07-أكتوبر-2020

صورة للضحية شيماء سعدو (فيسبوك/الترا جزائر)

يشهد المجتمع الجزائري منذ بداية عام 2020، تزايدًا رهيبًا في نسب جرائم الاغتصاب والقتل والعنف المسلط على المرأة، وما يزال الأمر مستمرًّا، إذ أن الضحية في بلادنا، كثيرًا ما تصبحُ زادًا للموت مرّات عدة، تارة على يد قاتلها وتارة على يد وكلاء الدين والأخلاق في المجتمع، وفي أحيايين أخرى على يد القانون والدولة التي لا تحميها ولا تنصفها.

حسن حامي: قضية الشابة المغدورة شيماء عادت بموضوع العنف والمرأة لواجهة النقاش العام

قبل أيام قليلة، أفاقت البلاد على جريمة قتل راحت ضحيّتها الفتاة الشابة شيماء، تبلغ من العمر 19 ربيعًا، حيث قام الجاني باغتصابها وقتلها وحرقها بطريقة بشعة جدًا في إحدى محطات البنزين المهجورة، ما أثار موجة غضب وسخط عارمين، وأثار ردود أفعال منددة بالجريمة النكراء ومطالبة بالقصاص ومحاسبة هذا الشخص، حيث كانت هذه الجريمة مادة دسمة للعديد من الصفحات والمواقع المحلية والعالمية، التي تناقلت الخبر وحركت العديد من حملات التضامن والتنديد والدعوة إلى تطبيق أقصى العقوبات في حقّ الجاني.

اقرأ/ي أيضًا: تفاصيل مثيرة في القضية.. قاتل شيماء رهن الحبس المؤقّت

لوم الضحية/التعاطف مع المجرم

يعتقد الفيلسوف والباحث في النظرية الاجتماعية النقدية الألماني ثيودور أدورنو، أن الوقوف إلى صف الجاني على حساب الضحية هو نوع من أنواع الاضطراب السلوكي، وهو خللٌ لا يرتبط بالضرورة بمستوى تعليمي أو اجتماعي محدّد، كما ذهب بالاعتقاد أيضًا من خلال بحث قام به تحت عنوان "فاجنر، نيتشه وهيتلر"، إلى أن لوم الضحية ليس سوى متلازمة للشخصية الاستبدادية

ومع أن أدورنو هنا لم يكن يقصد تحديدًا ضحايا الاغتصاب والقتل، إلا أن هذه الآراء جاءت مع الوقت لتطابق حيثياتها وتدعمها.

هنا، يدور حديث حسب التصور الأخلاقي للمجتمع الجزائري على وجه الخصوص، أن الضحيّة قد تكون في أحيان عديدة مذنبة، وهذا ما أثارته العديد من ردود الأفعال التي اتهمت شيماء كما كثيراتٍ ممن سبقنها وكُنَّ ضحايا للاغتصاب والقتل والتعنيف، بالمسؤولية الكاملة أو الجزئية عمّا تعرضن له، وقد أثارت هذه الأقاويل حفيظة كثير من النشطاء، والمثقفين والفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه الحالة الاجتماعية الغريبة، وبل وطالب كثير من النشاط بمقاضاة هؤلاء بسبب تعليقاتهم الفيسبوكية.

تطرح هذه الظاهرة عدّة أسئلة جوهرية، هل هي أساليب التنشئة وتأثيرها على شخصية ومخيال الفرد الجزائري؟ هل هي الأعراف والمغالطات التي تنسب زورًا للدين؟ وإلى متى سيستمرّ إلقاء اللوم على الضحية كونها تلك الفتاة "غير الملتزمة" التي ما كان عليها أن تذهب بنفسها نحو الهاوية؟

تداعيات التمظهر الديني

في حسابه على موقع فيسبوك، صرح الناشط جلال لوز، أن ما أسماه بـ "السواد الأعظم" يبرر الجريمة بحجة أن الطفلة هي المذنبة لأنها غير محجبّة تارة، أو لأنها على معرفة بالقاتل تارة أخرى، وهذا يتنافى حسبهم مع الدين والعادات، وبالتالي يقولون بطريقة غير مباشرة أنها تستحق القتل أو يطرحون ذلك للنقاش على الأقلّ

ويضيف المتحدث، أنه بمراجعة حسابات المبرّرين لمقتل هذه الفتاة (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة)، تجد أنهم وبالضرورة، لهم ميولات دينية تمظهرية، مؤكّدًا على مصطلح "التمظهر الديني"، إضافة إلى ميولات سياسية أصولية متطرفة، وهذا ما يفتح الباب حسبه، للجهة التي تستثمر في هذا التيار الشعبوي لاستعماله كلّما اقتضى الأمر

في سياق هذا الموضوع، يستطرد جلال لوز، أن الضحية شيماء وشيماء الطفلة التي سبقتها، ومن قبلهما ومن بعدهما، هنّ ضحايا هذا المجتمع الذي ظلمهن أحياء بعدم حمايتهن، ويظلمهنّ مرة أخرى بمجرد طرح موضوع اسحقاقهن للقتل من عدمه.

يعلّق القائل، أن "هؤلاء هم ضحايا منظومة أمنية وعدلية عرجاء، تتعامل مع أعداد مهولة من المجرمين، والمجرمين المحتملين بأساليب ونصوص بدائية، وبمنظومة قانونية عقابية في شكلها لكنها غير ردعية في مضمونها". 

  ذكورية الفضاء العام

من جهته، يقول أستاذ علم الإجتماع حسان حامي في حديث إلى "الترا جزائر"، أن من بين أهم مظاهر أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي والجزائر تحديدًا هو موضوع العنف والمرأة والاغتصاب، إذ يُعَدُّ قضية ما تزال قابعة في أقبية المسكوت عنه

وباستثناء مجموعة من الأعمال الرصينة لثلّة من الباحثين، مثل بيار بورديو أو مالك شبل أو كاميل لاكوست دو جاردن والهواري عدي (في بعض أعماله) في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، فإن ما يُنتَجُ حول المرأة من أعمال حسب المتحدّث، "هو من قبيل الحديث باسم المرأة أو باسم المجتمع، ليتلاءم مع ما هو مطلوب في سوق المعرفة المُسَّيج بالطابوهات والممنوع، حيث الحرية الأكاديمية منقوصة في بلد سقف الحريات فيه منخفض جدًا".

يضيف الأستاذ حامي، أن قضية الشابة المغدورة شيماء عادت بموضوع العنف والمرأة لواجهة النقاش العام، بالنظر إلى فداحة الجريمة وسادية الفعل وثقل الأثر النفسي الذي تركته على نفوس الجزائريين، كما أنها حسبه، قد أعادت الحديث حول الإشكالات العميقة في بنية العلاقات السائدة بين الرجال والنساء في مجتمع ذكوري لم يتجاوز بعد تلك الترسيمات الجندرية التي أثثتها الثقافة الأبوية عبر قرون من التَحّيُز الذكوري، على حدّ قوله.

يوضح المتحدّث هنا، أن الفضاء العام لا يزال ذكوريًا بامتياز، حيث تأتي المرأة فيه في بصفة المُزَاحِمة للرجل في مكانة الطبيعي أي الشارع، حيث المكان المقبول مجتمعيًا للمرأة هو البيت، حتى وإن تراءى للجميع أن النساء تغزو قطاعات العمل والتعليم أو وسائل النقل العام والسوق أو الإدارات العمومية.

ثقافة تأثيم الأنثى

بالعودة إلى صُلب النقاش حول الجريمة وسياقاتها، صرح الأستاذ حسان حامي أنه لا بد من فهم ما إذا كنا أمام حادثة وحيدة متفردة، أم أننا أمام ظاهرة اجتماعية ممتدة في الزمن والجغرافيا؟

 في هذا الصدد، يضيف المتحدث أن الشواهد والأحداث تؤكّد أن ظاهرة الاغتصاب هي ظاهرة اجتماعية متفاقمة تشكل مشكلة حقيقية ومُلّحة، إضافة إلى جريمة الاختطاف التي تطال الأطفال خاصّة؛ أي أنهما كظاهرتين، قد أصبحتا تُشكلان تهديدًا حقيقيًا للسلم المجتمعي باستهدافهما الفئات الضعيفة أي الأطفال والنساء

هنا، يؤكد الأكاديمي أن ردود الفعل التي جاءت حول الجريمة أو على الأقل في جزء منها على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة؛ تكشف عن ذلك القبح الذي لا يزال قابعا في نفسيات الكثير من الأفراد، وهي حسبه، ردود تتبنى شكلًا من التعاطف مع الجاني وكأنه قام بفعل قبيح بالنيابة عن مجتمع أو فئة منه على الأقلّ.

تُحِيلُنا تلك الردود والمواقف من الجريمة إذن، إلى فهم أسبابها ودوافعها والمرتبطة سوسيولوجيا بتنشئة اجتماعية ومخيال ديني  مشبع بثقافة التأثيم  والحَطِّ من كل ما هو أنثوي (المدنس) في مقابل تقديس الذكورة (المقدس)، في سياق مخيال مجتمعي يسود فيه الاعتقاد أن جسد المرأة ملكية جماعية من حق الجميع التصرف في ستره أو إخفائه برضى المرأة أو بإرغامها على ذلك قصرًا، لأنها أثمة في نظر الرجل: أولًا بخروجها من حيزها الوحيد وهو البيت و مزاحمته في الفضاء العام و ثانيا بارتداء لباس "غير لائق" يطعن في تصوّره لمفهوم العفة والحشمة و يثير فيه غريزة الاعتداء لفظًا وممارسة، قبل غريزة الشهوة والرغبة المحرمة في نظره، يضيف المتحدث.

لهذا، يعتقد حامي أن المرأة والرجل كلاهما ضحيتان لنظام ثقافي يعيد إنتاج نفسه دائمًا بممارساته ورموزه، وهو كما قال، "نظام وجد أرضية خصبة في بلد بقي مغلقًا منذ عقود، اقتصادًا وسياسية وثقافة، وحيث النقاش حول المرأة والحرية والحقوق هو إما يدخل في دائرة الترف الفكري أو في دائرة الممنوع لسلطة تمارس أبوتها وذكورتها على مواطنيها ذكورًا وإناثًا".

الوجه الآخر للصدمة

من جهته، يقول الكاتب على مغازي، إنه توقع منذ البداية أن يتخذ كل الجزائريين موقف إدانة بالإجماع ضدّ المجرم الذي قتل الضحية شيماء، وضد كل المنظومة التي سهلت القيام بذلك، مقابل موقف تعاطف بالإجماع مع الضحية وعائلتها، ذلك أن شيماء تعرّضت حسبه لكل أشكال الجرم من شخص واحد: اختطاف، اغتصاب، تعذيب، قتل، ناهيك عن أن المجرم استخدم ضدها كل الأدوات والوسائل الممكنة ومنها (إضرام النار في جسدها)

تساءل مغازي: "هل بعد كل هذا المشهد – المتجاوز كل حدود البشاعة - تأتي فئة من الناس تعيش بيننا فتبرر للقاتل وتلوم الضحية؟ إنه الوجه الآخر للصدمة".

 يبدو لوم الضحية في هذه الحالة، حسب الكاتب، نوعًا من التنكيل الرمزي بجثتها، ذلك أنها ـ وبسبب لباسها تحديدًا- تم إسقاط صفة الإنسان عنها، وهذا لا يحدث إلا في بلدان تعجز أنظمتها عن تعريف معنى هذه الكلمة "الإنسان"، وهكذا تختلط القيم لدى أفراد المجتمع كما يحدث لدينا، على حدّ تعبيره.

جزء إضافيٌّ من الجريمة

في السياق نفسه، يذهب مغازي إلى فكرة أن من" يلومون شيماء هم في الواقع يلومون بقع دمها على الأرض، ويلومون رماد لحمها الذي أكلته النار، فهي قد ماتت، كيف لعاقل أن يلوم إنسانًا تم اختطافه واغتصابه وقتله، إلا إذا وُجِد في ثنايا هذا الموقف رغبة غير معلنة للاختطاف والاغتصاب والقتل".

علي مغازي: هم خصومها الذين استلموا من القاتل مهمة إنجاز الجزء الثاني من الجريمة على مسرح الرأي العام

"لماذا كل هذا الحقد على شيماء؟" يسأل مغازي، "هل لأنها أنثى تعيش في مخيال هؤلاء مرتبطة بسؤال قديم: هل المرأة إنسان؟ وحتى لو كانت إنسانًا ـ يُرى من خلال التشوّه المستفحل في عقولهم - فهي لم تعد إنسانًا بسبب لباسها، وبالتالي فكل ما حدث لها من وجهة نظرهم، وهم خصومها الذين استلموا من القاتل مهمة إنجاز الجزء الثاني من الجريمة على مسرح الرأي العام؛ هو قام بالتنفيذ وهم يتكفلون بالدفاع عنه لكن بطريقة خبيثة، أي من خلال مهاجمتها وهي ميتة، هو أزالها من الوجود بعد أن شوهها جسديًا وهم يريدون تشويه ذكراها وإزالتها من ضمائرنا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقتل شيماء يعيد مطالب تطبيق الإعدام

لزهاري يرفض إعدام مختطفي الأطفال ويدعّم حرية المعتقد