18-فبراير-2020

مبنى رئاسة الجمهورية الجزائرية (الصورة: تامورت)

عندما انتشر خبر تعيين كريم يونس وسيطًا للجمهورية، تساءل البعض عن الإطار القانوني الذي يحدّد صلاحياته، وعن مدى دستوريته، وبعضهم تذكّر الجدل الذي أثاره المنصب نفسه عندما طلب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة "فتوى" من المجلس الدستوري، قبل الإقدام على إلغائه.

ظلّ دستور 1976، يقول إن "الاشتراكية قرار لا رجعة فيها"، ويؤكّد أن تلك المادة غبر قابلة للإلغاء أو حتى التعديل

المنصب الذي استحدث في الجزائر، بعد انتخابات 1995 الرئاسية، وأسند إلى المناضل التاريخي عبد السلام حباشي، أحد أفراد مجموعة الـ 22 التي فجّرت الثورة، مكافأة له على ترأسّه لهيئة مراقبة الاتخابات الرئاسية التي أثارت كثيرًا من الجدل وقتها، سرعان ما ألغي فور مجيء بوتفليقة إلى الحكم عام 1999.

اقرأ/ي أيضًا: تبون على خطى بوتفليقة في تعديل الدستور

ولئن كانت حجّة بوتفليقة في إلغاء المنصب هي "عدم دستوريته"، فقد استند في معظم فترة حكمه التي امتدت إلى عشرين سنة على قرارات غير دستورية، منها استيلائه على كثير من صلاحيات رئيس الحكومة، وتحويله إلى مجرّد وزير أوّل، ولم يدستر الأمر إلا عام 2008.

وفي الوقت الذي يحرص فيه فقهاء القانون في الجزائر، والمشرّعون على القول بمبدأ "سمو الدستور"، إلا أن الممارسة القانونية في الجزائر، بقيت في كثير من الحالات خارج الدستور، الذي قد يأتي في مرتبة أدنى من القوانين العادية.

كانت البلاد تسير بلا دستور منذ تجميد دستور 1963، بعد حوالي شهر من إقراره إلى غاية سنة 1976، عندما صاغ "الفقهاء" دستورًا على مقاس الرئيس هواري بومدين، الذي ظنّ حينها أن الأمر استقرّ له، وأنه سيبقى طويلًا في الحكم.

ولمّا فاجأه الموت بعد ذلك بأقلّ من سنتين، وجد سادة القرار أنفسهم يتّخذون إجراءات غير دستورية، بدعوة الحزب الحاكم إلى مؤتمر، ليزكّي العقيد الشاذلي بن جديد، وليقدّم بعدها إلى استفتاءٍ شعبي ويفوز برئاسة الجمهورية.

ولأنّ القرار كان خارج الدستور، فقد اضطر الشاذلي بعدها إلى إجراء تعديل على الوثيقة القانونية، "دستر" من خلالها طريقة وصوله إلى السلطة وبطريقة مقلوبة، وهذا ما جعل البعض يقول إن الممارسة على أرض الواقع، تسبق "الدسترة" في الجزائر.

ظلّ دستور 1976، يقول إن "الاشتراكية قرار لا رجعة فيها"، ويؤكّد أن تلك المادة غبر قابلة للإلغاء أو حتى التعديل، وفي إطار الدستور نفسه، بدأت البلاد في التراجع عن النهج الاشتراكي منذ منتصف ثمانيات القرن الماضي، ليأتي القانون التوجيهي للمؤسّسات الاقتصادية 88/01 ويطلق رصاصة الرحمة على الاشتراكية، قبل أن يتولّى "دسترة" الأمر سنة 1989.

كان يمكن أن "يدستر" منصب وسيط الجمهورية، عندما جاء اليامين زروال إلى الحكم، لكن الرئيس حينها لم يفعل، وتمكّن خلفه بوتفليقة من محور آثاره بسرعة، بمجرّد إخطار المجلس الدستوري، بعدم دستورية تلك الهيئة، إضافة إلى "محافظة الجزائر الكبرى".

ومثلما كافأ اليامين زروال، المناضل التاريخي عبد السلام حباشي، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بعد أكثر من عشرين سنة، عندما تمت مكافأة كريم يونس، بعد إشرافه على "هيئة الوساطة والحوار"، التي أسفر عملها على إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

هيئة "وسيط الجمهورية" بحاجة إلى حصانة دستورية حتى تؤدّي مهامها في تقريب الإدارة من المواطن

وحتى لا يبقى الأمر في دائرة "المكافأة"، فإن هيئة مثل "وسيط الجمهورية" في حاجة إلى حصانة دستورية وإطار قانوني واضح، حتى تؤدي مهامها في تقريب الإدارة من المواطن، والقضاء على كثير من المظالم، قبل الذهاب إلى العدالة، فيما يشبه "ديوان المظالم"، الذي كان معروفًا في التاريخ الإسلامي.

اقرأ/ي أيضًا:   

عهود النظام الجزائري.. للثورة أم لفرنسا؟

تعديل الدستور.. بين تبون وبوتفليقة والشاذلي وديغول