10-يناير-2022

إيمانويل ماكرون, عبد المجيد تبون (تركيب/الترا جزائر)

بعد قرابة ثلاثة أشهر من استدعاء السفير الجزائر في باريس، يستأنف السفير الجزائري محمد عنتر دواد مهامه اعتبار من الخميس القادم، حيث أكّدت الرئاسة الجزائرية في بيان مقتضب، أن عبد المجيد تبون استقبل "سفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود، الذي يعود لمواصلة أداء مهامه ابتداءً من الخميس السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري".

علواش: فرنسا تراجعت عبر القنوات الديبلوماسية عن مواقفها التي كانت سببًا في الأزمة الدبلوماسية الحادة

وكانت الجزائر استدعت في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الفارط سفيرها بباريس، ردًا على تصريحات الرئيس الفرنسي نقلتها صحيفة "لوموند"، تساءل ماكرون حول وجود "أمّة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي من العام 1830، كما اتهم النظام الذي وصفه بـ"السياسي-العسكري" بانتهاج سياسية "ريع الذاكرة" حول حرب الجزائر والذاكرة التاريخية.

اقرأ/ي أيضًا: العلاقات الفرنسية الجزائرية.. تهدئة بطعم التصعيد؟

تصريحات ماكرون أثارت ردود فعل غاضبة وسط السلطة والمجتمع الجزائري، وفي ردّ فعلٍ سريع، منعت الجزائر الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار مكافحة الإرهاب من التحليق في مجالها الجوي.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أعلن ماكرون، عبر أحد مستشاريه أنه يتأسّف للمشاحنات وسوء الفهم مؤكّدًا أنه "يكنّ احترامًا كبيرًا للأمة الجزائرية وتاريخها".

في هذا السياق، أشاد رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائريـ بتصريحات ماكرون "التي تعبر عن الاحترام تجاه بلده"، وداعا الرئيس الفرنسي عبد المجيد تبون إلى زيارة فرنسا لحضور مؤتمر باريس حول ليبيا يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر، وذكر ووزير الخارجية الجزائري الذي حضر المؤتمر أن ظروف زيارة تبون إلى فرنسا غير متوفرة".

وفي الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي زار جان ايف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، الجزائر بهدف نزع فتيل الأزمة الثنائية القائمة بين البلدين، وداعا لودريان إلى علاقة هادئة كي يتمكن البلدين من التطلع إلى المستقبل.   

وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترات دبلوماسية، ويعود سبب هذه الخلافات في الغالب إلى ملف الذاكرة التاريخية، إذ أنّ هناك تباينًا واسعًا في الرؤى بين البلدين.

انطلاقة جديدة

في سياق الموضوع، قال رشيد علوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في اتصال مع "التر جزائر "، إن استقبال الرئيس عبد المجيد تبون للسفير الجزائري، يحمل رمزية تندرج في إطار ارسال رسائل قوية للطرف الفرنسي، مشيرًا أن قرار عودة السفير لمواصلة أداء مهامه أتت من المؤسسة السيادية الأولى في البلاد ممثلة برئيس الجمهورية.

وأضاف المتحدّث الرمزية الثانية ترتبط بالرؤية الجزائرية لطبيعة العلاقات الجزائرية-الفرنسية وربطها بملفات سيادية، كانت سببا في استدعاء السفير الجزائري، واستنتج أن استقبال السفير قبل عودته تأتي تأكيدًا على وجود اتصالات غير معلنة بين الطرفين، على حد تعبيره.

فرنسا أقدمت عبر القنوات الديبلوماسية على تراجعها عن الأسباب التي كانت سببًا في الأزمة الدبلوماسية الحادة، بحسب علواش، حيث تحدث الخبير في العلاقات الدولية عن إمكانية تقديم الجانب الفرنسي الالتزامات باحترام سيادة الدولة الجزائرية.

وبخصوص عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى طبيعتها المعهودة، قال الباحث إنّ الأمر متربط بحجم الالتزامات التي قدمتها فرنسا للجزائر، مضيفًا أن وزير الخارجية الفرنسي في زيارته الأخيرة أكد على احترام سيادة الدولة الجزائرية، وتعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، خاصة التعليق على الاحداث المحلية من قبل وسائل اعلام فرنسية رسمية.

وذكر علوش أن رغبة فرنسا في إنهاء الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر مرتبط بحجم التكلفة السياسية والأمنية وحتى العسكرية والاقتصادية على الكاهل الطرف الفرنسي.

الصحف الفرنسية

من جانبه، اعتبر توفيق قودير شيشي، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، أن العلاقات الجزائرية- الفرنسية تحمل خصوصية معينة، ومعقدة مرتبطة بالتاريخ والجغرافية ووجود جالية جزائرية كبيرة، وأضاف محدث "التر جزائر" أن العلاقات الاقتصادية والسياسية والتجارية رهينة الذاكرة التاريخية التي تجمع البلدين.

في هذا السياق، يأمل قويدر شيشي إلى أولية معالجات ملفات الذاكرة التاريخية المرتبطة بالفترة الاستعمارية، والمتمثلة بضرورة الاعتراف بجرائم ضد الإنسانية، ملف الجماجم، ملف الأرشيف والتجارب النووية وتعويض ضحاياها وتسليم الخرائط.

وفي تقدير توفيق قويدر فإن عودة السفير الجزائري إلى فرنسا تأتي بعد اتفاق بين الجانب الجزائري والفرنسي حول شروط وضعتها الجزائر على طاولة النقاش جمعت اللجان المشتركة.

وأفاد المتحدّث أن الجزائر شدّدت على ضرورة احترام كامل للسيادة الوطنية وتاريخ الأمة، وعدم اقحام الجزائر تاريخيًا ومحليًا في النقاش الفرنسي-الفرنسي من خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة.

وذكر محدثنا أن فرنسا رحّبت بعودة السفير الجزائري إلى باريس عبر ما نقلته الصحف الفرنسية، معتبرةً أن الجزائر شريكٌ اقتصادي هام، وحليف استراتيجي في إدارة ملفات عديدة على غرار الملف الليبي، وملف مكافحة الإرهاب في الساحل، إضافة إلى الدور المحوري في المنطقة المغاربية والأفريقية.

يتأكّد أن فرنسا من مصلحتها تجاوز التصريحات الكلامية الاستفزازية، في ظل التحديات الجيوسياسية والتهديدات الأمنية وتنوع شركاء الجزائر

بناءً على كلّ هذه المعطيات، يتأكّد أن فرنسا من مصلحتها تجاوز التصريحات الكلامية الاستفزازية، في ظل التحديات الجيوسياسية والتهديدات الأمنية وتنوع شركاء الجزائر، ولم يعد هناك مجال للحسابات السياسية الضيقة، ولا مكان للاستعلاءات المركزية الديغولية وسط التحولات الدولية والعالمية، وبات على الجارة الأوروربية تغيير خطابها السياسي مع دول تتهمها في خطابات رسمية بحنينها إلى "ماضيها الاستعماري".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماكرون: النظام الجزائري أنهكه الحراك الشعبي

ماكرون "يتهرّب" من ملفّ الذاكرة ويُهنئ الجزائريين بذكرى الثورة