21-أغسطس-2019

تعمد بعض الصفحات على مواقع التواصل إلى نشر الإشاعات لجلب التفاعل (صورة تعبيرية/ Getty)

نشرت إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، صورة رجل ينصب طاولة لبيع البطّيخ على قارعة الطريق، وأضاف كاتب المنشور، تعليقًا على هذه الصورة مفاده "هذا الرجل البسيط الذي يبيع البطيخ، هو شقيق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندنا شقيق الرئيس صار صاحب الأمر والنهي والمتحدّث باسمه، وسارقًا لختم الرئاسة".

لقد تحوّل استخدام موقع فيسبوك في السنوات الأخيرة، من منصّة تواصل إلى صناعة الرأي العام

توالت التعليقات التي تُكذّب ما جاء في المنشور الذي يتحدّث عن شقيق أردوغان، ونشر أصحابها روابط لصفحات ومواقع سبق لها وأن صحّحت الخبر. بعد دقائق اختفى ذلك المنشور من الصفحة. ويبدو أن التعليقات نبّهت صاحب الصفحة إلى الحماقة التي نشرها.

اقرأ/ي أيضًا: "هواوي" والتجسّس .. المسموح والممنوع في الجزائر

 التعليقات التي رافقت هذا المنشور، هي إحدى صور الإعلام البديل، أو فلنقل هي سلطة ضبط افتراضية يُمارسها روّاد التواصل الاجتماعي على ناقلي الأخبار، تقوم على محاربة الإشعاعات والأخبار الكاذبة، وتتحرّى مصداقية المعلومات التي صارت تغزو هذه المواقع.

البحث عن سبق صحافي

في تدوينة على فيسبوك، يقول الباحث عمّار يزلي "ملايين الصفحات على الفيسبوك تروّج لأخبار كاذبة أو مفبركة، دون حذر أو انتباه أحيانًا إلى أننا ننشر أكاذيب ملفقة قد تعصف بكيان بأكمله. لاحظنا ذلك خلال الحراك الشعبي وما نُشر على الفيسبوك من أخبار كاذبة وتكذيب أخبار حقيقية، ثم يروّج لها لخلق حالة من عدم اليقين والشكّ والفزع والخوف من المستقبل وبثّ كل أشكال الريبة في الأنفس. استعملت أحيانًا تقنيات عالية في السينما والفوطوشوب، إلى درجة أن المستقبل العادي لا يميّز بين الصحيح والمفبرك، فيُسارع إلى توزيعها وتقاسمها مع الأخرين".

لقد تحوّل استخدام موقع فيسبوك في السنوات الأخيرة، من منصّة تواصل إلى منصّة أخبار، وبات مضمونه يشكّل إعلامًا بديلًا حقيقيًا متاحًا للجميع، حيث بات ممكنًا أن تنتشر أخبار مغلوطة بسرعة فائقة دون التحقّق من مصداقيتها، وتلقى هذه الأخبار مشاركة وتفاعلًا واسعين، خاصّة إذ كان صاحب الخبر شخصية معروفة أو صحفيًا مشهود بمصداقيته أو ناشطًا يمتلك صفحة محقّقة، في مقابل ذلك بات ممكنًا أيضًا أن تجد أخبارًا مصحّحة وتكذيبات لأخبار تناقلتها قنوات تلفزيونية، تسرّع الصحافيون في نقلها من أجل سبق مزيّف.

 

إشاعات عابرة للقارات

من بين أشهر الأخبار المغلوطة التي عرفت انتشارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، خبر الوفاة الفنّان رابح درياسة، لكن يبقى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة صاحب الرقم القياسي في إشاعات الوفاة؛ حيث قتلته حسابات وصفحات فيسبوكية عدّة مرات، بينما عرفت قنوات تلفزيونية جزائرية سقطة كبيرة بعد أن أذاعت خبر وفاة الرئيس التونسي باجي قائد السبسي، بعد إصابته بوعكة صحيّة، وقد كان حيّا يرزق حينها، بل وسارعت إحدى القنوات إلى الحديث عن فترة ما بعد السبسي في بثّ مباشر.

قبل أيّام نشرت القناة الألمانية "دوتشيه فيله" على موقعها، تكذيبًا لخبر تم تداوله على نطاق واسع في الجزائر، مفاده أن فرنسا عرقلت مشروعًا ألمانيًا للطاقات البديلة في الجزائر، ونقلت القناة الألمانية تصريحًا للصحافي ديفيد كوربيه من مكتب وكالة فرانس برس قوله "إنّ تصريحات مثل هذه هي بمثابة قنبلة، نظرًا للانتقاد الموجّه فيه لفرنسا"، ولم يعثر صحفيو القناة الألمانية على أي مصدر لهذه التصريحات، مؤكّدين أنّ هذا الخبر لازال منتشرًا رغم نشر تكذيب من طرف السفارة الألمانية في الجزائر، بحسب المصدر نفسه.

صفحات تكشف الكذب..

مؤخّرًا، بدأت تظهر مواقع الكترونية وصفحات على مواقع التواصل، مهمّتها البحث عن مصدر الأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام وتكذيب المغلوط منها وتصحيحه، كما أخذت هذه المبادرات على عاتقها مهمّة التنبيه للإشاعات المغرضة، فكانت بعض التجارب اللّامعة في الوطن العربي مثل المرصد الأردني لمصداقية الإعلام، وموقع "فتبينوا" و "فالصو" ومواقع أخرى، لتظهر مؤخرًا  صفحات جزائرية تتحرّى صدق المعلومات، خاصّة مع انتشار أخبار مغلوطة تمّس الحراك الشعبي.

 من بين أهمّ الصفحات الجزائرية التي تتحرّى صدق الأخبار المنتشرة على وسائل الإعلام وأكثرها متابعة نجد صفحة "فايك نيوز ديزاد"، يسيّر الصفحة شابان جزائريان، لقمان(34 سنة) ، متخرّج من المدرسة العليا للمصرفة بالجزائر، وحاصل على ماستر في تسيير الأنظمة المعلوماتية بجامعة السوربون بباريس. يشتغل حاليًا مستشارًا في المصرفة في مؤسسّة متخصّصة في الاستشارة البنكية بفرنسا، أمّا صاحبه في مهمّة رصد الإشاعات و"الفايك نيوز" فهو نسيم (33 سنة)، حاصل على ماستر في الإعلام الآلي ويعمل في مجال الوقاية المعلوماتية.

 

يتحدّث لقمان لـ "الترا جزائر" عن بداية نشوء فكرة إنشاء صفحة جزائرية، تختصّ حصريًا في رصد الأخبار الكاذبة، التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة تصحيحها والتنبيه إليها "الفكرة أتت مع بداية الحراك، لاحظنا أن عدد الأخبار المغلوطة تزايد بشكل رهيب، وكنّا في الكثير من الأحيان نحاول التعليق على بعض المنشورات المغلوطة بهدف تنبيه القراء، لكن سرعان ما انتبهنا لعدم نجاعة هذه الطريقة. ومن جهة أخرى كانت لنا رغبة كبيرة في مشاركة ما يحدث في الجزائر وتقديم شيء لإنجاح الحراك، وفي الحقيقة البعد عن الوطن زاد من حدّة هذا الشعور".

البحث عن متابعين

يسترسل لقمان في الحديث عن تجربتهم القصيرة، مع رصد الأخبار الكاذبة المنتشرة بين مستخدمي مواقع التواصل، "الإشاعة لها عدّة أسباب، قد تكون بهدف جلب التعاطف نحو توجّه ما أو التنفير من جهة معادية، قد يكون أيضًا بغرض التمويه، كإغراق مواقع التواصل بأخبار تافهة للتمويه على قضية ذات أهميّة، هنا أتحدث عن الإشاعة المنظمة".

بعض الصفحات الفيسبوكية يتعدّى تأثيرها ما تبثّه القنوات التلفزيونية

يعتقد المتحدّث أن الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي، هدفها رفع التفاعل على الصفحات، وربح المزيد من المتابعين. وهو أسلوب انتهجته الكثير من الصفحات التي صارت اليوم مليونية، وصار لها تأثير كبيرعلى الرأي العام، مضيفًا أن بعض الصفحات صارت توظّف منذ بداية الحراك من طرف تيارات سياسية مختلفة، لأن هذه الأخيرة - بحسب لقمان- أدركت أن الإعلام تغيّر وجهه في أيامنا هذه، وأن بعض الصفحات لها تأثير يتعدّى تأثير قنوات تلفزيونية على حدّ قوله.

اقرأ/ي أيضًا: 

تحذير.. السحر الأزرق يهدد الجزائريين!

18 سلوكًا أكرهها في التّعاملات الفيسبوكيّة