31-يناير-2023
مبادلات العملة في سوق السكوار بالعاصمة (فيسبوك/الترا جزائر)

مبادلات العملة في سوق السكوار بالعاصمة (فيسبوك/الترا جزائر)

ينتظر جزائريون من مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد، الموجود على طاولة البرلمان، الترخيص لمكاتب صرف العملة الصعبة، واستحداث الدينار الرقمي الذي سيسهل المبادلات والتعاملات المالية بعيدًا عن كيس النقود أو حزمة الأموال والوسائل التقليدية في التعاملات التجارية.

يتساءل متابعون عن تفاصيل استخدام الدينار الرقمي الجزائري وإن كان سيحظى بثقة الجزائريين؟

كما أن التشريع الجديد يستحدث لأول مرّة بنوك استثمار وأخرى رقمية ويعتمد بنوكًا إسلامية، ويفتح المجال أمام مهنٍ جديدةٍ، لم تكن مرخّصة من قبل على غرار مزودي خدمات الدفع ووسطاء البنوك، ويشجع التعاملات الرقمية ويكرس وسائل الدفع الكتابية، وهي كلها إجراءات تصب في إتجاه استرجاع الأموال النائمة في السوق السوداء، التي سبق وأن قدرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بـ 90 مليار دولار، وقال إنها "قد تفوق هذا المبلغ أو تقل عنه قليلا".

وكانت الحكومة قد بادرت بعدة محاولات لاسترجاع أموال السوق السوداء خلال السنوات الماضية، إلا أن جميع هذه المساعي باءت بالفشل، حيث شهدت كتلة هذه الأموال نموًا متزايدًا لترتفع من 50 مليار دولار سنة 2014، وفق ما قدره الخبراء وقتها، إلى 90 مليار دولار نهاية سنة 2022 أو أكثر.

ومن بين أهم القرارات التي اتخذت في حقبة النظام السابق، ولم تنجح في استقطاب أموال السوق الموازية،  إلزامية الفوترة في التعاملات التجارية، وهو القرار الذي لم يطبق بحزم، وكذا إلزامية الصك للتعاملات التي تفوق قيمتها (1 مليون دينار/ 7347 دولار)، وبالنسبة للعقارات (4 مليون دينار / 29 ألف و388 دولار)، ناهيك عن القرض السندي سنة 2016، والمصالحة الجبائية في نفس العام، وإسقاط سؤال "من أين لك هذا؟" على مستوى البنوك، ورغم ذلك ما فتئت أموال الاقتصاد التحتي تتنامى.

هل سينجح القانون النقدي والمصرفي الجديد في احتواء "الأموال التحتية" التي برزت في السوق الجزائرية كظاهرة جديدة، سنوات التسعينيات، نتيجة الأزمة الأمنية وقتها، لتتوسع رقعتها لأبعاد خطيرة في العقود الأخيرة؟

5 خطوات في القانون الجديد

ويتضمّن مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد خمسة خطوات لاسترجاع أموال السوق الموازية، يقول هشام صفر، عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، في تصريح لـ "الترا الجزائر"، وهي إجراءات يمكن الإطلاع عليها بمجرد قراءة عرض أسباب المشروع الذي جاء في 61 صفحة، منها استحداث الدينار الرقمي الجزائري، واعتباره عملة وطنية قابلة للتداول، ومسيرة حصريًا من قبل مصالح بنك الجزائر.

أما الإجراء الثاني فيتعلّق بفتح بنوك حصرية للصيرفة الإسلامية وأخرى رقمية وللاستثمار، إذ يعتقد المشرع الجزائري، يضيف صفر ، أحد أهم أسباب عزوف الجزائريين عن البنوك هو رفضهم للتعاملات الربوية التي كانت ولا تزال الحاجز الأول في وجه المدخرين، الذين يشتبهون حتى في الشبابيك المخصصة للصيرفة الإسلامية ويبحثون عن بنوك حصرية لهذه الخدمات.

الإجراء الثالث يتعلق بتشجيع التعاملات الرقمية عبر البنوك الرقمية والدفع الإلكتروني، وهو قرار يقلص من التعاملات النقدية وبالتالي يكرّس استرجاع أموال السوق الموازية، ناهيك عن إلزامية وسائل الدفع الكتابية كإجراء رابع، وتهدف السلطات من خلال ذلك إلى تحقيق الشمول المالي وتقليص التعاملات النقدية لأقصى درجة ممكنة.

أما الإجراء الخامس فيتعلق بفتح مكاتب صرف، وهو القرار الهام الذي من شأنه استرجاع كتلة هامة من الأموال المتداولة في الأسواق الموازية للعملة الصعبة على رأسها سوق "السكوار" المتواجد على مستوى ساحة بور سعيد بالعاصمة، والنقاط الأخرى المنتشرة بسطيف وعنابة ووهران وورقلة وولايات أخرى، مع العلم أن هذه الأسواق تضم مبالغ مهولة بمختلف العملات.

هل سيثق الجزائريون في الدينار الرقمي؟

وإذا كانت جل الإجراءات السابقة الذكر، قد مرت على أذهان الجزائريين عبر وعود وتصريحات للمسؤولين على غرار فتح مكاتب صرف العملة الصعبة، أو حتى من خلال محاولات باءت بالفشل في حقبة النظام السابق مثل إلزامية الصك أو الوسائل الكتابية للدفع، والتي لم يتم تطبيقها بحزم، ولقيت نفورًا من قبل المواطنين، إلا أن التجربة التي سيتم اعتمادها لأول مرة هي "الدينار الرقمي الجزائري"، وهو ما يدفع الكثيرون للتساؤل اليوم كيف سيسير هذا الدينار وهل سيحظى بثقة الجزائريين؟

وفي السياق يقول رئيس التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات بشير تاج الدين في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن الدينار الرقمي الجزائري هو خطوة ثانية لتعميم بطاقات الدفع "البين -بنكية"، والعمليات الرقمية للسداد التي يتعامل بها الجزائريون منذ سنة 2016، حيث أن نجاح هذه الأخيرة وزيادة إقبال المواطنين عليها، دفع بالسلطات اليوم إلى التفكير في الدينار الرقمي.

ويتم التعامل بهذا الأخير عبر منصة رقمية خاصّة، وحساب لكل متعامل بهذا الدينار عبر الإنترنت متاح من خلال الهاتف ويكون موصولًا بحسابه البنكي والبريدي، إذ أن مثل هذه الخطوة ستلعب دورًا كبيرًا في استقطاب أموال السوق السوداء، خاصّة وأن كثيرًا من الجزائريين سيبحثون عن السهولة في التعاملات النقدية والمرونة بعيدًا عن أية إجراءات بيروقراطية متعبة، أو طرق بدائية كحمل حزمة من الأوراق المالية أو كيس من النقود  لاقتناء شيء بسيط، فمستقبلًا، سيكتفي الزبون ببعث رسالة قصيرة عبر الهاتف أو نقرة في اللإنترنت لتتم عملية البيع والشراء وتحويل الأموال بسهولة وأمان وبعيدًا عن أي مخاطر.

حلول أخرى

أما الخبير في مجال الحوكمة الاقتصادية عبد الرحمن هادف فيؤكد في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الاجراءات المنتهجة اليوم لاستقطاب أموال السوق السوداء تحمل جدوى اقتصادية كبيرة، إلا أن السلطات مطالبة أيضًا بمراعات عناصر أخرى، على غرار مراجعة قانون الضرائب لتخفيف الحمل الجبائي على المواطن، وأيضًا تحسين نوعية وجودة الخدمات على مستوى البنوك والقضاء على البيروقراطية والمسارعة في تحويل مؤسسة بريد الجزائر إلى بنك، فكل هذه الإجراءات من شأنها وضع حد لنفور المواطن عن المؤسسات المالية والمصرفية، يجزم الخبير.

خبير اقتصادي: الحكومة مطالبة بمراجعة قانون الضرائب لتخفيف الحمل الجبائي على المواطن

ختامًا، يُجمع خبراء على جودة ما جاء به مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد،رغم بضعة نقاط ظل، يؤكدون أنها ستطرح للنقاش خلال عرضه بالبرلمان على غرار تفاصيل الدينار الرقمي ومكاتب الصرف وغياب نصوص تتحدث عن الصكوك الإسلامية.