08-أغسطس-2019

يشكّل المعرض الدولي للكتاب في الجزائر ملتقى للمثقّفين والكتّاب (بلال بن سالم/Getty)

لستُ أمدح نفسي حين أقول إنّني أجد حرجًا، مع نفسي قبل الآخرين، حين أرمي فضلاتي في غير المكان المخصّص لذلك. وقد حدث مرّةً أن كنت أتمشّى في الشّارع مثقوبًا بالتّفكير في مشكلةٍ سمينةٍ اقتحمت حياتي فجأةً، ولم أنتبه إلى أنّني رميت علبة العصير، التّي استهلكتُها خارج سلّة المهملات.

لقد عرّى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ قطاعًا واسعًا من المحسوبين على الثقافة

في تلك اللّحظة بالذّات، سمعت إحداهنّ تقول لي: هذا أنت يا أستاذ تفعل هذا؟ لن أصدّقك بعد اليوم، وأنا أشاهدك تتحدّث عن الفنّ والثقافة والأدب في التّلفزيون. أقسم إنّني كنت مستعدًّا، في تلك اللّحظة، لأن أتنازل عن اسمي وأصبح نسيًا منسيًّا مقابل ألّا أعيش ذلك الحرج.

اقرأ/ي أيضًا: خاطرتان عن الحراك و"الكان"

إنّ هذا المشهد يُشكّل مدخلًا مناسبًا للحديث عن أزمة القدوة في حياة كثيرٍ من المحسوبين على الفنّ والثّقافة في الجزائر. إنّهم ليسوا ملائكةً طبعًا، ومن التعسّف أن ننتظر منهم أن يتصرّفوا على هذا الأساس، لكنّهم أكثر الشّرائح مطالَبةً بالحرص على الابتعاد عمّا يُخلّ بالسّلوك الحضاري.

قرأت مرّةً مقالًا جميلًا لكاتبٍ جزائريٍّ عن أزمة النّزاهة في المشهد الثقافي الجزائري، فعلّقت عليه، وقد نشره على صفحته في فيسبوك: لقد أعجبني مقالك كثيرًا. لكنّني تمنّيت لو كنت لا أعرفك.

سألني في المسنجر: لماذا تمنّيت لو كنت لا تعرفني؟، قلت: لأنّك تحدّثت عن النّزاهة، التّي يجب أن يتحلّى بها المثقّف، بينما تعمل في مؤسّسة عمومية تدفع لك مبلغًا شهريًا محترمًا رغم أنّك لم تدخلها منذ سنواتٍ لأنّ مديرها المثقف صديقك. فحذفني فورًا من قائمة الأصدقاء في الواقع وفي فيسبوك.

هو نفسه، كتب، بعد أيّام، مقالًا عن ضرورة تقبّل المثقّف للنّقد والرّأي المخالف!

ولقد عرّى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ قطاعًا واسعًا من المحسوبين على الثقافة، بأن ظهروا ركّاب موجة في البداية، من غير أن يكونوا مساهمين فيها. ثمّ بأن أصبحوا في طليعة المزكّين للمساعي المجهضة للأحلام والتّطلعات الشّعبيّة، فهم انتهازيّون في مطلع المسعى، وقوّادون في وسطه، ولا شكّ في أنّهم سيكونون في مزبلته عند منتهاه.

كلّ تعميمٍ تعسّف بالضّرورة. غير أنّه يتوجّب علينا الاعتراف بأنّنا بصدد نخبةٍ ثقافيةٍ غير منسجمة مع صفتها. وهو ما جعلها محلَّ ابتذالٍ في عيون الشّعب والسّلطة معًا. وإنّ مصداقية وزارة الثّقافة، حتّى لا نوسّع النّطاق إلى ما هو أعلى منها من مؤسّسات السّلطة، لم تتأتَّ من عمق استراتيجيتها، فهي لا تملك استراتيجيةً، بل من رداءة وبذاءة وانتهازية كثيرٍ من معارضيها.

 يتوجّب علينا الاعتراف بأنّنا بصدد نخبةٍ ثقافيةٍ غير منسجمة مع صفتها

"زعمة مثقّف"عبارة يقولها الجزائريون تعليقًا على التّصرفات المستهجنة، التّي يقترفها محسوب على الثّقافة. في مقابل عبارة: "هذاك متديّن"، إقرارًا من النّاس بانسجام سلوكه مع خطابه. والنّتيجة أنّ هذا الأخير بات يقتحم تجمّعات الأوّل، ويجهضها بصلاته، من غير أن يجد من ينصره من الشّعب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

زرادشت والحَراك

المعركة هي أيضًا معركة أفكار