قول

في حضرة البكالوريا.. تُطفأ البلاد لتُضاء ورقة الامتحان

15 يونيو 2025
قطع الأنترنت خلال البكالوريا في الجزائر
بوبكر بلقاسم
بوبكر بلقاسمصحفي من الجزائر

في كل عام، مع حلول امتحانات البكالوريا، تنفصل الجزائر عن العالم. لا إعلان حرب ولا كارثة طبيعية، فقط قرار رسمي يقضي بقطع الإنترنت كإجراء احترازي للحد من ظاهرة الغش وتسريب الأسئلة. هكذا، ومنذ سنوات، تحوّل الحدث التربوي الأهم في البلاد إلى ما يشبه "طوارئ رقمية".

ما إن تُقطع الشبكة، حتى تبدأ لعبة القط والفأر. فبينما تعلن الدولة الدخول في "وضع الطيران"، يعثر الجزائري على مخارج جانبية، يمرّ من ثقوب القانون كما يمرّ الماء من بين الأصابع

في الصباح الباكر، يستيقظ الجزائري على هاتفه الميت، على صفحات لا تُحدَّث، ومحادثات متوقفة عند "يكتب الآن..." كأن الزمن نفسه تجمّد. الأب يطلّ من شرفة البيت ليعرف حالة الطقس، والأم تغتنم اللحظة لإعادة فتح كُتب الطهي القديمة، أما الشباب، فيتسكعون بين جدران الغرف، يبحثون عن موجات واي فاي كما يبحث العطشان عن السراب في صحراء ممتدة.

هي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالسلطات المعنية تعتبرها ضرورة أمنية في وجه الغش، بينما المواطن يعيشها كعقاب جماعي. وقد يتفهم الكثيرون الدافع، لكنهم يعجزون عن ابتلاع الطريقة. قطع شامل، كامل، لا يفرّق بين غشّاش وطفل يريد مشاهدة الرسوم المتحركة، ولا بين طالب قلق يبحث عن مراجعة سريعة ومواطن بسيط أراد أن يقوم بتحويل بريدي من هاتفه.

لكن ما إن تُقطع الشبكة، حتى تبدأ لعبة القط والفأر. فبينما تعلن الدولة الدخول في "وضع الطيران"، يعثر الجزائري على مخارج جانبية، يمرّ من ثقوب القانون كما يمرّ الماء من بين الأصابع. يعود الـVPN إلى الواجهة، كمنقذ سريّ من العزلة، فيتداول الناس أسماء التطبيقات التي تفتح "الهوة في الجدار"، وتنتقل الروابط بسرّية تامة كما كانت تنقل كتبًا ممنوعة في زمن الرقابة.

هي حيلة يعرفها الجميع، ويطبقها كثيرون دون صخب. كأن الجزائري يقول، بطريقته الخاصة: "افصلوا الشبكة، وسأعيد وصلها على طريقتي". ليست نزعة تمرّد بقدر ما هي انعكاس لعلاقة هشّة مع الثقة، وحنكة متوارثة في التعايش مع الحلول المؤقتة. فمن تعوّد على الانقطاع، تعوّد أيضًا على الالتفاف.

الإنترنت صارت هي نفسها رمزًا للثقة المفقودة. وزارة لا تثق في تلاميذها، والتلاميذ لا يثقون في نزاهة الامتحان، والمواطن لا يثق في الإجراءات

الغريب أن الإنترنت صارت هي نفسها رمزًا للثقة المفقودة. وزارة لا تثق في تلاميذها، والتلاميذ لا يثقون في نزاهة الامتحان، والمواطن لا يثق في الإجراءات. وبين كل هذه الدوائر، تُقطع الأسلاك وتُطفأ الشاشات، كمن يطفئ المصباح ليمنع تسرب الضوء إلى الخارج.

لكن وسط كل هذا، هناك مشاهد صغيرة تمر دون أن توثقها الكاميرات، : أمّ تقرأ الدعاء بصوت مرتجف على عتبة البيت، وأب يحبس دمعة فخر وهو يرى ابنه يخرج مبكرًا بثياب مكوية، وشباب في المقاهي يتحدثون عن أحلام مؤجلة وأمنيات بسيطة، وكأن البكالوريا لحظة لقياس نبض البلاد كلّها، لا فقط ورقة من أربع ساعات.

وفي النهاية، تعود الإنترنت، وتبقى الأسئلة معلقة، تمامًا كما تبقى نتائج البكالوريا رهن الانتظار، معلّقة بين فرحة الانتصار ومرارة الإخفاق. لكن ما يبقى حقًا، هو هذا الطقس السنوي الغريب، الذي لا يشبهه شيء، حيث تُطفأ البلاد... لتُضاء ورقة.

الكلمات المفتاحية

موسيقى الراي

تأمّلات صيفية في موسيقى الرّاي

لطالما جلست خلال فترات الصيف في خلوتي، بين فترات الكتابة المتقطّعة أو الترجمة، أشتكي من حرّ لا يطاق في مدينتي الداخلية، قسنطينة، شرق الجزائر، ولم يكن أنيسي سوى الموسيقى.


معطوب لوناس

في ذكرى اغتيال معطوب لوناس.. حين لا يقدر الرصاص على قتل القصيدة

في ظهيرة 25 جوان 1998، انطفأ صوت من الأصوات التي لم تكن تُغنّي فحسب، بل كانت تصرخ بالحقيقة، لقد اغتيل معطوب لوناس برصاص الغدر بمنطقة ثالة بونان ببني دوالة واخترقت جسده 78 رصاصةً.


وفاة 3 مناصرين

عن السياج الذي قتل الرفاق وابتلع فرحة التاج التاسع

في المساء الذي كان من المفترض أن يُكتب فيه المجد بحروف خضراء وحمراء، تحوّل التتويج إلى تابوت، والمدرج إلى هاوية. لم يكن أحد يتخيّل أن مباراة احتفالية على أرضية ملعب 5 جويلية، بين مولودية الجزائر ونجم مقرة، ستُختتم بجنازات ولجنة تحقيق، لا بأغنية النصر المعتادة.


لم يعد العيد كما كان

"لم يعُد العيد كما كان".. عن تحوّلات عيد الأضحى في الجزائر

لم يعُد العيد كما كان، باتت أشبه بأغنية ترافق مناسبة العيد منذ سنوات، وهذا ليس مجرد حنين ولا رثاءً للزمن الجميل، بل ملاحظة تتكرّر كل سنة، وتزداد حدّة كلما اقترب صوت "تكبيرات العيد".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

مقابلة
مجتمع

"علامات متدنية" في مسابقات توظيف الدكاترة تثير الغضب.. هل المقابلة الشفوية معيار ظالم؟

أثار نشر تفاصيل علامات مسابقات التوظيف الجامعي في الجزائر، مؤخرًا، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، بعد تداول أرقام ونقاط المقابلات الشفوية التي اعتُبرت مجحفة وغير موضوعية في حق عدد من المترشحين.


لونيس سعيدي
أخبار

إدانة نقيب السكك الحديدية لونيس سعيدي بسنتين حبسا نافذا.. وحزب العمال يعتبر الحكم "سابقة خطيرة"

أدانت محكمة سيدي أمحمد، النقابي لونيس سعيدي، الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية، بالسجن سنتين نافذتين مع تغريمه بمليوني دينار جزائري، على خلفية توقيعه إشعارًا بالإضراب يوم 25 حزيران/جوان الفارط.

سوريا01.jpg
أخبار

إجماع سياسي على إدانة العدوان الإسرائيلي على سوريا.. وتحذير من توسيع دائرة الصراع

أدانت مختلف الأحزاب السياسية في الجزائر العدوان الإسرائيلي على سوريا، معتبرة أنه انتهاك لسيادة دولة عربية ومسّ بأمنها واستقرارها، في وقت عبّرت فيه الجزائر رسميًا عن رفضها لهذا التصعيد ودعت إلى تحرك أممي لوقف الاعتداءات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

برونو روتايو يدعو إلى تغيير اللهجة مع الجزائر ويتوعد آلاف "الحراقة" الذين تعاملوا مع قنصلية تولوز


2
أخبار

بعد لجوء الاتحاد الأوروبي للتحكيم ضد الجزائر.. دعوات لتعيين هيئة دفاع مؤهلة قانونيًا ودبلوماسيًا


3
أخبار

بهدف الضغط على الجزائر.. لجنة فرنسية تدعم فكرة ترشيح بوعلام صنصال لجائزة نوبل


4
ثقافة وفنون

الجزائر تُحاكي غزة بالألوان.. فنٌّ من تحت الركام


5
أخبار

الجزائر بصوت موحد مع "مجموعة أ 3+": لا لخرق القانون الدولي في سوريا