عيد المرأة: بطولة الشهيدة حسيبة بن بوعلي.. فُرصة لتجديد الذّاكرة

في زاوية من زوايا القصبة العتيقة؛ سطع نجم فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة، رمزًا للتضحية والفداء في سبيل الوطن، إبان فترة الاستعمار الفرنسي؛ إنّها  الشهيدة حسيبة بن بوعلي .

خُلّد اسم الشهيدة حسيبة بن بوعلي في شارع بقلب العاصمة الجزائرية، واسم أطلِق على بوابات مؤسسات تربوية وجامعية، ولافتات رفعت في مظاهرات شعبية.

 عيد المرأة في الجزائر فُرصة لتجديد الذاكرة، إذ يحمِل معاني خاصة، إذ يعتبر الاحتفال به بعد عقود من الاستقلال تكريم لتاريخ طويل من العطاء والتضحية للنّساء في الثورة التحريرية.

تُواصل المرأة الجزائرية اليوم مسيرة النضال وتساهم في البناء والتنمية في مختلف المجالات من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والسياسة

عيد المرأة.. بُطولة خالِدة

احتفاءً باليوم العالمي للمرأة؛ تمّ استذكار واحدة من أبرز رموزها الشهيدة حسيبة بن بوعلي، في وقفة ترحُّم  على روحها بمقبرة سيدي امحمد بالعاصمة، نظّمها السبت، الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، و استذكر دور المرأة كشريكة الرجل في كل مراحل النّضال، حيث قدّمت أروع الأمثلة في البطولة.

وجرت وقفة الترحم بحضور وزيرة البيئة وجودة الحياة نجيبة جيلالي إلى جانب عدد من المجاهدات والبرلمانيين.

وقالت الأمينة العامة للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات نورية حفصي، إنّ الشهيدة حسيبة بن بوعلي تُعد "رمزًا للتضحية وأيقونة للتحرر"، مؤكدة أنّ النّساء الجزائريات "يواصلن مسيرة الدفاع عن الوطن على خطى هذه الشهيدة البطلة التي خلد التاريخ اسمها بأحرف من ذهب".

ومن جانبها، دعت المجاهدة حورية طوبال النساء الجزائريات إلى مواصلة مسيرة الكفاح من أجل الحفاظ على الجزائر، مشيرة إلى أن الشهيدة حسيبة "تعد رمزًا للشجاعة والتضحية في سبيل الوطن".

لقد كانت المرأة في طليعة الصفوف خلال الثورة التحريرية، حيث شاركت في مختلف المجالات، من حمل السلاح إلى تقديم الدعم اللوجستي والإسعافات، إلى جانب دورها في التوعية والتعبئة.

حسيبة بن بوعلي.. قصة في زمن الثورة

انضمت الشهيدة حسيبة بن بوعلي إلى صفوف الثورة التحريرية في سن السابعة عشرة، وبرزت في نشاطها النضالي عام 1956، عندما أصبحت عنصرًا نشطًا في فوج الفدائيين المكلفين بصنع ونقل القنابل.

يحفظُ تاريخ الثورة التحريرية، ذكرى الشهيدة ابنة مدينة الشلف (الأصنام سابقاً) غرب الجزائر، حيث كانت حسيبة بن بوعلي (1938-1957)، أحد أبطال معركة الجزائر بالقصبة العتيقة بأعالي العاصمة.

  لم تتوانَ تلك الشابة لحظة في الانخراط في صفوف الثورة التحريرية، لتُثبت للعالم أجمع أنّ المرأة الجزائرية ليست مجرد ظل للرجل، بل هي شريك أساسي في معركة التحرر.

وحسب البحوث التاريخية فإنّ عملها في مستشفى "مصطفى باشا" بالعاصمة مكنها من الحصول على المواد الكيمياوية اللازمة لصنع المتفجرات.

كان لحسيبة بن بوعلي دور كبير مع عدد من المجاهدين في إشعال فتيل "معركة الجزائر"، خاصة بعد التحاقها بهم في حي القصبة العتيق بأعالي العاصمة.

لم تقتصِر مشاركتها على الدعم اللوجستي، بل كانت فدائية بامتياز، تجوب شوارع القصبة حاملةً بين يديها أمانة الثورة، تنقل الرسائل، وتصنع المتفجرات، وتخطط للعمليات الفدائية.

سقطت الشهيدة حسيبة في ميدان الشرف يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1957، بعد أن قامت سلطات الاحتلال الفرنسي بنسف المبنى الذي كان يأويها، برفقة المجاهدين علي لابوانت، محمود بوحاميدي، وعمر ياسف المعروف بـ "عمر الصغير" الذي كان في سنّ الثالثة عشرة.

شُعلة الحرية

لقد كانت حسيبة بن بوعلي نموذجًا للمرأة الثائرة، التي ترفُض الخضوع والاستسلام في قلب معركة والثّورة في بداياتها الأولى، كما كانت صوتًا للحقّ وصرخة في وجه الظّلم، وأحد النماذج التي يُحتذى بها.

وكما هو حال الشهداء الذين تمّ تخليدهم على امتداد الأجيال؛ تمّ تسمية أحد أكبر شوارع العاصمة باسم حسيبة بن بوعلي، تكريمًا لتضحياتها ودورها في الثورة الجزائرية.

كما ألهمت حسيبة بن بوعلي العديد من الشباب الجزائري للتضحية في سبيل الوطن، مثلما رُفعت لافِتات تحمل صورتها وصور الكثير من الشهداء خلال الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في عام 2019.

وتواصل المرأة الجزائرية اليوم مسيرة النضال وتساهم في مسيرة البناء والتنمية، وفي مختلف المجالات من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والسياسة.