15-أكتوبر-2019

إحدى القواعد البترولية بحاسي مسعود/ ورقلة (Getty)

أثار قانون المحروقات الجديد، المُصادق عليه من طرف مجلس الوزراء، يوم الأحد الماضي 13 تشرين/ أكتوبر الجاري، جدلًا واسعًا في الوسط السياسي وعلى منصّات التواصل الاجتماعي؛ حيث نظم مئات المواطنين، وقفةً احتجاجيةً بالقرب من مقرّ المجلس الشعبي الوطني، للتعبير عن رفضهم لمشروع قانون المحروقات. جاء هذا الرفض في سياق سياسيٍ متوتّرٍ تشهده البلد، منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 شباط/ فيفري الماضي.

 تُحاول السلطة السياسية، تمرير مشروع تعديل قانون المحروقات الذي صيغ سنة 2005

في مقابل ذلك، تُحاول السلطة السياسية، تمرير مشروع تعديل قانون المحروقات الذي صيغ سنة 2005، وسط تكهّنات بارتفاع الاستهلاك المحلّي بنحو 7 في المائة، بسبب تزايد عدد السكان وقلّة الفعالية الطاقوية، إضافة إلى تراجع إنتاج البترول والغاز بنحو 10 في المائة مقارنة بسنوات مضت، ومخاوف من عجز الدولة الجزائرية الوفاء بالتزاماتها مع زبائنها الدوليين، إضافة إلى تراجع الاحتياط الطاقوي إلى حدود 60 في المائة، وزيادة استهلاك الكهرباء بنسبة 12 في المائة، حيث تُشير توقّعات خبراء، أنّ الجزائر ستتحوّل في آفاق 2030، من دولة مصدّرة إلى دولة مستوردة للغاز.

اقرأ/ي أيضًا: الاتحاد الأوروبي أول زبون للجزائر والصين تحتل المرتبة الأولى كممون

في هذا السياق، أكّد مدير المحروقات بوزارة الطاقة، مصطفى حنيفي، في ندوة صحافية، أنّ المشروع الجديد لقانون المحروقات هو تصحيح للقوانين الماضية، التي لم تعد تُعطي ثمارها، ولا تخدم سياسية استغلال المحروقات في الجزائر، ولا تجذب الشركاء الأجانب.

 يستدلّ المتحدّث، أن شركة سوناطراك، وعبر الوكالة الوطنية للمحروقات، واعتمادًا على قانون 2005، شهدت عزوف وعدم اهتمام الشركات البترولية بالمشاركة في المناقصات الدولية، حيث تمّ إبرام 4 عقود ضمن 31 مناقصة دولية سنة 2014، إضافة إلى وجود 67 حقل استغلال، لم يسجّل إلا 19 مشاركة، و13 عقد اكتشاف واستغلال.

يكشف مدير المحروقات، عن وجود 150 كتلة استكشاف بترولي غير مستغلّة؛ بسبب نقص الوسائل والإمكانيات، علمًا أن مساحة الثروة المنجمية في الجزائر، تبلغ حوالي 1.5 مليون كلم مربّع، نسبة استغلالها لا يبلغ إلا 40 في المائة.

في هذا السياق، يهدف مشروع قانون المحروقات، بحسب وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، إلى تبسيط من الإجراءات الجبائية الثقيلة والمعقّدة، وفتح المجال أمام المؤسّسات البترولية، للمشاركة في تطوير قدرات المؤسّسة الجزائرية.

عقد الامتياز، النقطة السوداء

بخصوص الانتقادات التي مسّت إدراج "عقد الامتياز" لفترات متوسّطة، وطويلة، أكد بعض الخبراء، أن هذا البند، كفيل بتحقيق مردودية على مدى المتوسط والبعيد في حالة الاستثمار، علمًا أن تكاليف الدراسة والاستكشاف تكلّف أموالًا باهظة، وتقع على عائق المؤسّسات الأجنبية، كما أن سوناطراك لا تمتلك الموارد المالية، ولا التكنولوجية الحديثة لاكتشاف واستغلال الحقول الطاقوية لوحدها.

 ويُشير هؤلاء الخبراء، أن البُند لا يمسّ بالسيادة الوطنية، حيث أن المشرّع الجزائري أبقى على قاعدة 51/ 49 في المجال البترولي، والتي تمنح الشركة الوطنية سوناطراك، أغلبية الحصّص، وكذلك حقّ الشفعة الذي يُعطي الأولوية للدولة الجزائرية في امتلاك أصول الشركات البترولية عند البيع أو التنازل، إضافة إلى احتكار شركة سوناطراك لنشاط التوزيع، عبر أنابيب الشركة الوطنية.

وتُواجه الجزائر تحديًا حقيقيًا منذ سنوات، بالنظر إلى تردّد الشركات الدولية في الاستثمار في الجزائر، والمساهمة في مشاريع الاستكشاف، والانخراط في السياسة الجديدة الرامية إلى تثمين الاحتياطي من النفط والغاز في البلاد، وقد كشفت المناقصات التي نُظمت في سابق، عدم اهتمام  الشركات الدولية بها، بدليل أن المناقصة الدولية الأولى التي أطلقت في سنة 2008، لم تسجّل سوى منح أربع ترخيصات استكشاف، بينما مُنحت في المناقصة الثانية التي أطلقت في سنة 2009  ثلاثة رخص، مقابل رخصتين في المناقصة الدولية الثالثة، أمّا المناقصة الرابعة فقد مُنحت فيها أربعه رخص، منها رخصتان لمجمع "إينيل" الإيطالي، و"راغون أويل" الإماراتي.

قانون سياسي أم تقني؟

وعلى نقيض مبرّرات الحكومة، جاءت تحفّظات الأحزاب السياسية، وفعاليات المجتمع المدني، على قانون المحروقات، بناءً على موقف سياسي تجاه الحكومة الحالية المرفوضة شعبيًا، وعلى مسافة شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية.

 هنا، يُشير أستاذ علوم السياسية، عادل أورابح في حديثه إلى "التر جزائر" أنه من الناحية التقنية، كان تقديم تحفيزات ضريبية للشركات البترولية في قانون المحروقات أمرًا متوقّعًا، لأنّه منذ سنة 2012، كانت معظم المناقصات الدولية الكبرى للتنقيب عن المحروقات التي أطلقتها "ALNAFT"، وهي الوكالة المشرفة على هذا الجانب داخل سوناطراك، بدون جدوى بسبب عزوف الشركات النفطية الكبرى.

يُضيف المتحدّث، أنّه نظرًا إلى الموقع الهامشي للجزائر في سوق الطاقة العالمي، فهي مجبرة على تلقّي الرسالة بتقديم تنازلات وتكييف قوانينها لجذب استثمارات نفطية، لا تقوى شركة سوناطراك ماليًا وتكنولوجيًا على تنفيذها لوحدها. مستدركًا، أنّ المشكل الرئيسي في مشروع القانون قيد المناقشة، ليس في جانبه التقني الذي يحتاج إلى نقاش جاد وهادىء، وإنّما في توقيته الحالي، متسائلًا كيف يُمكن لحكومة تصريف أعمال، وبرلمان غير شرعيين، أن يمرّرا قانونًا استراتيجيًا قبل شهرين من انتخابات رئاسية، تصفها السلطة بالمصيرية؟، معتبرًا أن القانون الجديد هو مجرّد رشوة سياسية للقوى الغربية الكبرى، مقابل مساندتها لورقة طريق السلطة أو على الأقل ضمان صمتها.

في السياق نفسه، كتب المحلّل السياسي محمد هناد، تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك : "ليس من صلاحية حكومة تصريف أعمال، وضع قانون يخصّ ثروة وطنية لا تزال تشكّل مصدر قوت للجزائريين".

وأردف قائلًا "من الواضح أن هذه السلطة ماضية في سياسة الأمر الواقع، غير مبالية بما قد ينجرُّ عن ذلك من انفلات للوضع الأمني. ما لحظته في مظاهرة اليوم لا يبشّر بالخير، لاسيما وأن المتظاهرين كانوا مدركين أن السلطة إنّما تريد من خلال مشروع القانون المذكور، شراء سكوت القوى العظمى كي تضمّن بقاءها، فاعلة بنا ما تشاء".

ملفّ استراتيجي؟

وفي سياق مرتبط، جاءت ردود الفعل الطبقة السياسية متطابقة في  كثير من النقاط، حيث أكدّ علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحريّات رفضه لفكرة تمرير مشروع قانون المحروقات في الظروف الحالية، وكتب في منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك "إنّ موقفي من موضوع وملفّ المحروقات ليس ظرفيًا ولا مناسباتيًا، بل هو ثابت وهو سبب خلافي الرئيسي مع السيد بوتفليقة في عهدته الأولى سنة 2003.

وتابع بن فليس قائلًا "لا أتصوّر إطلاقًا أن ملفّ المحروقات يُفتح بدون حوار شامل واستشارات واسعة مع كل الفعاليات المكوّنة للشعب الجزائري لأنّه ملف استراتيجي ومصيري بالنسبة للشعب و للبلد".

ويبرّر المتحدّث موقفه "لا يُعقل في هذا الظرف الخاصّ والذي يتميّز بعدم شرعية المؤسّسات، وبالخصوص الحكومة والبرلمان أن يتصرّف في مصير خيرات الجزائر".

وألح الراغب في الترشّح لرئاسيات 12 كانون الأول/ ديسمبر إلى التعقل والإصغاء للشعب موضحًا "الحكمة والعقل والتبصر و سداد الرأي و الاستماع لإرادة الشعب يملون على الجميع إرجاء البتّ في هذا الملفّ المصيري، إلى غاية تنصيب مؤسّسات تتمتّع بالشرعية ولها القدرة على فتح حوار جاد ومعمّق، حول هذا الموضوع المصيري بالنسبة للأمّة".

من جهته، أكد حزب "من أجل الثقافة والديمقراطية" في بيان له، أنّه وحدها سلطة قوية ذات شرعية شعبية، قادرة على مراجعة تسيير قطاع الطاقة، مؤكدًا أن مشروع قانون المحروقات لابدّ من أن ينبثق من قبل سلطة سياسية جديدة، تكرّس القطيعة مع النظام الحالي. ودعا الحزب، إلى سحب هذا المشروع الذي خرج من مخابر الشركات المتعدّدة الجنسيات، بحسب البيان.

دعت المجموعة البرلمانية للنوّاب الأحرار إلى تأجيل مشروع قانون المحروقات بسبب الأوضاع الراهنة

من جهتها، دعت المجموعة البرلمانية للنوّاب الأحرار بالمجلس الشعبي الوطني، الحكومة لإرجاء إحالة مشروع قانون المحروقات، إلى البرلمان وتأجيله. وقالت المجموعة البرلمانية للنوّاب الأحرار، في بيان لها، إنّه نظرًا للتطوّرات السياسية والاقتصادية في البلاد، وبسبب الاحتجاجات المسجّلة اليوم، فإنها تدعو لتأجيل عرض مشروع القانون على البرلمان.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الجزائر تسعى لجذب الاستثمارات.. هل آن الأوان للخروج من اقتصاد النفط؟

إلغاء قاعدة (49-51).. انفتاح اقتصادي أم مقايضة سياسية؟