أفرجت الحكومة أخيرًا عن قانون جديد ينظم عمل المؤسّسات التربوية الخاصّة بأطوارها الثلاثة، في محاولة لإنهاء الفوضى التي تطبع هذا النشاط، والذي انكشفت بعض عيوبه خلال أزمة وباء كورنا، بعدما حاولت بعض المدارس الخاصة إلزام التلاميذ بدفع مستحقات الفصل الثالث رغم إنهاء الموسم الدراسي في الفصل الثاني من قبل الوزارة.
يأمل مهتمون بالشأن التربوي أن يساهم القانون في تصحيح الأخطاء الجمّة التي تحدث بالمدارس الخاصّة
وبصدور هذا القانون، يأمل مهتمون بالشأن التربوي أن يساهم في تصحيح الأخطاء الجمّة التي تحدث بالمدارس الخاصّة، وبالخصوص ما تعلق بمستوى التعليم والنتائج المضخمة التي تمنح للتلاميذ، والتي سرعان ما تنكشف في الامتحانات الرسمية، التي تضع نتائج المدارس الخاصة في المراتب الأخيرة بنسب نجاح متدنية.
اقرأ/ي أيضًا: التعليم في الجزائر.. "تضحيات" الآباء شهاداتٌ يحصدها الأبناء
قانون لصالح التلميذ
وتضمّن العقد النموذجي الموقَّع بين وزارتي التربية والتجارة، جملة من الشروط المحددة لكيفيات تمدرس التلاميذ في المؤسّسات التربوية الخاصّة، والتي جاءت في 25 مادة تبيّن حقوق وواجبات كل طرف.
ويضع العقد الجديد حدًا لتغوّل بعض المدارس الخاصّة وخرقها للغة التعليم، فقد ألزمت المادة الخامسة هذه المدارس بـ "التعليم باللغة العربية في جميع المستويات التعليمية، وتطبيق البرامج التعليمية الرسمية لوزارة التربية الوطنية، واحترام الحجم الساعي، والتقيد بنفس شروط توظيف المستخدمين التربويين والإداريين المعمول بها".
ونصّت المادة السابعة على ضمان حق تمدرس التلميذ إلى غاية سن 16 سنة كاملة، واحترام شرط السن القانونية للالتحاق بالسنة الأولى ابتدائي والتربية التحضيرية، وضمان حق أولياء التلاميذ في استلام كل الوثائق الخاصّة بتمدرس أبنائهم، وإلزامية تسجيل التلميذ على الأرضية الرقمية لوزارة التربية الوطنية، واكتتاب عقد تأمين للتلاميذ.
وجاء في المادة الثامنة على أنه "يتم تعليم التلاميذ على مستوى المؤسسة الخاصة أساسًا حضوريًا وفي حال حدوث طارئ تضمن المؤسسة الخاصة استمرارية التعليم عن بعد وعند استحالة تطبيق نظام التعليم عن بعد، تلتزم المؤسسة الخاصة بإرجاع مستحقات التمدرس".
ومن شأن هذه المادة معالجة المسؤولية التي تهربت منها عديد المؤسسات التربوية الخاصة بعد جائحة كورنا عقب تنصلها من تقديم دورس خاصّة للتلاميذ.
كما تناولت المادة 12 هي الأخرى ملف المستحقات الذي كان محل خلاف بين الأولياء وبعض المدارس الخاّصة عقب جائحة كورنا، فقد بينت أنه "يلتزم ولي التأمين بدفع مستحقات التمدرس بعنوان السنة الدراسية، حيث تحدد هذه المستحقات لكل مرحلة ومستوى تعليمي بأقساط على شكل دفعات لثلاثة أشهر مجزأة شهريًا وباحتساب كل الرسوم".
نتائج هزيلة
لا يعلق عضو لجنة التربية والتعليم العالي بالمجلس الشعبي الوطني الشعبي مسعود عمراوي، في حديثه مع "الترا جزائر" آمالًا كبيرة على الإجراءات الجديدة التي وضعتها وزارتا التربية والتجارة لتنظيم عمل المدارس الخاصّة.
وأشار عمراوي إلى أن المدارس الخاصّة في الجزائر على خلاف باقي دول العالم، لا تساهم في تحسين مستوى التعليم، بالنظر إلى أن هدف أغلبها تجاري بحت، وهو ما تعكسه النتائج الهزيلة التي تتحصل عليها في الامتحانات الرسمية كل عام، والتي تظلّ دون نتائج المؤسسات التربوية العمومية.
وأرجع عمراوي ذلك إلى عدم التزام المدارس الخاصّة بالبرنامج التعليمي الذي تضعه وزارة التربية، فعديد هذه المدارس خاصة بالجزائر العاصمة تطبق البرنامج الفرنسي دون رقابة من وزارة التربية، التي اتهم بعض مفتشيها بالتواطؤ مع مسؤولي المؤسسات التربوية الخاصّة بعدم التبليغ عن هذه التجاوزات. "وكثيرًا ما تتحدث مصادر تربوية متطابقة، عن وجود هذا الوضع المتعلق بتطبيق برامج فرنسية في المدارس الخاصّة في منطقة القبائل والمدن الكبرى".
وحسب عمرواي، فإن النتائج الهزيلة بالمدارس الخاصة تعود أيضًا إلى الطاقم البيداغوجي العامل بها، والذي يتكون في الغالب أساتذة حديثي التخرج يفتقدون للخبرة أو أساتذة متقاعدون أصبحوا غير قادرين على تقديم الإضافة، مرجعًا ذلك إلى أن المدارس الخاصّة لا تستقطب الطاقم التربوي الكفء بالنظر إلى تدني الرواتب عندها في صورة مختلفة كليًا عما يحدث في باقي دول العالم.
مسؤولية الأولياء
برأي البرلماني مسعود عمراوي، فإن الأولياء يتحملون هم أيضًا جانبًا من المسؤولية، إذ غالبا ما يتغاضون عن هذه التجاوزات، خاصة ما يسميه بـ"ثنائي التوظيف" أي الزوجين العاملين الذين يرون في المدارس الخاصّة، حلًا لإيجاد مكان لبقاء أبنائهم طيلة ساعات عملهما.
وتستثمر المؤسسات التربوية الخاصة في هذا الجانب، إذ توفر للتلاميذ البقاء بها حتى في أوقات الفراغ بتقديم نشاطات إضافية، على عكس المدارس العمومية التي لا تتحمل مسؤولية التلاميذ خارج ساعات دراستهم.
ويرفض رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، علي بن زينة، في حديثه مع" الترا جزائر" اتهام الأولياء بالمساهمة في تدني مستوى التعليم بالمدارس الخاصّة، مبينًا أن صعوبات الحياة الاجتماعية في الجزائر، تجبر الأولياء الموظفين على إرسال أبنائهم للتعلم في المدارس الخاصة بدل المؤسسات التعليمية العمومية، لأنه لا أحد يدفع ملايين السنتيمات من أجل أبنائه دون الحصول على النتائج المرجوة.
وأضاف" الزوجان العاملان مخيران بين إرسال أطفالهما إلى مدارس خاصّة أو السماح بذهابهم إلى الشارع، والتعرّض لمختلف المخاطر بعد خروجهم من المدرسة، والجميع يميلون للخيار الأول رغم العيوب التي لا زالت موجودة بظروف التعليم في المؤسسات التربوية الخاصة".
علي بن زينة: الزوجان العاملان مخيران بين إرسال أطفالهما إلى مدارس خاصّة أو السماح بذهابهم إلى الشارع
وقبل أيام معدودات من البداية الفعلية للموسم الدراسي الجديد، تأمل منظمة أولياء التلاميذ أن تحمل النصوص القانونية الجديدة بادرة تحسين في مستوى التعليم بالمدارس الخاصة، والذي لن يكون إلا بإعطاء الحكومة أهمية لهذا الملف الذي قد يكون عاملًا مساعدًا في التخفيف من الاكتظاظ المسجل بالمدرسة العمومية.
اقرأ/ي أيضًا: