17-مايو-2022

(جويل روبين/أ.ف.ب)

تخطط الحكومة الجزائرية لإنشاء مناطق حرة جديدة لاستقطاب شركات ومستثمرين أجانب وتصدير المنتجات نحو الدول الأفريقيةوالعربية،ويستعد البرلمان الجزائري لإصدار قانون خاص بهذه المناطق يشمل مزايا للمستثمرين تضم اعفاءات من الرسوم الجمركية والضريبية ويسمح لهم بتحويل العملة الصعبة بدون عراقيل.

 جاء إحياء مشاريع إقامة مناطق حرة في الجزائر بعد حوالي ربع قرن من محاولة فاشلة في سنة 1997 

وقالت الحكومة الجزائرية في ترويجها للتشريع الجديد، إنه يهدف إلى تحفيز الإنتاج الوطني وترقية الصادرات مع خفض فاتورة الواردات، وتحسبًا لدخول الاستراتيجية الوطنية للتصدير حيز التنفيذ؛ ذ أعلن وزير التجارة وترقية الصادرات الجزائري كمال رزيق خلال تقديمه للمشروع امام اللجنة البرلمانية المختصة (لجنة الشؤون الاقتصادية )في التاسع أيار/ماي الجاري أن التوجه الجديد للحكومة بتطبيق سياسة المناطق الحرة يتزامن مع دخول الاستراتيجية الوطنية للتصدير حيز التنفيذ قريبًا.

وتبعًا للمصادقة على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي وقعت عليها الجزائر في آذار/مارس 2018، يعد الانضمام إلى هذه الاتفاقية فرصة كبيرة لتطوير الاقتصاد الجزائري". حسب قول الوزير رزيق. بدوره صرح وزير المالية عبد الرحمن رواية أمام اللجنة ذاتها أن التشريع الجديد "كُيّف لاستقطاب المؤسسات الناشئة والشركات الأجنبية المخصص إنتاجها أساسًا للتصدير".

و يتشكل الإطار القانوني الجديد المنظم للمناطق الحرة من 19 مادةٍ موزعةً على أربعة فصول؛ تتضمن القواعد المتعارف عليها في إنشاء وتسيير وعمل هذه المناطق عبر العالم المبادلات في هذه المناطق بعملات أجنبية قابلة للتحويل، واشتراط احترام قانون صرف العملات الأجنبية.

ويعوض التشريع الجديد نصوصًا قانونية متفرقة تضمنها القانون رقم 79-07 المتضمن قانون الجمارك المعدّل والمتمم ،ثم قانون الاستثمار رقم 93/12 المؤرّخ في 05/10/1993 الذي خصص الفصل الثاني من الباب الثالث للمناطق الحرة والمرسوم التنفيذي رقم 94/320 بتاريخ 17/10/1994 المتعلق بالمناطق الحرة لضبط الشروط العامة لإقامة وتسيير المناطق الحرة، والذي عد في تلك الفترة ثورة في التشريعات الاقتصادية ووضع نهاية للاقتصاد الموجه الذي سارت عليه الجزائر بعد الاستقلال.

 تجاوز فشل  منطقة بلارة

 جاء إحياء مشاريع إقامة مناطق حرة في الجزائر بعد حوالي ربع قرن من محاولة فاشلة في سنة 1997 لإنشاء 16 منطقة حرة منها واحدة بمنطقة بلارة  بإقليم جيجل (400 كلم شرق الجزائر العاصمة)، والتي صنفت كمنطقة تصدير صناعية حرّة، ورغم الإغراءات التي مُنحت للمستثمرين الأجانب ومنها قرب المنطقة من الموانئ وأسعار الطاقة الرخيصة، لم تغامر أيا من الشركات الأجنبية بإطلاق مشاريعها في المنطقة كشركة الإمارات لصناعة الألمنيوم التي عزت رفضها، وفق ما صرح به وزير التجارة الأسبق الهامشي جعبوب(2005-2010) أمام البرلمان في سنة 2005 بـ"صغر المساحة التي خصصت لإنجاز المركب".

وبعد أن أبدت علامة "رونو" الفرنسية اهتمامها بإقامة مشروع لتركيب السيارات، اختارت في الأخير إقامة مصنعها بوهران غرب الجزائر لأن المنطقة توفر جو عمل أفضل مقارنة بالمنطقة الأولى، وقد كان عامل التوتر الأمني في المنطقة من الدوافع غير المعلنة لهروب المستمرين وفشل التجربة، زيادة على أسباب أخرى منها عدم الاستقرار التشريعي والقيود  المفروضة على تحويل الأرباح بالعملات الأجنبية.

وبحسب دراسة للباحثتين الجزائريتين آمال لوكال شهرزاد، ومجاني غنية بعنوان "المناطق الحرة في الجزائر على ضوء تجربة مصر والأردن" نشرت في المجلة الجزائرية للعلوم التجارية في 2017، يعود فشل تجربة بلارة إلى"عدم توفر المقومات لإنجاحها" ومنها "عدم الاختيار الصحيح و الموفق للموقع، وعدم تهيئة مناخ الاستثمار، وإغفال تقديم مزايا و تحفيزات مغرية، وعدم توفير الدعاية الكافية بالإضافة إلى قلة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال".

في مقابل ذلك، تجاهلت السلطات محاولات رجل الاعمال الجزائري يسعد ربراب، مؤسس ومالك مجمع سيفيتال، لإقامة مركب للفولاذ بمبلغ 3 ملايير دولار ويضم إنشاء رصيف لتصدير الإنتاج مع ضمانات بحماية البيئة، وأمام قلة الاهتمام الأجنبي بعروض الحكومة أعلنت في 2004 عن تجميد مرسوم إنشاء المنطقة الحرة، ثم عدلته لاحقًا بمرسوم يقضي بتحويل بلارة الى منطقة صناعية، احتضنت بعد عشر سنوات من ذلك مصنعًا للحديد المملوك لشركة "قطر ستيل إنترناشيونال"، ومجمع “سيدار” و للصندوق الوطني للإستثمار(حكومي). واتبعته الحكومة بإصدار قانون في حزيران/جوان 2005 لإلغاء الأمر رقم 03-02 المتعلق بالمناطق الحرّة، في وقت شهدت فيه بدأت فيها مداخيل البلاد المحروقات تتعافى والتوقيع في نفس العام على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي تخطط حاليًا لإعادة النظر فيه.

من جهته، برر مجلس الوزراء الجزائري في بيان له يوم 18 حزيران/جوان 2005 إصدار قرار الإلغاء قرار التخلي عن خطط انشاء مناطق حرة بالقول إنّ "عولمة الاقتصاد والمبادلات، بإسراعھا في التفكیك الضریبي لجعل شروط الدخول إلى الأسواق ھي نفسھا لكلّ المنتوجات وفي كلّ الدول جعلت المناطق الحرّة تفقد طابعھا الخصوصي المغري. ولھذا فان الإبقاء على الأمر المذكور سالفًا أصبح بدون فائدة ".

 و عبر برلمانيون خلال المناقشات التي نظمت في اللجنة الاقتصادية للمجلس الشعبي الوطني، عن مخاوف تكرّر الاخطاء نفسها التي أدت لفشل تجربة أول منطقة حرة في البلاد، وعُبّر عن هذه المخاوف بحضور وزير التجارة كمال رزيق حسب بيان للبرلمان الجزائري.

إشارات متناقضة

العودة إلى إنشاء مناطق حرة في الجزائر  تلقى تأييدًا  لدى خبراء اقتصاديين محليين، حيث ذكر رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان الجزائري إسماعيل قوادرية، أن القانون الجديد جاء في وقته،وذكر في تصريح لـ "الترا جزائر " أنها خطوة شجاعة من السلطات لأجل النهوض بالاقتصاد الجزائري والخروج من حالة الاعتماد المزمن على عائدات النفط والغاز وتعزيز الاندماج في الاقتصاد الدولي "، وتوقع أن تتوجه الجزائر نحو السوق الأفريقية،وأن تُمنح مناطق الحدود الجنوبية الأفضلية في احتضان المناطق الحرة المزمع إنشاؤها مباشرة بعد صدور القانون ونصوصه التشريعية".

و باشرت السلطات منذ سنوات في إنجاز طرقات نحو بدان الجوار خصوصًا مالي وموريتانيا تمتد لآلاف الكيلومترات ضمن رؤية تستهدف استعادة النفوذ الجزائر المتراجع في القارة.

من جهته، يرى الدكتور أحمد شريفي استاذ الاقتصاد بجامعة البليدة، أن استحداث إطار تشريعي مناطق حرة خطوة مهمة، داعيًا لخفض سقف التوقعات بخصوص استقطاب مستثمرين  أجانب أيًا كانت الإغراءات، و أوضح في حديث إلى"الترا جزائر"، "نشهد حاليًا عودة للسياسات الحمائية والنزاعات الاقتصادية والممارسات الانكماشية وإعادة توجيه الأموال نحو البلدان الأصلية، وإخراجها من البلدان النامية و الأسواق المالية الدولية، و الصناديق الاستثمارية تعيش حالة من عدم اليقين مما يقلّل من تدفق الاستثمارات نحو الأسواق الجديدة". وتحدث الدكتور شريفي عن معوقات تعرقل استقطاب استثمارات خارجية في الجزائر ومنها تقلب السياسات العمومية في مجال الاستيراد والتصديرو صدور قرارات تحد من استيراد البضائع ومنع تصدير أخر ، وهذا يناقض قواعد حرية التجارة التي تعتمد عليها المناطق الحرة، على حدّ قوله.

واستدرك قائلًا: "لاستقطاب الاستثمارات يجب بلوغ درجة من الانفتاح الاقتصادي والتنافسية والتحفيزات الضريبية التي تقدمها دول الجوار"، زيادة عن عوامل أخرى تضم الاستقرار التشريعي والسياسات العمومية في مجال الاستثمار إلى جانب عامل الاستقرار السياسي".

يحذّر مختصون من أن الاعتقالات التي طالت عشرات المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال لا تساعد على طمأنة المستثمرين

يحذّر مختصون من أن الاعتقالات التي طالت عشرات المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في السنوات الأخيرة والأحكام الثقيلة بالسجن، لا تساعد على طمأنينة المستثمرين الأجانب الراغبين في خوض التجربة الجزائرية.