روايته، قالت سعادة عربان إنه تحدّث عن كل تفاصيل حياتها؛ عن الندبة التي في نحرها، عن استعانتها بجهاز الفغر الرغامي، عن حادثة الإجهاض، عن الوشم الذي في جسدها، عن علاقتها بوالدتها وغيرها..".

هذه القضية انتقلت إلى أروقة المحاكم، بعدما تولت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، مهمة الدفاع عن بطلة رواية "حوريات"، وبدورها قبلت محكمة وهران غرب الجزائر، الدعوى المرفوعة ضدّ الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال داود وزوجته الطبيبة النفسية، بتهمة استخدام قصة إحدى مريضاتها في رواية "حوريات" التي نال عنها جائزة غونكور الأدبية العريقة في باريس.

في هذا السياق، قالت المحامية بن براهم إن "استدعاء كمال داود وزوجته سيصلهما إلى مقرّ إقامتهما المعروف في وهران، وفي حالة عدم الحضور سيُحكم عليه غيابيًا ولا يُمكن أن يدّعي أنّه لم يسمع بالقضية مع كل هذه الضجة".

إعلاميًا، استمر الكاتب كمال داود في التهرب من الإجابة على أسئلة الصحافيين في اللقاءات الإعلامية أو ربّما تجاهلها في عدد من المناسبات، ولم يصدر عنه أيّ تعليق حول الموضوع.

الجدل الحاصل حول رواية "حوريات" يبدو أنه لن ينتهي، إذ تمدد ليصبح مشكلًا عائليًا، فقبل أيام قليلة ظهرت الشقيقة الصغرى لكمال داود على وسائل إعلامية، وادعت أنها وجدت نفسها أمام مسؤولية الدفاع عن عائلتها التي طالتها عدة اتهامات، بسبب تصريحات شقيقها ومواقفه وكتاباته.

حوريات

وكشفت وسيلة داود، أنها من عائلة وطنية ووالدهما كان دركيًا في الجهاز الأمني، وقد تربّيا في أسرة ميسورة الحال، وإخوتها جميعًا واصلوا دراستهم الجامعية، معتبرة أن عائلتها طالتها الكثير من المغالطات التي رواها شقيقها عن فقرهم المدقع وطفولتهم الصعبة.

استمر الكاتب كمال داود في التهرب من الإجابة على أسئلة الصحافيين في اللقاءات الإعلامية أو ربّما تجاهلها في عدد من المناسبات

ربما، لن تنتهي قصّة "حوريات" هنا، فأمام صاحبها جولة طويلة في أروقة القضاء سيستمر حولها النقاش والقراءات، وبينما كان ينتظر القراء الاحتفاء بأعمال جديدة كما في فترات ماضية يبدو أن هذه السنة كانت "جدباء" ثقافيًا، ولم تشهد ظهور أسماء أو أعمال أدبية بارزة، وسحبت هذه الأحداث سياق النقاش إلى أرضية هشّة، طبعتها الخلافات والأحكام الجاهزة بعيدًا عن سجالات الفعل الثقافي والأدبي عمومًا.