10-أبريل-2020

الأزمة الوبائية خلقت عدّة نشاطات تجارية في الجزائر ر (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

مع منع السلطات الجزائرية لحركة النقل العام والخاص، وتوقيف كلّ وسائل النقل بمختلف أنواعها داخل المدن وما بين الولايات، ضمن تدابير الحجر الصحّي لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وجد المواطن نفسه مضطرًّا للتسليم للأمر الواقع باستخدام سيارات أجرة غير قانونية، أو ما يسمّى في الجزائر بـ"طاكسي كلونديستان"، أو اللجوء إلى الاتصال بسيارات التطبيقات الإلكترونية، ودفع ثمن التوصيلة.

نشاط أصحاب السيارات السياحية في هذا الظرف، يعدّ مغامرة غير محسوبة العواقب، بسبب تزايد احتمالات إصابتهم بالعدوى 

تدابير دون حلول

في عزّ الأزمة الصحّية ومعضلة وسائل النقل، البعض يراها من زاوية أنّها "فرصة ثمينة للعمل ونقل الزبائن لقضاء أغراضهم وحاجياتهم داخل المدن الكبرى، بما يدر عليهم مداخيل كبيرة"، يقول عبد القادر العامل كحارس أمني في بنك الجزائر ببئر مراد رايس بالعاصمة الجزائرية، موضّحًا أن " شروط الحجر الصحّي وحظر التجوّل في الجزائر، تسبّب في إفلات رأس الخيط الناظم ليوميات العمّال الأجراء المعتادة"، على حدّ تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون يستعدّون لشهر رمضان.. زحمة مرورية وخرق لإجراءات الوقاية من كورونا

وواصل عبد القادر البالغ من العمر 34 سنة، بالقول في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّ تطبيق حظر التجوال في الجزائر قبل الثالثة ظهرًا، وقبلها إيقاف وسائل النقل، دفعت بالكثيرين ممن لا يملكون سيارات شخصية، إلى اللجوء لخدمات هؤلاء السائقين تقوم بنقلهم لكن "مصائب قوم عند قوم فوائد" كما قال.

لقد أصبح هذا الموظف في مؤسّسة حكومية، يصرف يوميًا على سيارات النقل ما يقارب ألف دينار جزائري، وهو ما يعادل 7 يورو يوميًا، مما جعله يتغيّب حينًا، ويتخذ أسبابًا أخرى للتمنّع عن العمل أحيانا أخرى.

إجراءات توقيف النّقل في الجزائر خلال الفترة الحالية، بعد إقرار تدابير الحجر الصحّي من طرف الحكومة، أحدث صداعًا كبيرًا في رأس المواطن البسيط، خصوصًا بالنسبة للأجراء  من متوسّطي الدخل، وللمواطن العادي الذي يحتاج إلى" توصيلة كورسة"، في الفترات المتاحة له لقضاء حاجة ملحة وضرورية وطارئة، غير أن نشاط أصحاب السيارات السياحية في هذا الظرف، يعدّ مغامرة غير محسوبة العواقب، إذ أنّهم بحكم عملهم مضطرون للتعامل مع عدّة زبائن، وهذا ما يزيد من خطر إصابتهم بالعدوى ونقلها أيضًا إلى عائلاتهم.

تطبيقات حلّ مؤقت بلا سلامة

بالحديث عن الظروف الطارئة، فتحت الأخيرة الباب أمام، استفحال طريقة الاعتماد على سيارات "الكلونديستان"، وغيرها من أنواع التوصيلات التي تعتمد على التواصل الهاتفي بتطبيقات الهاتف النقال، التي تمكّن من نقل الزبائن بحسب العرض والطلب، ومعترف بها من طرف وزارة النقل الجزائرية.

قبل الحجر الصحّي بسبب وباء كورونا، لاقت تطبيقات إلكترونية تهتم بتأجير السيارات السياحية، مثل تطبيق "وصلني" و" يسير" و" تم تم" انتشارًا واسعًا، لكنها باتت اليم "حلًا لا مفرّ منه في هذه الأزمة التي تمر بها الجزائر" تقول الممرّضة سعيدة سليماني في حديث إلى"الترا جزائر"، إذ تشتغل  في مستشفى بني مسوس بالعاصمة الجزائرية، وكانت في السابق تستقل يوميًا ثلاثة خطوط للنقل العمومي لتصل إلى المستشفى في الأيّام العادية، غير أن الظرف الحالي جعلها تلجأ إلى سيارات النقل الإلكتروني، التي تتصل بهم عن طريق تطبيق" يسير"، وهي السيارات التي برزت الأشهر الأخيرة وأخذت حظها من سوق النقل الخاص في الجزائر، إذ تقول هنا: "أصرف يوميا ما يعادل 800 دينار جزائري للوصول إلى المستشفى"، لافتة إلى أنها وسيلة ناجعة لكنها تُفلس الجيوب، على حدّ تعبيرها.

الظروف الطارئة والأسعار

الأمر، بات مرهقا للكثيرين، بين استخدام "الكلوندستان" أو سيارات يتم تأجيرها باستخدام تطبيقات هاتفية، خصوصًا ممن لا يمتلكون وسيلة تنقل في الحالات الضرورية والطارئة.

لا يمكن إغفال أن آلاف من الجزائريين، ممن تضطرهم الظروف الصحيّة الصعبة إلى التنقل اليومي للمستشفيات وللمراكز الصحيّة لأخذ علاجات خاصّة، مثل مرضى تصفية الدم، ومرضى السرطان الذين يحتاجون إلى جرعات العلاج الكيميائي، وغيرهم من المرضى في حالة خطيرة، خاصّة وأن بعض المؤسسات الصحية أغلقت مصالحها جميعًا وتركت فقط مصلحة الولادات والجراحة.

في الأزمة الوبائية التي تمرّ بها الجزائر، بات البحث عن توصيلة عبر سيارة من الصعب بمكان في ظلّ حظر التجوّل، وإن وُجدت فالثمن مرتفع جدًا في حالة نقل زوجين بين حي الموز بباب الزوار نحو حي رويسو بقلب العاصمة الجزائرية، إذ شهد الزوجان حالة ارتباك شديدة وهما يتنقلان نحو مستشفى بارني بالعاصمة، لزيارة مريض لهما هناك، "الوضع الحالي لا يبشّر بالخير" تقول السيدة، لـ "الترا جزائر"، معترفة أن النقل العمومي بات من  المغريات التي لا يمكن الحلم بها اليوم في زمن الحجر الصحّي المنزلي، موضّحة أن الحل الذي أوجده زوجها، هو الذهاب والإياب مع صاحب سيارة " كلوندستان" ويدفعان له سعرًا مرتفعًا يوميًا.

السلامة الصحية حجر الزاوية

اللافت في فترة الحجر الصحّي في الجزائر، يسير الجزائريون عمومًا بعقلية "مكره أخاك لا بطل" يقول مهدي زروقي. فقبل تفشي فيروس كورونا ومخاطر العدوى المتنقلة بسرعة البرق، كان الجزائري كثيرًا ما يلجأ إلى حلول غير قانونية، "نركب مع من يوصلنا ونحن لا نعرف حتى مع من نركب"، يضيف زروقي في حديث إلى "الترا جزائر"، غير أنه مع تحديد مواقيت الإبقاء على الخروج فقط للضرورة، بات النقل الوحيد الذي يمكن المواطنين من قضاء حوائجهم في التنقل عبر سيارات "الكلوندستان"، التي كانت تشتغل قبل هذه الأزمة الوبائية.

كثيرون يتخوفون من إجراءات السلامة الصحيّة باللجوء إلى استخدام هذه السيارات التي تتعامل يوميًا مع العشرات، دونما معرفة مخاطر ذلك، وهل هي محمية من حيث النظافة والتعقيم؟، يتساءل أحد مستخدمي هذه سيارات بتطبيق "يسير"، إذ يلجأ لها مكرهًا، لكنه تعوّد على الركوب بعد تعقيم مقبض السيّارة وفتح النافذة، وبعد عودته مباشرة إلى البيت، يأخذ حمامًا ساخنًا مع الحفاظ على غسل اليدين كل ساعتين.

في غياب قانون يحمي الزبائن، يشدّد بعض أصحاب السيارات الذين يشتغلون " كلوندستان" في فترة ما قبل حظر التجوّل، على تعقيم مركباتهم، وارتداء قناع واقٍ وتعقيم دوري لليدين، لافتين إلى أنها مصدر دخلهم الوحيد، في مقابل ارتفاع الأسعار وتدنّي القدرة الشرائية في البلاد. 

 وجد ناقلون أنفسهم في وضعية المستفيد الأوّل والمحتكِر الوحيد لنشاط النقل في الجزائر في ظلّ الوضع الراهن 

في هذا السياق، وجد ناقلون أنفسهم في وضعية المستفيد الأوّل والمحتكِر الوحيد لنشاط النقل في الجزائر، في ظلّ الوضع الراهن وعقب التدابير التي فرضتها السّلطات، وتسلطيها الضوء على مكافحة فيروس كورونا، وفي الوقت نفسه، يكلّف المواطنين الذين هم عند الحاجة الضرورية للتنقّل أعباء مالية جديدة، خاصّة وأن السلطة لم تترك لهم حتى خيارًا آخر، بينما يصرخ اليوم أصحاب النقل الخاص المرخّص، أن رزقهم انقطع خلال هذه الفترة، أمام اتساع دائرة الوظائف غير القانونية وغياب عين الرقابة عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزارة الصحة تدعو للمرافقة النفسية للمصابين بكورونا

إعلام الأزمات.. التلفزيون العمومي أمام امتحان استعادة المشاهد الجزائري