21-أغسطس-2021

مجموعة من اللوحات والجداريات المخلدة لذكرى جمال بن سماعين (فيسبوك/الترا جزائر)

 

لم تمضِ ساعات قليلة على حرقه في بلدة الأربعاء ناث إيراثن التّابعة لولاية تيزي وزّو، على أيدي ثلّة من الشّباب الذّين أظهرت التّحقيقات الأمنيّة الأوّليّة ارتباطهم بعصب إجراميّة، حتّى تحوّل الفنّان الشّابّ الذّي وزّع شغفه الفنّي على الموسيقى والرّسم والتّمثيل جمال بن سماعين (1985) إلى رمز شعبيّ في الشّارع الجزائريّ يرسل أكثر من دلالة، منها كونه شهيدًا للرّوح التّطوّعيّة السّاعية إلى خدمة الآخرين.

 الفنّان التّشكيليّ فريد قو: إنّ الفنّ التّشكيليّ القائم على رسم الجسد سمح للرّسّامين بحركة مضادّة لفعل الحرق من خلال استعادة الجسد المحروق بالألوان

ونتجت عن ذلك تعابير وتفاعلات شعبيّة كثيرة ومتنوّعة احتوتها مواقع التّواصل الاجتماعيّ. وكان للنّخبة الفنّيّة نصيب في تلك التّعابير والتّفاعلات، غير أنّ التّشكيليّين محترفين وهوّاةً كانوا في الطّليعة، من حيث سرعة الإنجاز وانتشاره في مختلف التّجمّعات السّكنيٍة، حتّى باتت البورتريهات التّشكيليّة التّي تناولت ملامح الفقيد مزروعة في شكل جدريّات مختلفة الأحجام والتّقنيات في معظم الشّوارع والسّاحات العامّة.

اقرأ/ي أيضًا: مرتكب جريمة ذبح جمال في قبضة الأمن

ركّز رسّامو هذه البورتريهات واللّوحات على لحظة الحرق التّي تعرّض لها "ملاك مليانة" وهي المدينة التّي ينحدر منها الفقيد، 100 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، بصفتها اللّحظة الأقسى التّي أثّرت في الجزائريّين، فأجمعوا على استنكار الجريمة وتبنّي مطلب تحقيق العدالة لصالح الفقيد الذّي رحل وهو يقول "سأموت مظلومًا"، حتّى أن كثيرًا من المدوّنين بادروا إلى إنجاز فيديونات كشفوا فيها الوجوه المشاركة في الجريمة بما ساعد الأجهزة الأمنية على القبض عليها باعتراف النّاطق باسمها. كما ظهر التّركيز على صورة جمال وهو يحمل العلم الوطنيّ، بصفتها لحظة ترمز إلى الوحدة الوطنيّة التّي انتبه قطاع واسع من الجزائريّين إلى أنّها كانت المستهدف من التّخطيط لهذه الجريمة وتنفيذها في توقيت وبشكل مدروسين.

يقول الفنّان التّشكيليّ فريد قو إنّ طبيعة الفنّ التّشكيليّ تسمح بالسّرعة في المبادرة؛ إذ لا يحتاج الرّسّام إلى غير فرشاته ومساحة يرسم عليها، وهذا متوفّر بشكل عفويّ، عكس كثير من الفنون الأخرى التّي تتطلّب وقتًا وإمكانياتٍ، "هذا ما يفسّر كون الرّسّامين كانوا في طليعة الفنّانين تفاعلًا مع محرقة جمال بن سليمان. ثمّ لا يجب أن ننسى أنّ كونه رسّامًا استفزّ ما يمكن أن نسمّيه "الحمّيّة الفنّيّة" فيهم، إذ شعر الرّسّامون بأنّهم أكثر الشّرائح الفنّيّة مطالبةً بتخليد ذكرى زميلهم الفقيد".

وذهب محدّث "الترا جزائر" إلى القول إنّ الفنّ التّشكيليّ القائم على رسم الجسد سمح للرّسّامين بحركة مضادّة لفعل الحرق من خلال استعادة الجسد المحروق بالألوان؛ "في رسالة إلى القتلة مفادها أنّه لا يمكن أن ينجحوا في طمس جريمة قتل الإنسان".

وساهمت مواقع التّواصل الاجتماعيّ في شهرة بعض الجداريّات واللّوحات؛ فتناقلها وعلّق عليها الآلاف. منها على سبيل المثال جدارية مجيد سيليني الذّي عرف بتصميم "تيفو" قصر الشّعب في مدينة برج بوعريريج، أثناء الجمعات الأولى للحراك الشّعبيّ، ولوحة نور الهدى شوتلة في مدينة بوسعادة، ولوحة عبد الحليم كبيّش في مدينة جيجل، ومنصف براهيمي في بلدة الشّانية.

بل إنّ بعض هذه اللّوحات حُملت ضمن قوافل التّضامن والعزاء إلى مدينة مليانة وأهديت لعائلة جمال بن إسماعيل؛ مثلما حصل مع لوحة الفنّان إسحاق بن صالح من ولاية المسيلة. حيث ورد في تدوينة لصفحة "مدينة برهوم" أنّه تمّ  إهداء عائلة الفقيد لوحة فنّية راقية تحمل بورتريه "الفنّان جمال بريشة زميله ابن دائرة أولاد سيدي إبراهيم في ولاية المسيلة الفنان إسحاق بن صالح.

ولفت انتباهنا في إحدى عمارات بلديّة العناصر التّابعة لولاية برج بوعريريج طفل يسمّى مهدي ويبلغ من العمر أحد عشر عامًا؛ بانكبابه على إنجاز جداريّة على واجهة العمارة للفقيد جمال بن سماعين بإمكانيات بسيطة، لكنّ الإتقان فيها كان واضحًا. قال إنّ أسرته لم تسمح له بمشاهدة فيديو الحرق لبشاعته؛ "لكنّني استطعت الوصول إليه ومشاهدته، فتأثّرت ولم أستطع النّوم. وأنا بصدد رسم وجه الشّهيد جمال لعلّني أستطيع أن أنام بعد ذلك".

يبدو أن الشّابّ المغدور جمال جمال بن سماعين استطاع أن يصبح "بوعزيزي" جزائريًا، في ظلّ افتقاد اللّحظة الجزائريّة في الآونة الأخيرة إلى رمز جامع

ويبدو أن الشّابّ المغدور جمال جمال بن سماعين استطاع أن يصبح "بوعزيزي" جزائريًا، في ظلّ افتقاد اللّحظة الجزائريّة في الآونة الأخيرة إلى رمز جامع. فهل يستطيع الشّارع الجزائريّ أن يستثمر في هذه الرّمزيّة لصالح قيم الوحدة الوطنيّة والذّهاب إلى مستقبل مختلف عن الحاضر، عوضًا عن الاكتفاء باستنكار الجريمة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية