فطور الصباح في الجزائر .. هل مشروب القهوة بالحليب صحّي؟

 قبل أن تبدأ يومك بكوب من القهوة مع إضافة الحليب؛ هل سبق أن تساءلت عن مكوّنات هذا المشروب؟ وهل تعتقِد أنّه  صحّي؟ 

الدكتورة بسمة بن عثمان لـ"الترا جزائر": الوجبة الصباحية التي تعتمد على مشروب القهوة بالحليب تفتقِر  للعناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم

يحرِص البعض في الجزائر، على بدء يومهم بتناول فطور صباحي، يتكوّن عادةً من خبز الباغيت المحمص مع الزبدة أو معجون الفواكه، بالإضافة إلى الحلويات التقليدية مثل "الطورنو"، لكن المشروب الأكثر شُهرة ويُرافق هذه الوجبة هو "قهوة بالحليب"، باعتباره المزيج اللذيذ من القهوة السوداء والحليب الساخن.

دخل هذا المشروب إلى قائمة الوجبة الصباحية اليومية في الجزائر منذُ عقود من الزمن، إذ أكثر من عادة يومية؛ حيث أصبح جزء من التراث الثقافي الذي توارثته الأجيال.

وتعود جُذور هذه العادة إلى الحِقبة الاستعمارية، حيث اشتهر الفرنسيون بتناول "قهوة الحليب" مع "الكرواسون" والكعك، إلى جانب مجموعة من الحلويات التي يحضّرها الخبازون عادة.

بداية اليوم .. قهوة أم حليب؟  

في الآونة الأخيرة، أثير جدل واسع على خلفية انتشار مقطع فيديو لمختصة في التغذية تحذّر فيه من مخاطر " الحليب بالقهوة " على الصحة، مشيرة إلى أنه قد يؤدي إلى مشاكل هضمية بسبب الغازات التي ينتجها المزيج بين القهوة والحليب. وقد أثار هذا التصريح موجة من النّقاشات في الفضاء الافتراضي والشبكات الاجتماعية، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا التحذير.

للتوقّف عند هذا الجدل، قدمت الدكتورة بسمة بن عثمان، طبيبة مختصة في التغذية، تحليلًا علميًا حول هذا المشروب وناقشت ما إذا كان يُشكل فعلاً خطرًا على الصحة.

وعن أهمية وجبة الفطور، أكدت الدكتورة بن عثمان على ضرورة عدم إهمال هذه الوجبة، مشيرة في تصريحات لـ "الترا جزائر" إلى دورها المهمّ في دعم الصحة العامة.

وأوضحت أنّ أهمية الفطور تختلف وفقًا للحالة الصحية للفرد ومرتبطة بشكل مباشر بالعمر، حيث تختلف احتياجات الجسم الغذائية حسب الفئة العمرية.

وبالنّسبة للأطفال والمراهقين، لفتت الطبيبة إلى أنّ الفطور يُعدّ عنصرًا أساسيًا لنموهم الجسدي والعقلي، حيث يُحتاجون إلى إمدادات منتظمة من الطاقة والمواد الغذائية لضمان نشاطهم الذهني والتركيز أثناء اليوم الدراسي.

أمّا النّساء الحوامل والمرضعات، فإن الفطور يُسهم بشكل كبير في توفير المغذيات الأساسية التي تدعم صحة الأم وصحة جنينها أو طفلها الرضيع.

ويساعد تناول فطور متوازن بالنّسبة لكبار السن،في الحفاظ على قوتهم الجسدية والعقلية مع تقدُّم العمر، حيث تنخفض قدرة الجسم على امتصاص العناصر الغذائية.

وأضافت الطبيبة أنّ أحدث التوصيات العلمية في مجال التغذية تشير إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة ولا ينتمون إلى الفئات الهشة (كالأطفال، والمراهقين، والنساء الحوامل، والمرضعات، وكبار السن) قد يستفيدون من خيار عدم تناول الفطور.

ويعتمد هذا الخيار على مبدأ الصيام المُتقطِّع، حيث يمكن للجسم الاستفادة من فترة صيام تمتدُّ حتّى موعد وجبة الغداء.

وأكدت أنّ هذا النّظام الغذائي يمكن أن يكون صحيًا لأولئك الذين يتمتعون بوظائف جسدية وهضمية سليمة، بشرط أن تكون الوجبة التالية متوازنة، غنية بالمغذيات مثل البروتينات عالية الجودة، النشويات المعقدة التي توفر طاقة مستدامة، الدهون الصحية، والخضروات والفواكه التي تزود الجسم بالفيتامينات والمعادن الضرورية.

العناصر الغذائية 

وبخصوص نوعية فطور الصباح الذي يعتمد بشكل رئيسي على مشروب "قهوة حليب"، وغالبًا ما يتمّ تناوله مع الخبز والزبدة أو الحلويات التقليدية، أكدت الدكتورة بسمة بن عثمان أنّ هذا النّمط الغذائي يُعدّ من أسوأ أنواع الفطور المتّبعة يوميًا. وأوضحت أنّ السبب في ذلك يعود إلى افتقار هذه الوجبة للعناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم للحفاظ على توازن غذائي صحيح وتوفير طاقة كافية طوال اليوم.

وأشارت الطبيبة إلى أنّ "قهوة حليب" تحتوي فقط على بعض البروتينات والدهون من الحليب، بالإضافة إلى الكافيين الموجود في القهوة، لكنها تفتقر إلى المغذيات المهمة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن التي تعزز الصحة العامة. ونتيجة لذلك، فإن الاعتماد على هذا المشروب كوجبة رئيسية في الصباح قد يؤدي إلى الشعور بالتعب السريع والجوع المبكر، مما يساهم في تناول وجبات غير صحية لاحقًا خلال اليوم.

 المشروب والقولون  

لا تقتصر مشكلة "قهوة حليب" على افتقارها للعناصر الغذائية الأساسية فحسب، بل قد تكون ضارّة لبعض الفئات التي تعاني من مشاكل صحية وهضمية.

على سبيل المثال، يُحتمل أن يُسبب مزيج القهوة والحليب تهيّجًا للقولون لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض القولون العصبي، وذلك بسبب احتوائه على الكافيين واللاكتوز. حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الانتفاخ، الغازات، والتشنجات المعوية، مما يعكر راحة الشخص المتناول لهذا المشروب.

بالإضافة إلى ذلك، يُواجه كبار السنّ تحديات أكبر في هضم الأطعمة الثقيلة أو التي تسبب عسر الهضم.

ومع تقدّم العمر، يُصبح الجهاز الهضمي أكثر حساسية تجاه بعض المكوّنات، مثل الكافيين واللاكتوز، ممّا يجعل "قهوة حليب" خيارًا غير مثالي لهم، حيث يمكن أن تساهم في تفاقم مشاكل الهضم وتسبب تهيّجًا.

مزيج ثقيل على المعدة 

 ينصح خبراء التغذية  على أهمية التحكم في كمية القهوة المستهلكة يوميًا،  وتقول الدكتورة بن عثمان في هذا الإطار إنّ الحد الأقصى الممكن تناوله لا يجب أن يتجاوز 200 ميليغرام من الكافيين يوميًا، أي ما يعادل كوبًا إلى كوبين من القهوة. فتجاوز هذه الكمية قد يؤدي إلى اضطرابات في الجهاز العصبي، وزيادة التوتر، وتسارع ضربات القلب، خاصة عند الأشخاص الحساسين للكافيين.

تُساعد الإضافات الصحية في الوجبة الصباحية على توفير طاقة طويلة الأمد وتقوم بامتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون

كما حذرت من عادة تناول القهوة على معدة فارغة في الصباح، حيث يكون الجسم في حالة إفراز مرتفع لهرمون الكورتيزول، المسؤول عن تنظيم الطاقة والاستجابة للتوتر.

وعند شرب القهوة مباشرة بعد الاستيقاظ دون تناول أي طعام، قد يؤدي ذلك إلى زيادة مستويات الكورتيزول بشكل غير طبيعي، مما قد يسبب اضطرابات في مستوى السكر في الدم، وزيادة القلق، وإجهاد الغدة الكظرية.

وشددت المختصة على أهمية اختيار الحليب الطبيعي المستخرج من مصادره مباشرة، سواء كان حليب البقر أو الماعز، نظرًا لاحتوائه على نسبة جيدة من البروتينات، والكالسيوم، والدهون الصحية.

وفي المقابل، حذرت من المنتجات المنتشرة في الأسواق، مثل مساحيق الحليب الصناعي أو الحليب المبستر منخفض الجودة، حيث تحتوي هذه المنتجات على نسب مرتفعة من الدهون المهدرجة والسكريات المعقدة، التي قد تزيد من خطر الإصابة بالسمنة، واضطرابات الأيض، وأمراض القلب.

لذلك، ينصح المختصون باختيار الحليب الطازج غير المعالج بشكل مفرط، أو استخدام بدائل صحية مثل حليب اللوز، أو حليب الشوفان، أو حليب جوز الهند لمن يعانون من حساسية اللاكتوز أو مشاكل هضمية مرتبطة بالحليب الحيواني.

تعزيز القيمة الغذائية

إذا كان التخلّي عن "قهوة حليب" في الصباح أمرًا صعبًا أو غير ممكن للبعض نظرًا للعادات اليومية؛ يقترح الخبراء تعزيز قيمتها الغذائية بإضافة مكوّنات أخرى غنية بالعناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم.

فبدلًا من تناول هذا المشروب بمفرده أو مع قطعة خبز عادي فقط، يمكن إدخال مصادر متنوعة من الدهون الصحية، كما يقول الخبير في الصحة العامة نور الدين مسعودي لـ" الترا جزائر".

ولفت إلى أنّ الإضافات الصحية تُساعد على توفير طاقة طويلة الأمد وتقوم بامتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون، موضحا أنه من بين هذه المصادر: زيت الزيتون، والمكسرات، وصفار البيض، والأجبان الطبيعية.

ويُمكِن إضافة البروتينات مثل بياض البيض، والفول السوداني، واللبن الرائب الغني بالبروتينات والبكتيريا النافعة للجهاز الهضمي.

ومن المُهم أيضًا اختيار النشويات ذات المؤشر "الجلايسيمي المنخفِض" لضمان إمداد الجسم بالطاقة دون التسبب في ارتفاع سريع لمستوى السكر في الدم. وتشمل الخيارات الصحية: المخبوزات المصنوعة من الحبوب الكاملة مثل خبز القمح الكامل أو خبز الشعير، التي تحتوي على الألياف وتساعد على الشعور بالشبع، إضافة إلى الشوفان، الذي يُعتبر من أفضل مصادر الكربوهيدرات المعقدة، حيث يوفر طاقة تدوم طويلًا ويحتوي على الألياف التي تدعم صحة الأمعاء.

وبالإضافة إلى ما سبق؛ يُمكن إدخال بعض البذور الصحية والذرة في الوجبة الصباحية، فضلاً عن الموز كمصادر إضافية للطاقة والعناصر الغذائية الضرورية.