31-مايو-2021

الأمير عبد القادر الجزائري (Getty)

أعادت الاحتفالات بالذكرى الـ 138 لرحيل الأمير عبد القادر المصادف لـ 26 أيار/ماي من كل عام ببعث النقاش حول مدى تقدير الجزائر شعبيًا ورسميًا لقيمة إنسانية عالمية مثل مؤسسة الدولة الجزائرية الحديثة، ودعا البعض إلى الافتخار بتاريخ هذا الرجل الشاعر المقاوم وتصحيح كل الأكاذيب والمغالطات التي تربط بشخصيته.

لم تكن الاحتفالات الرسمية بالذكرى الثامنة والثلاثين بعد المائة لرحيل الأمير عبد القادر بحجم تاريخ الرجل

وكثيرًا ما يُعاب على الجزائر عدم احتفائها بالشكل اللائق بزعمائها وبمن صنعوا تاريخها، لذلك عجت هذه المرة مواقع التواصل الاجتماعي باستذكار مناقب الأمير عبد القادر والدعوة لإعطائه المكانة الرمزية التي يستحقها في بلاده لما قدّمه لها وللعالم أجمع.

اقرأ/ي أيضًا: عائلة الأمير عبد القادر ترفض تشييد تمثال له بفرنسا

دون المستوى

لم تكن الاحتفالات الرسمية بالذكرى الثامنة والثلاثين بعد المائة لرحيل الأمير عبد القادر بحجم تاريخ الرجل، فقد اقتصرت على ندوة رعتها وزيرة الثّقافة والفنون، نظّمت بقصر الثّقافة بالعاصمة الجزائر تحت عنوان "حياة ومآثر الأمير عبد القادر"، نشّطها باحثون ومختصّون، وحضرها أعضاء من مؤسسة الأمير عبد القادر، وكذا طلبة من المدرسة العليا للدرك الوطني، وممثلين عن الأمن الوطني، ومثقّفين وإعلاميين، إضافة إلى ندوة أخرى بعنوان "الأمير عبد القادر: الإنسان والمجاهد".

غاب عن هذه الندوة التي نظمتها وزارة الثقافة الفنون، وزراء ومسؤولون في القطاع الثقافي، فحتى الوزيرة مليكة بن دودة لم تكن حاضرة للاحتفاء بهذا الموعد التاريخي، واكتفى وزير المجاهدين الطيب زيتوني الغائب عن الساحة الوطنية منذ أشهر، بإرسال كلمة للمشاركين في الندوة الثانية، قرأها باسمه مدير التراث التاريخي والثقافي بالوزارة محمد ياحي.

وقال زيتوني إن "ما تميزت به مسيرة الأمير عبد القادر، الحافلة بالإقدام والشجاعة والتضحية وكذا رفض الظلم والطغيان، يجعلنا نفتخر أنه شرف الجزائر وتاريخها المرصع بالبطولات".

وأضاف الوزير أن الأمير عبد القادر الذي حارب الاستعمار لمدة 17 سنة "قام بإصلاحات اجتماعية كبيرة، وكون جيشًا قويًا ومنظمًا وأسس دولة موحدة".

واكتفت وزير الثقافة مليكة بن دودة بمنشور على صفحتها الرسمية في فايسبوك جاء فيه " الأمير مرجعيّة أبديّة، مدرستنا في الحياة والإنسانيّة".

وأضافت بن دودة "ترسّخ الأمير في ذاكرة ووعي الأجيال رمزا حقيقيّا للمعرفة والعلم والإنسانيّة، تماما كما ترسّخ قائدا ومحاربا وشاعرا ومؤسّسا للدولة وحاملا للقيم.الأمير عبد القادر تجاوز الحدود الجغرافيّة برؤيته ومقاربته للحياة، وعبر التّاريخ بمواقفه، يحقّ لنا أن نفخر به ونكرّم ذكراه ونستلهم من همّته وعبقريّته وإنسانيّته".

احتفاء أمريكي

استذكرت السفارة الأمريكية بالجزائر مآثر الأمير عبد القادر في الذكرى الـ138 لوفاته بالحديث عن علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال مدينة القادر.

وجاء في منشور للسفارة على صفحتها الرسمية بفايسبوك " في ذكرى رحيله، نتذكر البطل الجزائري الكبير الأمير عبد القادر الذي نال إعجاب الأمريكيين كثيرًا".

وأضافت السفارة "في عام 1883، كتبت صحيفة نيويورك تايمز عن الأمير عبد القادر، قائلة إنه "يستحق أن يُصنف من بين أفضل الرجال العظماء القلائل في هذا القرن". وفي عام 1846 ، قرر المواطنون في ولاية "أيوا" تسمية مدينتهم الجديدة القادر تكريمًا له، بعد أن قرأوا عن مقاومته الشجاعة للاحتلال الفرنسي وعن أخلاقه في السلم والحرب".

وضربت السفارة موعدا لمتابعيها  للحديث مجددا عن مؤسس الدولة الجزائرية الشهر المقبل، في الاحتفال مدينة القادر بعيدها الـ 175.

تقصير رمسي

شكلت الذكرى الـ138 لوفاة الأمير عبد القادر فرصة لكثير من الجزائريين للتأكيد على ضرورة الاهتمام بمسيرة مؤسس الدولة الجزائرية ونفض الغبار عن منجزاته على الصعيد المحلّي والعالمي.

وقال الأستاذ الجامعي مصطفى راجعي إن "هناك العديد من الأدّلة التي قدمها المؤرّخون متوفرة باللغة الانجليزية حسب اطلاعي على بعضها، بينت أن وجود الأمير عبد القادر في دمشق كان وراء ظهور حركة النهضة العربية الحديثة في بلاد الشام قبل ظهورها في أماكن أخرى من العالم العربي".

وحسب راجعي، فقد "ظهرت أولى الأفكار الإصلاحية لدى من كانوا جزءًا من حلقة الأمير في دمشق، فمن أشهر أسماء تلامذة الأمير الذين لعبوا دورًا في الحركة الإصلاحية في دمشق، الطاهر الجزائري والبيطار والقاسمي وغيرهم، إذن نحن أمام نتيجة خطيرة تعيد النظر في ما نعرفه لحد الآن عن ظهور الحركة الإصلاحية في العالم العربي".

وأضاف راجعي "هكذا يكون الأمير الصوفي الجزائري قد لعب دورًا كبيرًا في نشأة فكر إصلاحي جديد لم يكن معروفا قبله، فهذه نتيجة تحتاج إلى نقاش ومزيد من الأدلة والتمحيص من قبل المؤرخين وغيرهم من المختصّين، وهذا موضوع جديد للشباب الباحثين المهتمين بالأمير وتأثيره على ظهور الحركات الإصلاحية في العالم العربي".

غير أن تصحيح كل ما تعلق بالأمير عبد القادر وحمايتها ممن يستهدفون تاريخه، يكون بضرورة حرص من يتحدّثون باسمه على نقل الحقائق التاريخية، وهنا انتقد الصحفي الجزائري المقيم بأمريكا مسعود هدنة، ما جاء على لسان حفيدة الأمير الأمينة العامة لمؤسّسة الأمير عبد القادر زهور آسيا بوطالب التي تحدثت عن تكريمه من قبل أدباء فرنسيين.

وقالت بوطالب في تصريح نقلته وكالة الأنباء الجزائرية إنه قد " تم تكريم الأمير على يد أدباء مثل ريمبو وفيكتور هوغو وروبارت برونينغ وويليام تراكري، نظير أفكاره وأعماله الإنسانية حتى قبل إنشاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر".

وخاطب هدنة بوطالب قائلًا "أنت لا تعرفين جدّك جيدًا يا حفيدة الأمير.. خطؤك تاريخي وعليك أن تتراجعي"، مضيفًا "ذُهلت لما قالته حفيدة الأمير الأمينة العامة لمؤسسة الأمير عبد القادر السيدة زهور آسيا بوطالب عن جدها..! لقد وقعت في خطأ لا يُغتفر - منها هي بالذات - كونها من دم الأمير ونسله".

وأردف قائلًا: "لكن ما أعلمه منذ زمان - وأعدت التأكد منه اليوم - هو عكس ما قلته تمامًا، فالشاعر الفرنسي والأديب الكبير فيكتور هوغو لم يكرّم الأمير بل شتمه ونال منه في قصائد كثيرة، منها واحدة خصّصها له بعنوان (الشرقي - Orientale)".

وللتعبير عن عدم رضاهم  لتجاهل قيمة الأمير عبد القادر، استذكر بعض الجزائريين ما تم بذله بعد الاستقلال لما تم عام 1965 نقل رفات جثمانه من دمشق التي دفن بها إلى الجزائر.

رمزية الأمير

وبعيدًا عن هذا الجدل بشان أراء كتاب فرنسيين في شخص الأمير عبد القادر، الذي حظي باعتراف من قبل شخصيات سياسية عالمية مؤثرة مثل الرئيس إبراهام لينكولن والملكة فيكتوريا، والسلطان عبد المجيد الأول، والقيصر الكسندر الثاني، تتمسك عائلة الأمير برفض تشييد تمثال له بفرنسا التي حاربها.

وأوصى تقرير بنجامين ستوار الذي سلمه في 20 كانون الأول/جانفي الماضي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتشييد تمثال للأمير عبد القادر في فرنسا، في إطار معالجة ملف الذاكرة مع الجزائر.

وقال محمد بو طالب أحد أحفاد الأمير عبد القادر لوكالة الأناضول "نرفض تشييد تمثال للأمير بفرنسا التي سجن فيها واحتجز بها كرهينة".

وأضاف بوطالب "أعددنا عريضة إلكترونية لجمع توقيعات لرفض المقترح الوارد في التقرير الفرنسي لأنه يصب في صالح فرنسا وليس الجزائر".

وأطلقت العريضة من قبل حفيدة الأمير عتيقة بوطالب بعنوان "لا لتدنيس اسم ومكانة الأمير عبد القادر من قبل الدولة الفرنسية التي حنثت بالعهود".

تقول العريضة التي وقع عليها أكثر من 1500 شخص إن الأمير ملك للجزائر ولكل الشعوب التي قاومت المشاريع الاستعمارية

وتقول العريضة التي وقع عليها أكثر من 1500 شخص إن "الأمير ليس تراثًا لا وريث له، إنه ملك للجزائر والشعب الجزائري ولكل الشعوب التي قاومت المشاريع الاستعمارية"، معتبرة أن المقترح الفرنسي يعد محاولة اختطاف جديدة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ستورا: "التوبة" فخّ نصبه لنا اليمين المتطرّف في فرنسا

أميركا تحتفي بذكرى الأمير عبد القادر