20-نوفمبر-2020

غياب الرئيس تبون للعلاج بألمانيا يكتنفه كثير من الغموض (الصورة: أصوات مغاربية)

تشهد الجزائر منذ الاستفتاء الشعبي حول الدستور، الذي جرى في الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، جمودًا سياسيًا لافتًا، بخلاف ما كان متوقّعًا، وهو أن يُحدث الاستفتاء ديناميكية جديدة في الحياة السياسية والشأن العام أيضًا.

 الاستفتاء الأخير عرّى واقع الأزمة السياسية وحاجة البلاد إلى حوار سياسي يسبق المسارات الانتخابية

تراكمات الأزمة

غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن المشهد السياسي، منذ فترة ما قبل الاستفتاء الشعبي، بسبب تنقّله للعلاج إلى ألمانيا بعد إصابته بكورونا، أثّر على نشاط الحكومة وقيّد تحركاتها، ما دفع ببعض القوى السياسية إلى الدفع بمبادرات سياسية جديدة تتيح التوصّل إلى توافقات، لتعزيز الجبهة الداخلية وحلّ الأزمة السياسية التي خلفتها المقاطعة الشعبية الكبيرة للاستفتاء.

اقرأ/ي أيضًا: بعد غيابها بسبب كورونا.. الدستور يُعيد الأحزاب السياسية إلى الواجهة

تتفاعل في الفترة الأخيرة في الجزائر، دعوات وجّهتها مكوّنات سياسية ومدنية، ومبادرات بشأن ضرورة البحث عن مدخل لإجراء حوار سياسي يضمّ كلّ القوى الوطنية، حيث أعلن رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة في ورقة سياسية قبل أيّام أنه "يدعو في هذه الأجواء والظروف الخطيرة كل الطبقة السياسية إلى حوار فعّال وجاد".

وأضاف أنّه يدعو السلطة ليكون صدرها متسعًا لقبول وجهة النظر الأخرى مهما كانت مختلفة، مشيرًا الى أنّ الحركة "مستعدة لقبول أيّة مبادرة أو السعي فيها من طرف الطبقة السياسية على اختلاف توجّهاتها، يكون هدفها الجزائر ورفع الغبن عن شعبها، وتمتين الجبهة الداخلية وإشاعة الحرّيات وتعميق الديمقراطية".

دعوة "حركة البناء"، بدت أنها صدى لدعوة كانت قد كشفت عنها قبل ذلك "جبهة القوى الاشتراكية"، وهي أقدم أحزاب المعارضة السياسية في البلاد، تأسّس عام 1963. حيث أكّد سكرتيرها الأوّل يوسف أوشيش أن "الأفافاس" يعتزم إطلاق مبادرة سياسية جديدة، تتخذ من التوافقات الوطنية منطلقًا رئيسًا لوضع مشروع إجماعٍ وطنيٍّ على المرحلة الديمقراطية قيد التنفيذ، بمشاركة كل القوى السياسية والمدنية في البلاد.

 وأضاف المتحدّث، أنّ هذه تتيح نقاشًا ديمقراطيًا لصياغة مشروع سياسي حقيقي، تشارك فيه شخصيات سياسية ومثقّفون ومواطنون، بهدف جمع كل من يرغب بتغيير سلمي ديمقراطي ومنظم.

وأعلن سكريتير "الأفافاس" عن استعداد حزبه للتعاون في هذا السياق مع القوى الوطنية والمدنية لكون الجزائر "بحاجة إلى حلّ سياسيٍّ ديمقراطي وتوافقي، يُفضي إلى ميثاقٍ سياسيٍّ وطني يجمع كل القوى الحيّة في المجتمع و يضع أسس الدولة الوطنية التي سينخرط فيه الجميع.

اتساع الهوّة

عودة طرح المبادرات السياسية الداعية إلى حوار وطني، تأتي في ظلّ ثلاث معطيات هامّة، وهي فشل السلطة وقوى الموالاة في حشد الناخبين للمشاركة في الاستفتاء الشعبي حول الدستور، حيث بلغت نسبة المشاركة أدنى مستوياتها في تاريخ الجزائر، مسجّلة 23 في المائة من الناخبين فقط، ما يعني أن 77 في المائة من الناخبين قاطعوا الاقتراع على الدستور الذي لم يحز سوى 3.5 مليون صوت من مجموع 24.5 مليون ناخب مسجّل في الداخل والخارج.

 في هذا السياق، تكشف المعطيات سالفة الذكر، عن حقيقة لا مفرّ منها بحسب متابعين للشأن السياسي في الجزائر، وهي أن هناك أزمة حقيقية في الفعل السياسي الجزائري، بل وأكثر من ذلك "هناك شرخ كبير بين القاعدة والساسة في البلاد"، يقول الباحث في العلوم السياسية نورالدين محمودي من جامعة الشلف لـ "الترا جزائر".

نتائج الاستفتاء، رغم ما قيل عنها بخصوص "شفافية العملية الانتخابية التي أطّرتها وسيرتها سلطة انتخابية مستقلة، تعري واقعًا جديدًا في الجزائر يمرّ عبر آلية الثقة التي لم يمنحها قطاع واسع من الناخبين للدستور الذي عرض للاستفتاء الشعبي" يضيف المتحدّث.

وما يسير في تناسق مع هذا المعطى، هو أننا مقبلون على انتخابات تشريعية ومحلية – إن تمّ الاعلان عنها العام المقبل- وبذلك "سنشهد مقاطعة متوقّعة من المواطنين، أو عزوفهم عن آداء واجبهم الانتخابي بسبب فواعل اجتماعية واقتصادية يلمسها المواطن في يومياته.

في مقابل ذلك، فإن الاستفتاء الأخير عرّى واقع الأزمة السياسية وحاجة البلاد إلى حوار سياسي يسبق المسارات الانتخابية، للتفاهم على أرضية سياسية للانتقال الديمقراطي الحقيقي.

أمّا المعطى الثاني الذي عزّز حالة القلق في الجزائر والحاجة إلى حوار سياسي، هو مرض الرئيس عبد المجيد تبون، والذي كان قد نقل في الـ 27 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري إلى ألمانيا، على متن طائرة إسعاف خاصّة تم استقدامها من بوردو الفرنسية، لإجراء فحوصات طبيّة معمقة بتوصية من الطاقم الطبّي المشرف عليه، وتلقّي العلاج بعدما أصيب بفيروس كورونا، بعدما كان قد مكث يومين في مستشفى عسكري في العاصمة الجزائرية، ولا تعرف الظروف المحيطة بوضعه الصحّي ومستقبل مشروعه السياسي على هذا الأساس.

ومن دون شكّ يبقى التساؤل الأكبر لدى الجزائريين حيال مرض الرئيس، إشكالًا كبيرًا خصوصًا وأن تجربة مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كانت علامة محبِطة للجزائريين، حسب الناشط الحقوقي المحامي سمير بوفناية، إذ غاب الرئيس خلال فترة تزيد عن سبع سنوات قبل استقالته على خلفية احتجاجات شعبية العام الماضي، موضّحًا لـ"الترا جزائر"، أنه الجبهة الاجتماعية تنتظر تنفيذ الوعود التي أطلقها الرئيس منذ الحملة الانتخابية للرئاسيات في العام الماضي، مع مخاوف من تأزّم الوضع الاقتصادي، بسبب ارتهان أرزاق آلاف الجزائريين بتوقف عجلة العمل بسبب جائحة كورونا. يضيف المتحدّث. 

 تقوية الداخل

ويأتي ثالث المعطيات التي تؤثث المشهد الداخلي في الجزائر، التطوّرات الأخيرة على الحدود الغربية الجزائرية، وإن كانت الجزائر غير معنية بالنزاع وليست طرفًا فيه، إلا أنها ستكون معنية بتداعياته، ما يفرض الحاجة إلى تعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق إجماع وطني.

هل يحل الحوار السياسي الأزمة الحالية ويعمل على تمتين الجبهة الداخلية وتأمينها؟

يبدو أن الوضع السياسي الجامد في الجزائر، يحتاج فعلًا إلى محرّك جديد، فالتدقيق في مسار العملية السياسية في الجزائر خلال ما يقارب واحدًا وعشرين شهرًا، يدفعنا اليوم إلى عدم إغفال تراكم الأزمات التي عاشتها الجزائر منذ العهدة الرابعة للرئيس السابق بوتفليقة، واستمرارها إلى غاية الحراك الشعبي في شبّاط/فيفري 2019، فهل الحوار السياسي هو الحل لهذه الأزمة، بهدف تمتين الجبهة الداخلية وتأمينها؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

إفلاس الأحزاب السياسية.. موسم الهجرة إلى التنسيقيات

غليان الشارع السياسي.. احتجاجات وإضرابات وقضايا فساد وانشقاقات داخل الأحزاب