فرنسا تفقد 20 بالمائة من حصتها السوقية في الجزائر.. ورونو وهران تتحسر على ضياع 120 مليون يورو
15 مايو 2025
تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا مرحلة غير مسبوقة من التوتر، انعكست بشكل واضح على التبادل التجاري بين البلدين، حيث بدأت باريس تشعر فعليا بفقدان حصصها السوقية في الجزائر.
الشركات الفرنسية لم تُمنح أي مناقصة عمومية كبرى في الجزائر
وأكدت بيانات الجمارك الفرنسية للثلاثي الأول من عام 2025، تراجع الصادرات الفرنسية نحو الجزائر بنسبة تقارب 20 بالمئة، مسجلة انخفاضاً من 1.25 مليار يورو إلى 992 مليون يورو، وهي أدنى قيمة تسجلها الصادرات الفرنسية إلى الجزائر منذ سنوات.
توقعات بانخفاض معتبر
ويتوقع مراقبون، وفق ما نقلت جريدة لوفيغارو، أن يصل يتجاوز هذا التراجع 15 بالمئة على مستوى العام بأكمله، وهو ما تتعامل معه الأوساط الاقتصادية الفرنسية كضربة موجعة، لكنها متوقعة في ظل السياق الدبلوماسي المتوتر منذ خريف 2024.
وكانت بداية هذا التدهور في المبادلات التجارية، مرتبطة بالأزمة التي نشأت بين البلدين، عقب الموقف الفرنسي من القضية الصحراوية، حيث تجلى هذا التراجع الاقتصادي في شكل عراقيل بيروقراطية أمام الشركات الفرنسية، وصعوبات متزايدة في عمليات تحويل الأموال، وصولاً إلى رفض غير معلن، لكنه فعلي، لإسناد عقود الاستيراد والتجهيزات للمتعاملين الفرنسيين، وفق ما ينقله الإعلام الفرنسي عن أصحاب المؤسسات.
ومنذ نهاية عام 2024، بدأت إشارات المقاطعة الاقتصادية تأخذ طابعاً مؤسسياً، إذ لم تُمنح الشركات الفرنسية أي مناقصة عمومية كبرى في الجزائر، رغم محاولات رسمية فرنسية لتخفيف حدة الأزمة. فقد غابت فرنسا عن قائمة الدول الموردة لمسحوق الحليب التي أعلنتها الهيئة الوطنية لمنتجات الحليب، والتي ضمت بدلاً عنها دولاً مثل بولندا، ألمانيا، هولندا، الولايات المتحدة ونيوزيلندا.
كما لم يظهر أي فاعل فرنسي في مناقصة ضخمة لشراء القمح، ما اعتُبر رسالة واضحة بشأن توجه الجزائر لتنويع شركائها والحد من الاعتماد على فرنسا، تقول صحيفة لوفيغارو.
ضربة موجعة لشركة رونو
من جانب آخر، تلقى قطاع السيارات ضربة مباشرة حين تم رفض إعادة تشغيل مصنعي "رونو" و"رونو تراكس" رغم الاستثمارات الضخمة التي ضخها الجانب الفرنسي، والتي قدرت بـ120 مليون يورو. فبرغم محاولات الشركات الفرنسية استئناف النشاط، جاء الرد الجزائري واضحًا: الأولوية للإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي في أفق نهاية 2025، وهو ما يعكس تغييراً جوهرياً في فلسفة التعاون الاقتصادي التي طالما ربطت الجزائر بفرنسا لعقود.
هذه التطورات أثارت قلقًا متصاعدًا في أوساط رجال الأعمال الفرنسيين، الذين بدأ بعضهم بنقل أنشطتهم إلى بلدان أوروبية أخرى لتجاوز العقبات اللوجستية والمصرفية. فبعض الموردين لجؤوا إلى شحن بضائعهم من موانئ إيطاليا أو إسبانيا لتفادي الحساسية تجاه المنتجات ذات الأصل الفرنسي.
غير أن هذه الحلول البديلة تبقى مؤقتة ومكلفة، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان الحصة السوقية بشكل دائم، خاصة مع وجود منافسين أوروبيين جاهزين لشغل هذا الفراغ.
وبحسب لوفيغارو، فإن القلق الأكبر لا يطال الشركات الكبرى التي تملك قدرة التكيف مع الظروف السياسية وتعديل استراتيجياتها اللوجستية، بل يخصّ آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (PME) التي تمثل العمود الفقري للتجارة الفرنسية مع الجزائر، والتي تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لمواجهة عراقيل إدارية ومصرفية معقدة.
ويُقدّر عدد هذه الشركات بنحو 6.000 مؤسسة تنشط في السوق الجزائرية، التي تُعد ثاني أكبر وجهة أفريقية لصادرات فرنسا. وفي حال استمرار التصعيد، يُحتمل أن تتراجع فرنسا أكثر في ترتيب شركاء الجزائر التجاريين، بعد أن فقدت بالفعل في 2013 موقعها كمزوّد أول للجزائر لصالح الصين.
دعوات للتهدئة
ودفعت هذه التطورات، الغرفة الجزائرية-الفرنسية للتجارة والصناعة (CCIAF)، إلى الدعوة للفصل بين الخلافات السياسية والتعاون الاقتصادي، وإلى الحفاظ على الروابط الاقتصادية التي "تقوم أيضًا على أبعاد إنسانية واجتماعية ينبغي حمايتها من التقلبات".
كما دعت الفاعلين الاقتصاديين من الجانبين إلى مواصلة العمل من أجل تحقيق استثمارات ذات قيمة مضافة، في إطار من المصالح المتبادلة بعيدًا عن التجاذبات السياسية، مؤكدة التزامها التام بمرافقة المؤسسات الفرنسية والجزائرية، وكذلك مؤسسات الجالية، من أجل الحفاظ على الشراكات القائمة.
وكان تجدد الأزمة الدبلوماسية إثر سجن الموظف القنصلي الجزائري بفرنسا، قد دفع مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري (CREA) إلى إلغاء زيارة كانت مبرمجة إلى فرنسا ولقاء مع منظمة أرباب العمل الفرنسية (MEDEF) في 19 أيا/ماي المقبل.
وأوضح المجلس الذي يقوده كمال مولى، أن القرار يأتي ردًا على تدخل السلطات الفرنسية لمنع مسير شركة فرنسية للنقل البحري من التوجه إلى الجزائر بغرض تجسيد مشروع استثماري. وأشار إلى أن هذا التصرف جاء بذريعة "الأزمة القائمة بين البلدين"، وهو ما اعتبره تناقضًا صارخًا مع التصريحات الرسمية التي تدعو إلى تهدئة الأجواء وعودة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مسارها الطبيعي.
الكلمات المفتاحية

الاستدانة الخارجية بين الشيطنة والحاجة الاقتصادية.. أي خيار للجزائر لسد العجز؟
تَتحفظ السلطات الجزائرية منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 عن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من أجل تمويل الموازنة العامة أو المشاريع الاستراتيجية، والعامل الرئيسي الذي شَجع عدم اللجوء إلى القروض الخارجية هو ارتفاع النسبي لأسعار النفط، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على استقرار احتياطي الصرف، والذي يَصل اليوم في حدود 63 مليار دولار.

انضمام قريب للجزائر إلى معاهدة منظمة آسيان..أي فوائد سياسية واقتصادية؟
تتجه الجزائر إلى الانضمام الرسمي قريبا إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان"، بعد أن أعلن هذا التكتل الجهوي ترحيبه بالانضمام الوشيك للبلد المغاربي الباحث عن تنويع شراكاته السياسية والاقتصادية، واسترجاع العلاقات الممتازة التي كانت تجمعه بعدة دول من هذه المجموعة في مقدمتها إندونيسيا وفيتنام، والتي يجب أن تترجم في شراكة اقتصادية بحاجة لها البلاد الهادفة إلى أن تتحول…

خيارات عديدة لتطوير استقبال السفن.. هل الجزائر بحاجة فعلا لميناء الحمدانية العملاق؟
أصبح ملف تطوير أداء الموانئ يشكل أحد المحاور الرئيسية التي تعمل الحكومة الجزائرية على تسريعها في الفترة الأخيرة، بإصدار مجموعة من القرارات الخاصة بذلك، ومتابعة مدى تنفيذها ميدانيا بهدف رفع مساهمة المرافئ في تسريع السيرورة الاقتصادية للبلاد، وبالخصوص مع تزايد الاهتمام العالمي بهذا القطاع جرّاء التوترات الحادثة في عدة مناطق، والتي تحاول خلاله الحكومة جعل موانئها نقطة أساسيا للمبادلات التجارية ومركز…

"الكاش" ممنُوع.. هكذا تتغير قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر
بين ليلة وضحاها، تغيّرت قواعد اللعبة في سوق العقارات بالجزائر، ولم يعُد "الكاش" سيد الموقف كما كان في السابق، وتراجعت الصفقات التي كانت تُبرم خلف الأبواب المغلقة أو عبر وسطاء غير رسميين. لكن، هل انتهى فعلاً عهد البيع والشراء نقدًا في الجزائر؟

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟
دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه
يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.