25-يوليو-2021

(الصورة: ميدل إيست أونلاين)

في منتصف نهار يوم الخميس الماضي، كان مدخل مقبرة العالية وسط مدينة الجزائر العاصمة، يشهد حركة كثيفة لسيارات الإسعاف ومركبات نقل الجنائز لإيصال جثامين أشخاص توفوا بسبب كورونا، حيث كانت التوابيت تصل الواحدة تلو الأخرى في جوّ يسوده الصمت والفزع.

أُجبر عمي رابح في إحدى المرّات على توقيف موعظة أمام قبر ميّت بسبب الحفاظ على إجراءات السلامة والتباعد الصحي

أخبرنا أحد حفاري القبور يومها، أنه شُيّعت جنازة ثمانية أشخاص بسبب وباء كورونا، وعدد المتوفين في ازدياد مستمر، خاصّة مع انتشار الموجة الرابعة من وباء كورونا، مضيفًا أنهم يعملون إلى غاية غروب الشمس ودون انقطاع، وأوضح محدّثنا أن إدارة تسيير المقابر خصّصت مربعات خاصة بضحايا جائحة "كوفيد - 19".

اقرأ/ي أيضًا: نقابات الصحة: أنقذوا الأطباء من كورونا وخبراء الخارج لن يصلحوا للقطاع

وأفاد محدثنا أن الأرقام تتراوح ما بين 20 و30 وفاة يوميًا، وأكبر حصيلة كانت الأسبوع الفارطـ، إذ خلال يوم واحد تم تشييع 35 شخصًَل توفي إثر مضاعفات فيروس كورونا، بحسب أقواله.

وتتزايد أرقام الوفيات بوتيرة متسارعة، حيث سجلت وزارة الصحة ارتفاعًا في عدد الوفيات بواقع 18 وفاة يوميًا بحسب البيانات الرسمية، في حين أن الأرقام المتداولة في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تُشير إلى عدد الوفيات في الجزائر أعلى بكثير من تلك المصرّح بها.

تراجع المتطوعين

هنا، يقول حفار القبور عمّي رابح (اسم مستعار) في ظلّ ارتفاع عدد الموتى خلال هذه الفترة، نحن مجبرون على التجنيد إلى غاية التاسعة مساءً والعمل باستمرار إلى غاية ساعة متأخرة من الليل، مشيرًا إلى غياب المتطوعين الذين يقدمون يد المساعدة، خوفًا من انتقال العدوى.

وشدّد محدث "الترا جزائر" على أن حفّاري القبور يؤدون واجبهم وسط ظروف عمل صعبة محفوفة بمخاطر انتقال العدوى، وارتفاع درجة الحرارة، خاصّة مع تزايد عدد الموتى ونقص المتطوعين، موضّحًا أن بعض أهالي الموتى يُصعبون من أداء عملهم بشكلٍ تحترم في إجراءات دفن ضحايا "كوفيد - 19"، إذ يُرافق الجنازة عدد كبير من المشيّعين، وهذا ما يتنافى مع إجراءات السلامة.

أُجبر عمي رابح في إحدى المرّات على توقيف موعظة أمام قبر ميّت بسبب الحفاظ على إجراءات السلامة والتباعد الصحي، وقال "عَملنا لا يقتصر على حفر القبور كما جرت العادة، إذ يتم حفر القبور بواسطة آلة الحفر مراعاة لحجم الصندوق، ومساعدة أهالي الموتى في الدفن وهذا تقيدًا بإجراءات دفن ضحايا كورونا، بعض أهالي الضحية يأتون في حالة انهيار نفسية وجسدية، مما يفرض علينا القيام بعملية الدفن وبناء القبر فيما بعد".

صورة صادمة

ومن بين الصور الصادمة التي تبقى معلقة بذاكرة أحد حفار القبور هي جثة لشابة من مواليد 1995 كما يُظهر شاهد قبرها، إذ يقول توفيت الشابة إثر مضاعفات فيروس كورونا، كما أن باقي أفراد عائلتها كلهم مصابون بفيروس كورونا، التزموا البيت ولم يتمكّنوا من حضور مراسيم الدفن، لولا تطوّع أفراد الحماية المدنية وبعض الجيران.

في هذا السياق، يقوم عمي محمد، وهو أحد حفاري القبور بالعاصمة، إنّ استمرار وصول عدد المتوفين وازدحام سيارات نقل الجثامين ودفها داخل التوابيت، "أعادت إلى ذهني صور ومشاهد عشتها خلال العشرية السوداء في هذا المكان، غير أنّ الأجواء أقل حدّة من السابق وأهالي المتوفّين راضون بقدر الله وقضائه".

من جهته، يبدوا إبراهيم منهارًا ومحطمًا، يقول إن الأسبوع الفارط اختطف فيروس كورنا والدته، واليوم موعد دفن والده بعدما فتك الوباء به. ورغم هول الفاجعة كان إبراهيم يرتدي البدلة الطبية الواقية من فيروس كورونا، وكان قد أعلن لأقاربه أن تشييع الجنازة سيكون وفق إجراءات السلامة والوقاية من جائحة كورونا، قائلًا لا يسعنا أن نقول إلا "إنا لله وإنا إليه راجعون، والحذر مطلوب".

يجمع كثيرون أن ارتفاع عدد الإصابات يعود إلى عدّة عوامل أهمها تهاون الأجهزة الرقابية في تطبيق القانون على المخالفين لإجراءات السلامة 

يجمع كثيرون أن ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وبالإضافة إلى حالة التراخي التي سبقت هذه الموجة، يعود إلى عدّة عوامل أهمّها رفع القيود عن السفر وإعادة فتح بعض النشاطات التجارية، وتهاون الأجهزة الرقابية في تطبيق القانون على المخالفين لإجراءات السلامة والتباعد الجسدي في الفضاءات العامة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نزيف متواصل.. 40 وفاةً في صفوف قطاع الصحة بسبب كورونا

أطباء في مصحّات الحجر الصحّي.. وجهًا لوجه أمام فيروس كورونا