لم يكن كثير من الفنانين الجزائريين يتأخّرون في التصريح علانية عن دعمهم لأيّ استحقاق تتبناه السلطة، حتّى في المواعيد التي كانت معروفة بأنها محسومة لصالح أحزاب ومرشّحي السلطة.
كثير من الفنانين أعلنوا انضمامهم للحراك الشعبي وتبنّوا مواقف رافضة لتنظيم الانتخابات المقبلة
بعد مرور أكثر من نصف المدّة المخصّصة للحملة الانتخابية، لم يظهر سوى المغنّي عبد الله مناعي في نشاط انتخابي لأحد المرشّحين، وذلك لما نشّط علي بن فليس تجمّعًا شعبيًا بولاية الوادي جنوب شرق البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: متى ستُوثق السينما الجزائرية لجزائر الحاضر؟
الفن والسياسة
عدم ظهور الفنانين الداعمين لموقف السلطة في إجراء انتخابات 12 كانون الأوّل/ديسمبر الداخل، يعود إلى أن الحكومة تخلّت ولأوّل مرّة عن الاستعانة بدعم الفنانين والممثّلين الذين كانوا يركبون موجة "المهرجانات" السياسية السابقة.
وعلى عكس ما كان يتمّ سابقًا، لم تتضمّن الحملات الدعائية التي أعدّتها السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات أيّة مشاركة للفنانين سواء الممثلون أو المغنون في إعلانات الترويج للرئاسيات المقبلة، واكتفت بملصقات عليها وجوه إشهارية غير معروفة.
فضّل أغلب الممثلين والمغنين النأي بأنفسهم عن الاصطفاف لصالح السياسي، خاصّة في ظلّ غياب أرصدة مالية كانت تجزل العطاء لصائدي الفرص ممن كانوا يرصدون مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
يبدو أن الحكومة الحالية، لا تريد الوقوع في الخطأ الذي ارتكبه النظام السابق لما استعمل الفنانين وحتى بعض النجوم مثل الشاب خالد، للترويج للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في رئاسيات نيسان/أفريل 2014.
كان النظام السابق، يُنفق بسخاء على الفنانين الذين دأبوا على القيام بجولة في مختلف الولايات الجزائرية، للترويج للرئاسيات التي كانت محسومة منذ البداية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سواء اختاره الجزائريون أو صوتوا لغيره.
في سنة 2014، أحدثت أغنية "تعاهدنا مع الجزائر" التي شارك فيها عدد كبير من الفنانين استهجانًا وسط الجزائريين، كونها دعمت الولاية الرابعة لبوتفليقة رغم الحالة الصحيّة الحرجة التي كان عليها، ونال الفنانون المشاركون في الأغنية وعلى رأسهم الشاب خالد وداليا شيخ وكادير الجابوني والشاب عزو، حظّهم من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يكن الفنانون المشاركون في أغنية "بلادنا بلا بينا ما يبنيها حتى واحد" الدعائية لتشريعيات 2017، أوفر حظًا من سابقيهم، إذ لاحقت الانتقادات جميع الفنانين المشاركين في تلك الوصلة، وهو ما ظهر في قضية تبادل الاتهامات التي جرت بين مغني الراب كريم الغانغ والممثل مروان قروابي.
في صف معارضة
تبدو الصورة في الرئاسية القادمة، معاكسة تمامًا لما كانت في 2014، فكثير من الفنانين أعلنوا انضمامهم للحراك الشعبي وتبنّوا مواقف رافضة لتنظيم الانتخابات المقبلة وأطلقوا أغاني تتبنى مواقف الحراك وتدعم مواقفه ضدّ السلطة، مثل الفنانة آمال زان التي استهجنت اعتقال بعض الناشطين في الحراك من قبل السلطة الحالية، وأصدرت أغنية "جميلة"، وقبلها أصدرت رجاء مزيان زميلتها في مدرسة ألحان وشباب عدة أغان داعمة للحراك منها "ألو سيستام " و"متمرد" و" توكسيك".
لم يتخلّف الممثلون أيضًا عن المشاركة في كليبات جماعية داعمة للحراك، إذ جمعت أغنية "ليبيري لالجيري" عدّة ممثلين كوميدين وراقصين كوريغرافيين على صوت واحد، يُضاف إلى ذلك مشاركتهم في مسيرات رافضة لقرارات السلطة، منها الفنانة سميرة صحراوي بطلة السلسلة الكوميدية "عائلة الجمعي" التي حقّقت انتشارًا واسعًا في سنوات سابقة. ولم يقتصر الأمر عليها، بل كان حتى نجوم مسلسل "أولاد الحلال" الذي بثّ في شهر رمضان الماضي نزلوا إلى مسيرات الحراك الشعبي، من بينهم بطل هذا العمل عبد القادر جريو.
حتى الفنانون الذين لم يعلنوا صراحة معارضتهم للانتخابات المقبلة، التزموا الصمت حتى لا يتمّ تصنيفهم في خانة المطبلين للسلطة الحالية، أو إدراجهم ضمن خانة "فلول النظام السابق"، مثلما حدث في دول عربية.
يظهر أن الاعتماد على الفنانين للترويج للانتخابات قد أصبح "ورقة خاسرة" خاصّة وأن تجربتها في الجزائر كانت محدودة التأثير في دفع الناخبين للتوجّه إلى صناديق الاقتراع، لذلك فضّلت السلطة الحالية في الجزائر التخلّي عنها والبحث عن بدائل أخرى.
اهتمّت السلطات في الترويج لهذه الانتخابات على الخطابات المتكرّرة لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح التي حملت خطاباته المتوالية الترغيب في الذهاب إلى موعد 12 كانون الأوّل/ديسمبر، والتأكيد على أنه الحل الوحيد للأزمة التي تعيشها في البلاد، مع المزاوجة بجملة من التحذيرات في حال رفض هذا "الحلّ الوحيد".
السلطة لم تعد بحاجة اليوم لهؤلاء الفنانين، خاصّة وأن كثيرًا منهم يرفض المشاركة
كما لم تهمل السلطة الدعاية للانتخابات المقبلة على مواقع التواصل الاجتماعي سواء عبر الصفحات الانتخابية للمترشحين الخمسة ومؤيّديهم، أو عبر بث ومضات إشهارية عبر وسائل الإعلام المختلفة التي توشّحت هذه الأيام بوسم #الجزائر_تنتخب، في صورة تؤكّد ما قاله قايد صالح أن الحرب اليوم إلكترونية، ما يعني أن السلطة لم تعد بحاجة اليوم لهؤلاء الفنانين، خاصّة وأن كثيرًا منهم يرفض المشاركة برأيه في السياسة أو يحتفظ بموقفه الرافض لقراراتها.
اقرأ/ي أيضًا:
السينما الجزائرية تفقد ملاكها الأبيض
هل أساء فيلم أحمد راشدي الجديد للثّورة الجزائرية