17-سبتمبر-2015

يتعرض العامل في ورشات البناء لحوادث خطيرة(فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

غادر علي، شاب في الثلاثينات من العمر، محافظته "المدية"، التي تقع على بعد 150 كيلومتر من العاصمة الجزائرية، بحثًا عن عمل يضمن له حياة كريمة. يقول علي لـ"ألترا صوت": "كانت البطالة سبب مغادرتي مدينتي التي تفتقر لمشاريع أو ورشات أستطيع العمل فيها، فهي منطقة تعتمد أساسًا على الرعي وتربية الماشية وبعض الأنشطة الفلاحية الموسمية".

ويضيف علي: "عملت لسنوات في ورشات بناء وكان المقاولون يرفضون في كل مرة تمكيني من عقد عمل يضمن حصولي على تأمين اجتماعي، خاصة وأن عملي فيه إجهاد للنفس ويتعرض فيه العامل لحوادث مختلفة". ومع كل عمل جديد، يطالب علي بنفس الحقوق ويصطدم بتطور الخلافات مع صاحب العمل فيضطر لتركه أو يُطرد.

تشبه قصة علي وضعية آلاف العمال الجزائريين الذين اصطدموا باستغلال أصحاب العمل وتوظيفهم دون عقود تضمن لهم حقوقهم الاجتماعية والمهنية. وفي هذا السياق، يرد أصحاب العمل، عادة، أن مشاريعهم غير دائمة وحاجتهم للعمال موسمية.

وخلال السنوات الفارطة، استحدثت وزارة العمل والضمان الاجتماعي الجزائرية آلية جديدة موجهة للعمال الذين تربطهم عقود عمل، دائمة وغير دائمة، بمؤسسات العمل وتتمثل هذه الآلية في بطاقة العلاج ذات اللون الأخضر التي تمكن العامل من الحصول على الدواء مجانًا في حالة المرض. ويُشترط للحصول على هذه البطاقة امتلاك عقد عمل ورقم تأمين اجتماعي أما المشتغلون دون عقود فيحرمون من بطاقة العلاج وحقهم في العطل والتقاعد.

يروي علي لـ"ألترا صوت" قصص زملائه العاملين في ورشات البناء والفلاحة والري وتعبيد الطرقات: "اشتغل أغلبهم لسنوات دون عقود، وبعد إصابتهم بحوادث أثناء العمل أو بسببه، تلقوا تعويضًا ماليًا بسيطًأ من أصحاب العمل غير أنهم حرموا من منحة حوادث العمل والتعويض عن تكاليف الدواء والاستفادة من علاج العمليات الجراحية المجانية على مستوى المؤسسات الاستشفائية التابعة للدولة".

بالرغم من حملات المراقبة التي تقوم بها من حين لآخر مصالح مفتشية العمل، الموجودة في أغلب محافظات الجزائر، للوقوف على مدى احترام قواعد العمل من طرف أصحاب المشاريع إلا أن هذه الإجراءات تبقى ظرفية وبدون جدوى. فالعديد من أصحاب العمل على علاقة وطيدة بالمراقبين إضافة إلى تفشي الرشوة والمحسوبية، إذ يقوم أصحاب العمل بمنح امتيازات وأموال للمفتشين. كما يُلاحظ تراخي مصالح المراقبة في القيام بدورها ميدانيًا إذ أصبح هؤلاء لا يتحركون إلا في حال ورود شكاوي من طرف العمال أو وقوع خلافات بين العامل وصاحب الورشة مثلًا.

يقوم أصحاب العمل بتقديم امتيازات وأموال للمفتشين للتهرب من العقوبات نتيجة تشغيل عمال دون عقود تضمن حقوقهم

ويتهرب أصحاب الورشات من إبرام عقود واضحة لتأمين عمالهم وضمان حقوقهم لأسباب مختلفة، أهمها: التهرب الضريبي، إذ يتم احتساب الضرائب حسب عدد العمال، إضافة إلى التهرب من الإجراءات المتعلقة بتحيين التأمين على مستوى وكالات الصندوق الوطني للتأمين على العمال.

وتنادي العديد من الأطراف في الجزائر كالمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والنقابات العمالية بإجراءات أكثر صرامة وردعية ضد أصحاب العمل الذين يثبت تورطهم في التلاعب بوضعية العمال على مستوى مؤسساتهم. واقترحت النقابات العمالية تشديد العقوبات بسحب السجل التجاري نهائيًا من صاحب المؤسسة إضافة إلى تسليط عقوبات مالية ضده وإرغامه على دفع التعويضات للعمال بأثر رجعي، وذلك باحتساب فترة العمل التي قضاها العمال دون عقود ولا تأمين .

وألحت رابطة حقوق الانسان الجزائرية على ضرورة تعزيز الأدوار الرقابية لمفتشيات العمل على مستوى أماكن العمل وإعداد تقارير مفصلة عن وضعية العمال المتعلقة بالحماية الاجتماعية والمهنية، أملًا في ضمان حقوق وكرامة آلاف العمال.