11-فبراير-2023
برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

لا يزال مشروع القانون الناظم للعلاقات بين الحكومة والبرلمان، منذ إيداعه بمكتب المجلس الشعبي الوطني شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 يثير الجدل، ولم يطرح للنقاش في جلسة علنية أمام النواب لحد الساعة، نظرًا لعدم التوصل إلى صيغة عرض، ترضي كافة الأطراف.

تبحث السلطة على  هامش من الخصوصية في الأرقام والبيانات الخاصة بسياسة الدولة خاصة ما يتعلق بالشق الاقتصادي وترفض نشرها أمام النواب

كما تظل نصوص القانون التشريعية محل شد وجذب بين ممثلي الحكومة وأعضاء اللجنة القانونية بالغرفة السفلى للبرلمان، لطرح تعديلاتٍ جديدةٍ، يحاول أعضاء اللجنة فرضها عبر التقرير التمهيدي المنتظر قريبًا، قبل جلسات النقاش العامة.

لا يختلف إثنان على أن هذا القانون الذي طال أمد انتظاره، يحتوي جملة من التباينات بين رؤية السلطة التي تبحث عن هامش من الخصوصية في الأرقام والبيانات الخاصة بسياسة الدولة، خاصة ما يتعلق بالشق الاقتصادي والشركات الكبرى والحساسة، وترفض نشرها أمام النواب لتحافظ على سرية المعطيات، وبين منتخبي الشعب الذين يرون أن دورهم الرقابي يفرض الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في مجال المالية والاقتصاد بالدرجة الأولى ويؤكّدون أنه لا مكان للسرية تحت قبة البرلمان.

وإذا كان محور السرية، جزءًا من نقاط الظلّ التي تكتنف مشروع القانون، فرغم عقد أزيد من ستة اجتماعات لحد الساعة، حضرتها وزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة عزوار، وأعضاء لجنة الشؤون القانونية بالمجلس الشعبي الوطني، إلا أنه لم يتم الوصول لحد الساعة لصيغة نهائية تمكن من وضع تصور للقانون وطرحه أمام النواب في جلسات عامة للنقاش، وهو ما اضطر هؤلاء خلال أخر لقاء لهم _الثلاثاء 7 شباط/ فيفري  إلى اتخاذ قرار بتوسيع النقاش داخل اللجنة والاستعانة بسيناتورات وخبراء، للوصول إلى حلول وسطى ترضي كافة الأطراف.
فهل سيولد هذا القانون بعد مخاض عسير، ويرسم الصيغة الجديدة للنشاط البرلماني ويحدد واجباته وأعبائه قبل حقوقه، أم أنه سيظل مجمدًا ويحال للدورة المقبلة؟

ماذا تضمن القانون الناظم؟

كان أهم ما تضمنه مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون العضوي رقم 16_12  الناظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان، والذي تحصل موقع "الترا جزائر" على نسخة منه، 17 مادةً تشمل الجانب التشريعي والجانب المتعلق بالرقابة البرلمانية، حيث يحق للنوّاب استجواب الحكومة في أيّة مسألة ذات أهمية وطنية باستثناء المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني وأسرار الدولة والعلاقات الخارجية والاقتصاد الحيوي، وهي النقطة التي رفضها أعضاء لجنة الشؤون القانونية، وأكدوا أنها تندرج ضمن خانة التضييق على النواب وتقليص صلاحياتهم.

ويمكن للجان الدائمة لغرفتي البرلمان، وفق مشروع القانون، سماع أعضاء الحكومة بخصوص كل مسألة تتعلق بالمصلحة العامة، ويُبلّغ رئيس مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني حسب الحالة، ويلتزم الوزراء بتقديم المعلومات والوثائق الضرورية للنواب وذلك في إطار ممارسة مهامهم الرقابية.

وجاء في نص المادة 87 مكرر : "يستثني من المعلومات والوثائق التي تكتسي طابعًا سريًا واستراتيجيًا ما يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والمصالح الحيوية للاقتصاد الوطني وتلك المتعلقة بوقائع تكون محل إجراء قضائي"، حيث حظيت هذه المادة أيضًا بانتقادٍ واسعٍ من طرف النواب والذين طالبوا برفع القيود عنهم.

وبخصوص العمل التشريعي ضبط المشروع كيفية دراسة المشاريع والقوانين والمصادقة عليها حسب إجراء الاستعجال الذي يمكن للحكومة أن تطلبه في حال الضرورة حيث تنص المادة 19 وفق المادة من الدستور: "يمكن للحكومة أن تطلب من غرفتي البرلمان المصادقة على مشاريع القوانين حسب إجراء الاستعجال،وتحظى مناقشة المشاريع حسب الأولوية"، حيث كانت هذه النقطة محلّ تمحيص من طرف أعضاء لجنة الشؤون القانونية، الذين يرفضون تمرير عدد كبير من القوانين بصفة استعجالية، وإسقاط حقوق النائب في المناقشة والتعديل والإضافة والحذف.

المعارضة تطالب بتوسيع المشاورات

وفي السياق، يرى رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم أحمد صادوق في إفادة لـ "الترا جزائر" أن المشروع الجديد المتواجد على طاولة البرلمان لم يخلو من النقائص، حيث كان مقتضبًا وتضمن 17 مادة فقط، بدل إقراره تعديلات شاملة، ولم يأخذ بعين الاعتبار ما ورد بنص المادة 116 من الدستور والتي تعتبر مفصلية، بحكم أنها تتحدث عن حقوق المعارضة البرلمانية التي كفلها الدستور.

وطالب صادوق بضرورة توسيع المناقشات حول المشروع مع إشراك عدد من الخبراء والمختصين، وتشكيل لجنة مشتركة مع الحكومة لمراجعة القانون بناءا على الملاحظات والمقترحات المقدمة.

ودعا المتحدث إلى ضبط مسألة الاستعجال في مناقشة مشاريع القوانين وربطها بالقضايا ذات الأهمية على غرار الكوارث والحروب، وكذلك بالنسبة للمادة القانونية التي تلزم النائب بعدم نشر وتسريب الوثائق السرية.

ويعلق صادوق على هذه المسألة بالقول إن البرلماني ليس أمام ملفات سرية يمكن إطلاع الرأي العام عليها، بل نتائج سياسة معينة،  يجب ألا يتم حجبها بحجة السرية.

الموالاة ترفض سحب المشروع

في مقابل ذلك، ترفض الموالاة سحب المشروع من البرلمان وإعادته للحكومة للتصحيح والتنقيح، ويتساءل رئيس المجموعة البرلمانية لجبهة المستقبل فاتح بوطبيق في إفادة لـ"الترا جزائر" عن الآثار التي ستنجر عن سحب المشروع أو رفضه من قبل النواب.

ويؤكد بوطبيق: "سحب المشروع من قبل الحكومة أو رفضه من قبل النواب يعني خروج النسخة من رزنامة هذه الدورة وتأجيلها إلى الدورة المقبلة، في حين ستكون السنة المقبلة مكتظة بالأحداث السياسية، مع اقتراب الرئاسيات وسيكون النواب أمام المرحلة الأخيرة من الدورة التشريعية وهو ما سيصعب مراجعة النظام الداخلي والقانون الناظم للعلاقة بين البرلمان والحكومة".

ويشدد المتحدث على أنه أُثير نقاشٌ كبيرٌ حول هذه الوثيقة من قبل رؤساء الكتل البرلمانية واللجنة القانونية، فبعض نواب رفضوا بنود القانون بسبب عدم وضوحها، وهو ما يمكن معالجته في إطار النظام الداخلي، إذ أن هذا الأخير يمكن أن يرقى إلى قانون عضوي لما يكتسيه من أهمية.

كما أثير النقاش أيضًا _ يقول بوطبيق _ حول بعض النقاط الغامضة، منها تسريب الوثائق السرّية، والإطلاع على المعلومات الحساسة والمعطيات الاقتصادية، وهنا يمكن القول إن المسألة تحتمل عدة رؤى، فمن جهة لا يمكن تقييد دور النائب ومن جهة أخرى، حساسية بعض الملفات التي تندرج في إطار المحافظة على أمن الدولة تفرض عدم الكشف عن سريتها، وختم حديثه بالقول: "نحن في جبهة المستقبل نختار الحلول الوسطى، وهي تكريس حرية النائب ، مع احترام خصوصيات الدولة".

منتخبو الشعب يرون أن دورهم الرقابي يفرض الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في مجال المالية والاقتصاد بالدرجة الأول

وبين الموالاة والمعارضة، أنهت اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني دراسة مشروع القانون الناظم للعلاقات بين الحكومة والبرلمان بتاريخ 8 شباط/ فيفري، عبر إتفاق حذر بين المجموعات النيابية للموالاة لبرمجة المشروع للمناقشة خلال الأيام القليلة القادمة، رغم كل الضغوط التي تمارس لتأجيله، ولا تزال مستمرة إلى اليوم.