هذه هي المرّة الأولى في تاريخ البلاد، التي يتقرّر فيها غلق الحدود البرّية مع الجارة الشرقية تونس بشكل كامل، جزءٌ من هذه الحدود كانت مغلقة أصلًا، والجزء الآخر فرضت تطوّرات انتشار فيروس "كورونا" إغلاقها إلى أجل غير مسمّى، بينما أغلقت حدود برّية فتحت لها معابر قبل فترة قصيرة فقط .
اتفاقيات وتدابير وقائية..
أعلنت الحكومة الجزائرية، عن اتفاق رسميٍّ مع نظيرتها التونسية لغلق الحدود بين البلدين، في إطار التدابير المتخذة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، حيث أكد بيان لرئاسة الحكومة أن رئيس الحكومة عبد العزيز جراد، ونظيره التونسي إلياس الفخفاخ، اتفاقا على غلق الحدود البرّية بين البلدين.
اقرأ/ي أيضًا: إصابات جديدة مصدرها فرنسا.. غضبٌ في الجزائر بسبب تأخّر تعليق الرحلات
وأضاف البيان، أن "هذا الإجراء يعدّ استثنائيًا للغاية ومؤقّتًا، ويدخل حيز التنفيذ منتصف ليلة الثلاثاء، ولن يؤثّر مطلقًا على روح الصداقة والأخوّة بين الشعبين الجزائري والتونسي، ولا على التعاون المثالي بين دولتينا".
سياسيًا، وللحفاظ على سلامة المواطنين، تعتبر الخطوة الإستراتيجية من الجانبين التونسي والجزائري، وبين الموريتاني والجزائري، أكثر من ضرورة لـ "تطويق الوباء" الذي باتت بؤرته تتوسّع يومًا بعد يوم، وهو ما جاء في خطاب للشعب الجزائري من قِبَل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بغلق تام للحدود الجزائرية مع الجيران كخطوة وقائية.
وموازاةً مع الإحصائيات الطبيّة، التي تتنامى يوميًا بعدد المصابين يوميًا بفيروس كورونا، يرى المختصّ في العلوم السياسية عماد الدين دكار في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن الخطوات من طرف الحكومة الجزائرية تبقى "صحيّة، بغطاء القرار السياسي، لضرورة أمنية تتعلّق بحياة البشر"، موضحًا أن الظروف ليست مواتية لـ "تحميل هذه البلدان أكثر من مخاطر الوباء، أو إعطاء قراءة مخالفة للنظرة السياسية من إستراتيجية أهميّة الأمن القومي، وطبعًا أهميّة الأرواح وصحّتهم في هكذا ظروف يعيشها العالم أجمع، بسبب وباء تأثرت لبه عديد البلدان"، كما شرح.
الضرورة القصوى
على الأرض، هي المرّة الأولى تغلق فيها الحدود البرّية بين البلدين، حتى في أصعب الظروف والأزمة الأمنية التي مرّت بها الجزائر، "لم تغلق الحدود مع تونس، وظلت الجارة الشرقية في تلك الفترة، هي الفضاء المغاربي الوحيد المتاح بيُسر للجزائريين، خاصّة في فصل الصيف، واستقبال تونس أزيد من مليون جزائري سنويًا".
يُردف الأستاذ دكّار، أنّه إضافة إلى ليبيا بدرجة أقلّ، باتت الحدود البرّية للجزائر مغلقة بالكامل، حيث أعلنت ليبيا إغلاق حدودها مع الجزائر المغلقة أصلًا. الجانب الليبي أغلقها بسبب جائحة كورونا، لكن الجزائر كانت أغلقت حدودها البرية مع ليبيا منذ آذار/مارس 2014 لاعتبارات أمنية خالصة، بعد تصاعد الحرب والاقتتال بين المجموعات الليبية منذ الأزمة الأمنية في البلاد بعد ثورة 2011.
وقبل الحكومة الجزائرية، بادرت موريتانيا بإعلان غلق الحدود البرّية مع الجزائر قبل أيّام، في سياق تفاهم مشترك وضمن التدابير الوقائية لمواجهة كورونا، ولافت أن الحدود البرّية الواسعة بين الجزائر وموريتانيا، ظلّت عديمة الحركة ّإلى غاية شهر أيّار/ماي 2017 ، حيث تم التوقيع في نواقشط على اتفاق لإنشاء معبر برّي في الشريط الحدودي بين البلدين هو الأوّل من نوعه، وتم في 16 تموز/جويلية 2018، الافتتاح الرسمي للمعبر البرّي الوحيد، المُغلق الآن بسبب الإجراءات الأخيرة.
إضافة إلى الحدود المغلقة لاعتبارات أمنية مع مالي والنيجر منذ عام 2014، خاصة بعد سيطرة الميليشيات المسلّحة، على مناطق واسعة ومدن في شمال مالي في مارس 2012، ثم سلسلة هجمات إرهابية نفذتها تنظيمات مسلحة ضدّ أهداف جزائرية انطلاقًا من المدن الحدودية في شمال مالي والنيجر.
الحدود البرّية مع المغرب مغلقة منذ مدّة طويلة، لاعتبارات سياسية منذ عام 1995، أي منذ حادث تفجير إرهابي لفندق أطلس آسني في كانون الأوّل/ديسمبر 1994، واتهام الرباط للجزائر بالتورّط فيه، قامت بعدها الرباط بترحيل الرعايا الجزائريين ومنحهم مهلة 48 ساعة للمغادرة، وردّت الجزائر حينها بغلق الحدود البرّية التي ظلّت مغلقة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
المرضى أوّل المتضرّرين
اجتماعيًا، إغلاق الحدود البرّية مع تونس، معناه عزل آلاف العائلات التي كانت لها روابط اجتماعية واقتصادية أيضًا، خصوصًاعلى مستوى المناطق الحدودية المشتركة، فإضافة إلى العلاقات المشتركة بين الأسر، في كل من الجزائر وتونس، يوجد هناك آلاف المرضى الجزائريين الذين يعالجون في تونس، خاصّة أولئك الذين لديهم مواعيد طبية أو لإجراء عمليات جراحية أو مراقبة في العيادات التونسية الخاصّة، غير أن القرار أبقى المجال مفتوحًا أمام الحالات الصحّية الخاصّة والمستعجلة.
القرار لن يؤثّر على المرضى فقط، بل سيتكبّد الناقلون الخواص، الذين يعملون على خطّ عنابة تونس أو قسنطينة تونس من أصحاب سيارات أجرة، الكثير من الخسائر، خصوصًا أولئك الذين يسترزقون منها، حسب تصريح أحد سائقي سيارات أجرة، خط تونس- عنابة، في حديث إلى "الترا جزائر"، إذ يقول: "تعودت على الدخول مرتين كل ثلاثة أيام بين الجزائر وتونس، وهذا هو مدخولي الوحيد، منذ ستّ سنوات، غلق الحدود معناه، بطالة مفروضة، على الجميع".
كما ستضطر مدن جزائرية تجارية مثل ولاية أم البواقي بدوائرها (عين مليلة، عين البيضاء، وعين الفكرون)، وولاية سطيف ومناطقها مثل (العلمة وتلاغمة وتاجنانت)، التي كانت تشهد خلال السنوات الأخيرة، توافد آلاف التونسيين من أجل التبضّع واقتناء التجهيزات المنزلية، وقطع غيار السيارات، بسبب ثمنها المعقول مقارنة بثمنها في تونس.
هذا المشهد المفاجئ، وغير المتوقع، لم يستسغه كثير من الجزائريين والتونسيين على حدّ سواء، بسبب خصوصية المدن الحدودية بين البلدين الشقيقتين، خاصة وأنها عانت كثيرًا بسبب التهميش وانعدام التنمية.
الثابت اليوم، هو أن الدول التي قرّرت إغلاق حدودها، لم تهيئ ساكنيها لهكذا ظروف، باعتبار أن الغلق بات قدرًا محتومًا على الجميع، غير أنّ المتحوّل في هذه المعادلة التي تفرضها "الصحة العامة للمواطنين"، بحسب متابعين للشأن العام، ستفتح الباب أمام ضرورة التفكير في إعادة النظر في عديدة القطاعات، خاّصة منها المنظومة الطبية والسياحة في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا:
مباريات بدون جمهور.. "كورونا" مزمنة في الملاعب الجزائرية
فيروس "كورونا" يفرض على تبون تأجيل تعديل الدستور