19-فبراير-2021

نشطاء دعو إلى عودة الحراك الشعبي في ذكراه الثانية (تصوير: ياسين بوعزيز)

عشية إطفاء الحراك الشعبي في الجزائر شمعته الثانية في الـ 22 شباط/فيفري الجاري، عادت المسيرات الرافضة للوضع السياسي في البلاد انطلاقًا من مدينة خراطة بولاية بجاية، التي كانت من بين المناطق التي انطلقت منها شرارة الحراك قبل سنتين، وهي العودة التي تتزامن مع إطلاق الرئيس عبد المجيد تبون مشاورات واسعة مع الأحزاب السياسية، يقول من شارك فيها لحدّ الآن من السياسيين إنها "تصبّ في خانة تلبية مطالب الجزائريين".

ارتفعت في الأيّام الأخيرة الأصوات الداعية لبعث مسيرات الحراك من جديد

ومع بدء العدّ التنازلي لليوم الـ 22 من هذا الشهر الجاري، الذي سيصادف الإثنين القادم، يتساءل جزائريون عن أيّ الطرفين بين الرئيس تبون والداعين إلى التظاهر سيستطيع أن يُقنع الآخر، أم أن حالة التنافر بين الجانبين ستستمرّ، وتستمر معها أسئلة عنوانها إلى أيّة وجهة تسير البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: في ذكراه الثانية.. عفو رئاسي عن معتقلي الحراك الشعبي

 جمع آلاف الأشخاص الثلاثاء الماضي في خراطة شرق الجزائر، مهد الحراك المناهض للسلطة، إحياء للذكرى الثانية من الاحتجاجات الشعبية التي أدّت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. ورُفعت لافتات في هذه المظاهرة، كتب عليها "من أجل استقلال الجزائر" و"الجنرالات في سلة المهملات" و"الرئيس تبون مزور غير جابوه العسكر" وغيرها. وجاءت مظاهرة خراطة استمرارًا لمسيرات الحراك المتوقفة منذ سنة بسبب جائحة "كوفيد-19".

عودة الحراك

شهدت مدينة خراطة الثلاثاء الماضي قبل نحو أسبوع من مرور سنتين على الحراك الشعبي، تجدّد المسيرات الرافضة للوضع السياسي في البلاد، والتي شارك فيها المئات الذين قدم بعضهم من ولايات خارج بجاية.

وإن كانت المسيرات ليست بالأمر الجديد على خراطة التي لا تهدأ الاحتجاجات بها، إلا أن عدد المشاركين بها والزمن الذي انعقدت فيه، قد تمهد حسب البعض لتجدّد مسيرات الحراك الشعبي عبر كامل تراب الوطن، التي توقفت بسبب الإجراءات الصحية الوقائية من فيروس كورونا.

وعرفت المسيرات مشاركة بعض نشطاء الحراك، الذين تم سجنهم لاشهر بتهم مختلفة مثل كريم طابو وفضيل بومالة وغيرهم، كما تم خلال هذه المسيرة المطالبة بإطلاق معتقلي الرأي، ورفع شعارات تستهجن الوضع السياسي القائم وتعبر عن نقمها من كل الخطط المقدمة من قبل السلطة.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ارتفعت في الأيّام الأخيرة الأصوات الداعية لبعث مسيرات الحراك من جديد، لكن في الوقت ذاته تنادي بعض الصفحات والمنصات على عدم الاستجابة لهذه الدعوات وضرورة أن يلتزم الجميع البيت بحجة أنه لا يوجد حراك وضرورة الثقة في الرئيس والجيش، على حد ما جاء في أوسم تم تداولها على عدة منصات.

مساع رئاسية

فور عودته من سفريته العلاجية إلى المانيا، سارع الرئيس تبون إلى الشروع في سلسلة مشاورات واسعة مع الأحزاب حول قانون الانتخابات المنتظر، والتعديل الحكومي المرتقب، إضافة إلى التشريعيات المسبقة، وهي الخطوات التي تهدف إلى الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، وجعل أي محاولة للعودة إلى احتجاجات الشارع لا تحظى بالدعم الكبير، وغير مبررة بنظر السلطة.

في هذا السياق، وبمناسبة إحياء ذكرى يوم الشهيد المصادفة لـ 18 شباط/فيفري من كل عام، وعلى غير العادة لم تتضمّن كلمة رئيس الجمهورية العلاقات الجزائرية الفرنسية والحديث عن الماضي الاستعماري في البلاد، إنما عن الخطوات التي بذلها لتلبية مطالب "الحراك المبارك الأصيل".

وبعد أن دافع تبون عن حصيلته الرئاسية خلال عام من انتخابه رغم الضغوبات المالية التي واجهها، بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا، أعلن عن جملة من الإجراءات الهادفة إلى امتصاص غضب الشارع، حيث شدّد على ضرورة "إعطاء أهميّة كبيرة للشباب الخلاق في الاقتصاد الوطني"، وذلك بإنشاء وزارتين وصندوق مخصص لهم لتسهيل الاستثمار في الشركات الناشئة والمصغرة.

وفي المجال السياسي، عاد الرئيس تبون إلى ما تم مباشرته من "تغيير في النصوص وفي المؤسسات مثلما طالب به الحراك المبارك الأصيل لـ 22 فبراير 2019"، مردفًا في هذا الإطار بالقول "وعدنا بأن التغيير الجذري لا يأتي إلا بمؤسسات جديدة وغير مشكوك فيها".

وأوضح أن "التغييرات التي جاء بها الدستور ويشعر بها المواطن"، تضمّنت تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيز صلاحيات المنتخبين، سيما على مستوى البرلمان، لذلك أعلن حلّ المجلس الشعبي الوطني والمرور مباشرة إلى انتخابات "تكون خالية من المال الفاسد أو غير الفاسد, تفتح المجال للشباب".

و دعا تبون الشباب إلى "اقتحام المؤسسات السياسية"، و ذلك بتشجيع من الدولة من خلال "التكفل بجزء كبير من تمويل الحملة الانتخابية".

وحسب الرئيس تبون، فإن إشراك الشباب في الحياة السياسية سيمكن من "ضخ دم جديد في أجهزة الدولة"، وسيجعل البرلمان "عين ولسان الشعب, بحيث لن تكون فيه أي شكوك"،على اعتبار أنه "سينتخب تحت مراقبة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والتي لا يتدخل أحد في صلاحياتها، بما في ذلك رئيس الجمهورية".

واستجابة لمطالب الحراك والأحزاب السياسية، أعلن الرئيس تبون عن توقيعه لمرسوم عفو رئاسي لفائدة مجموعة من المعتقلين تضم حوالي 30 شخصا حكم عليهم نهائيا، بالإضافة إلى مجموعة أخرى لم يتم إصدار أحكام في حقهم بمجموع بين 55 و60 فردا "سيلتحقون بعائلاتهم ".

 وأعلن تبون أيضًا عن تعديل حكومي بعد الانتقادات التي وجهت لطاقم الوزير الأول عبد العزيز جراد.

اختبار

من الصعب الحكم على مدى إقناع إجراءات الرئيس تبون الجزائريين في ثنيهم على عودة المسيرات إلى الشارع، بالنظر إلى أن الوعود التي أطلقها فيها استجابة واسعة لمطالبات الحراك، إلا أن التجربة عملت الجزائريين ان هناك فرق دوما بين أقوال السياسيين وأحكامهم، لذلك ستكون الأيام القادمة هي لكفيلة بامتحان الوعود الرئاسية.

وفي المقابل، فإن تجمع خراطة ليوم الثلاثاء الماضي يبقى لحد الأن منعزلًا، كما لم يكن رغم ضخامته بحجم الاحتجاجات والمسيرات التي عرفها الجزائريون في 2019 سواء في بجاية أو في ولايات أخرى.

من الصعب الحكم على مدى إقناع إجراءات الرئيس تبون الجزائريين في ثنيهم على عودة المسيرات إلى الشارع

وقبل حلول يوم الـ 22 شباط فيفري، يبقى كل طرف يترقّب مدى قدرته على إقناع الجزائريين بالخطوات التي اتخذها عشية الذكرى الثانية لإطاحة الجزائريين بنظام عبد العزيز بوتفليقة، لأن يوم الإثنين القادم سيبرز وزن كل طرف في ميزان الجزائريين، وهو الوزن الذي سيكون أوراقَا يمكن استخدامها عند الجلوس على طاولة التفاض سواء من طرف السلطة، أو من طرف من يدعون أنهم يمثلون الحراك، رغم أن هذا الأخير لم يفلح حتى اليوم في تعيين قادة يمثلونه حق التمثيل، وهي النقطة التي تظلّ تشكل له  جانب ضعف تجعل البعض لا يثقون في خطواته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرة حاشدة بخراطة في ذكرى الحراك الشعبي

الحرك الشعبي.. هل انتهت الهدنة؟​