رغم أنّ جهاز الحماية المدنيّة في الجزائر مدرجٌ ضمن الأجهزة النّظاميّة، مثل الشّرطة والجمارك والدّرك والجيش، إلا أنّه منذ تأسيسه عام 1964، أي سنتين بعد الاستقلال الوطنيّ، ظلّ يتفوّق على الأجهزة النّظاميّة الأخرى في محبّة الشّعب لعناصره وثناء الكثيرين عليهم، بحكم الخدمات الجليلة، التّي يقدّمونها في الميدان. ولكونه جهازًا غير مسلّح.
كان عبد القادر خارج الخدمة، وحدث أن كان مارًّا بالقرب من مكان الحادث، فلم يتوانَ في التّفاعل معه عفويًّا
لا يقتصر دور رجال الحماية المدنيّة على إطفاء الحرائق، بل يتعدّاه إلى إسعاف المرضى، ومراقبة شواطئ الاصطياف، وإنقاذ الأشخاص والحيوانات في حالة خطر، والقيام بحملات ذات منافع عامّة، حول أخطار السباحة في الشواطي، وتسرّب الغاز وإرشادات حول الإسعافات الأولية.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن السترات الصفراء والبرتقالية في الجزائر؟
من هنا، تعوّد الجزائريّون من موسم إلى آخر، على أن يقوم أحد من رجالات الحماية المدنيّة بعمل بطوليّ، يجعله بطلًا شعبيًّا، فتتناقل صورَه والحديثَ عنه ومعه في المنابرُ والمجالسُ المختلفة.
كان عون الحماية المدنيّة عبد القادر سحنون، آخر المنضمّين إلى قائمة الأبطال الشّعبيين، بإقدامه الخميس الماضي، على إنقاذ امرأتين من موتٍ محقّق، بسبب حريق شبّ في مطعم مجاور لبيتهما في حيّ الطّحطاحة الشّعبيّ بوهران. حيث كان عبد القادر خارج الخدمة، وحدث أن كان مارًّا بالقرب من مكان الحادث فلم يتوانَ في التّفاعل معه عفويًّا، بالتسلّق إلى الطّابق الثّاني، مستعملًا خبرته المهنيّة في ذلك، وإخراج المرأتين، اللّتين كانتا توشكان على الاختناق بسبب الأدخنة الكثيفة.
قام شّباب حضروا الحادثة، بتصوير مغامرة رجل الإطفاء وبثّها في مواقع التواصل الاجتماعي، فكان أن تحوّلت إلى حديث العامّ والخاصّ، حتّى أنّها غطّت على خطاب الرّئيس المؤقّت عبد القادر بن صالح في اليوم نفسه. وحظي الإطفائيّ بلقب "بطل وهران". وبكثير من الأدعية والثّناء.
في تصريح لأكثر من قناة جزائريّة، قال عبد القادر سحنون إنّه بعد أن وصل إلى المرأتين في الطابق الثّاني، راح يقدّم نفسه لهما حتّى يكسب ثقتهما، ثمّ راح يعطيهما أوامر وصفها بـ"شبه عسكريّة" كي تستجيبا لتعليماته، وعاتب سحنون الشّباب الذّين كانوا متواجدين على ما اعتبره سلبية منهم إذ اكتفوا بالتّصوير، ثم تدارك بالقول: "أعلم أنّهم غير مختصّين".
على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا النّاشط توفيق عمران، الجزائريّين في تدوينة فيسبوكيّة له إلى الوقوف تحيّة لعون الحماية المدنيّة عبد القادر سحنون، الذّي أنقذ المرأتين، "رغم معاناته من إصابة في يده بعد حادث عمل تعرّض له سابقًا".
من جهته، قال المصوّر زهر الدّين مربعي في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ تفاعل الجزائريّين مع خطوة عون الحماية المدنيّة لا يعود إلى تثمين بعدها الإنسانيّ والبطوليّ فقط، "بل لكونها جاءت أيضًا في ظرف بات الجزائريّون يترقّبون فيه أن يقدم رجال السلطة القائمة على تضحيات من أجل البلاد في هذا الظّرف الحسّاس، الذّي يتميّز بتعنّتهم في الاستجابة للمطالب الشّعبيّة، مما خلق حالة خيبة في الأوساط الشّعبيّة. فكان ما قام به الشّابّ عبد القادر سحنون ذا بعد رمزيّ عميق في هذا الباب".
كوفئ رجل الحماية المدنية عبد القادر سحنون في اليوم الموالي من رتبة عون إلى رتبة عريف نظير شجاعته
لم يحظ عبد القادر بثناء الشّعب فقط، بل تعدّاه إلى مسؤولي الجهاز الذّي يشتغل فيه، إذ تلقّى المدير الولائيّ للحماية المدنيّة في وهران برقيّة من المدير العامّ للجهاز العقيد بوعلام بوغلاف يُخبره فيها بترقية عبد القادر سحنون من رتبة عون إلى رتبة عريف، لإنقاذه امرأتين من موت محقّق، معرّضًا نفسه للمخاطر رغم وجوده في يوم راحة، وهو ما تمّ فعلًا في اليوم الموالي.
اقرأ/ي أيضًا:
عبدالله مالك.. شاب يرعى أعمال الشباب في الجزائر
من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل