03-مايو-2019

الناشط الانفصالي فرحات مهني (AF)

أفرز الربيع الأمازيغي عام 1980، أحزابًا وحركات ووجوهًا جعلت من الدفاع عن حق الثقافة الأمازيغية في الوجود والتعبير والتمظهر هاجسها النضالي الأكبر، في ظل تهميش وقمع ممنهجين لها من طرف الحكومات المتعاقبة.

لم تستطع حركة فرحات مهني استقطاب كثير من الجزائريين الأمازيغ بسبب خطابها الانفصالي، وتطبيع مهني مع الكيان الصهيوني

وراح كثيرون ضحية سياسات القمع هذه، من ذلك وفاة 126 مواطنًا وجرح خمسة آلاف وإصابة 200 آخرين بإعاقات دائمة، خلال ما عرف بأحداث القبائل أو "الربيع الأسود" عام 2001.

اقرأ/ي أيضًا: المطبع فرحات مهنّي.. الجزائريون الأمازيغ ينبذون صديق إسرائيل الانفصالي

غير أن كل تلك الأحزاب والحركات والوجوه كانت مطالبها ضمن إيمانها بالوحدة الوطنية والانتماء إلى جمهورية جزائرية مدنية واحدة، ما عدا المغني والناشط فرحات مهني، الذي بادر عام 2002 إلى تأسيس حركة انفصالية سماها "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل".

لم تستطع الحركة استقطاب عدد يُذكر من المواطنين الجزائريين الأمازيغ، لرفضهم خطاب الانفصال، ولحساسيتهم من الكيان الصهيوني الذي زاره فرحات مهني عدة مرات، وأقام معه علاقات رسمية، ولرفضهم المساندة الفرنسية لمشروع الحركة، حيث يقيم معظم وجوهها في فرنسا.

جدل حول محاضرة لمهني في جامعة جزائرية

من هنا أثارت برمجة منظمة طلابية محلية في جامعة تيزي وزو، محاضرة عن بعد، لفرحات مهني، في ما أسماه بـ"الاحتلال الجزائري"، ضجة كبيرة داخل الشارع الجزائري، بين قطاع واسع رافض للمبادرة، خاصة في هذه الظروف، حيث تسعى فعاليات الحراك الشعبي إلى توحيد الجهود حول المطالب الأساسية السياسية للانتقال الديمقراطي، بينما قال آخرون إن المحاضرة تعزز الاعتقاد السائد بهشاشة الخطاب الانفصالي، معتبرين أنها مع ذلك تدخل في "حرية التعبير".

لكن قطاعًا واسعًا من الجزائريين كما يتضح يرفض اعتبار محاضرة مهني في جامعة جزائرية، خطوة داخلة في حرية التعبير، من هؤلاء الكاتب والإعلامي نجم الدين بن عثمان، الذي قال لـ"الترا جزائر"، إن "حرية التعبير واحترام الرأي المخالف، لا يعنيان منح فرصة للانفصاليين لعرض خطابهم". 

وقال الناشط الأمازيغي خالد فضيل، في تدوينة على فيسبوك: "هناك من ينادي: عليها نحيا وعليها نموت (يقصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، وهناك من ينادي باستقلال منطقة القبائل، وهناك من ينادي بجمهورية باديسية (يقصد مؤسس جمعية العلماء المسلمين في الثلاثينات عبد الحميد بن باديس)، وأنا أنادي دومًا جزائر واحدة موحدة حرة مُستقلة ديمقراطية. الذي يريد جمهورية على مقاس سرواله أو نزواته عليه أن يؤسسها في بيته".

صنيعة ممارسات النظام؟

من جهة أخرى، اعتبر البعض أن خطاب مهني إنما هي صنيعة ممارسات نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، من هؤلاء الأكاديمي إسماعيل مهنانة، الذي قال في تدوينة على فيسبوك: "إلى غاية 2001 كان فرحات مهني مناضلًا عاديًا من أجل القضية الأمازيغية والديموقراطية، مثل سعيد سعدي وآيت أحمد وغيرهما. ونظام بوتفليقة هو من دفعه إلى التطرف والانفصالية، كما دفع في الطرف المقابل بحزمة من العاهات العنصرية المضادة إلى الواجهة".

وأضاف مهنانة: "هكذا يقدم النظام نفسه كضامن وحيد للوسطية والوحدة"، موضحًا أن "النظام ورث نفس الآليات من المستعمر القديم، ولن يتغير إلا برحيله. وكل من تخيفه فزاعة ما عليه أن يتأكد أنه هو نفسه ليس فزاعة".

نفس الطرح تبناه الكاتب والإعلامي ناصر باكرية، الذي قال في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن "اللعبة التي يرغب فيها النظام اتضحت، وهي الدفع باتجاه إيقاظ البعبعين اللذين يُخيفان الجميع: بعبع الإسلاميين، الذي غذته جنازة المرحوم عباسي مدني، وبعبع الحركة الانفصالية، الذي غذته محاضرة فرحات مهني بجامعة تيزي وزو".

واعتبر باكرية أنه بهذه الطريقة، يريد النظام "إيصال رسالة بوتفليقة القديمة، وهي رسالة الاستمرارية والاستقرار، وأنه لا بديل عن فساد النظام إلى الحركات الدينية المتطرفة أو الحركات الانفصالية".

واختتم باكرية حديثه بالقول إن "المزعج ليس محاولات السلطة للالتفاف بكل الطرق ولو بإثارة النعرات التي قد تهدد وحدة الوطن، وإنما المزعج أكثر الذين انخرطوا في اللعبة سواء عن وعي وانتهازية  أو عن حسن نية. وكل المنشورات، التي تُخوف من طرف ضد الآخر، هي منشورات تخدم أجندة السلطة، حتى لو كانت من معارضيها".

اعتبر البعض أن خطاب وتصرفات فرحات مهني إنما هي صنيعة ممارسات نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة

ومع تخوفات باكرية، وتلميحات مهنانة، يبدو أن استضافة فرحات مهني في جامعة جزائرية، ولو بطريقة الاتصال عن بعد، كشفت عن التفاف عموم الجزائريين حول الإصلاح والتغيير بما لا يهدد ثوابت الوحدة الوطنية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فرحات مهني.. من الحراك الثقافي إلى التطبيع الانفصالي

احتجاجات في الجزائر.. غليان المواطن وخطر الفوضى