بين الجزائر وتونس علاقات عميقة ومتشعّبة، عناوينها متعدّدة الأوجه، سياسية كانت أو اجتماعية واقتصادية وثقافية، إذ تربط بين أفراد الشعب الجزائري والتونسي، علاقات طبعتها كثير من الأحداث المفصلية تعود لفترة الثورة التحريرية، وهي تفسّر واقع البلدين اليوم حكومة وشعبًا، وكان من بين أهمّ الوجوه السياسية البارزة في العلاقات التونسية الجزائرية، الرئيس التونسي الراحل باجي قايد السبسي.
تمتدّ علاقات الرئيس التونسي الراحل محمد الباجي قايد السبسي مع الجزائر إلى خمسينيات القرن الماضي
علاقات متجذّرة
تاريخيًا، تمتدّ علاقات الرئيس التونسي الراحل محمد الباجي قايد السبسي مع الجزائر إلى خمسينيات القرن الماضي، وتعود هذه العلاقات تحديدًا إلى فترة الثورة التحريرية، حيث ساعد السبسي كوادر الحركة التحريرية بعد تولّيه وزارة الداخلية في الستينيات، وتدخّل في إعادة آلاف اللاجئين الجزائريين الذين كانوا يقيمون في تونس خلال فترة الاستعمار الفرنسي إلى بلادهم، ومكّنهم من حقوقهم.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون يتحدون الإرهاب في تونس
كانت تونس في الفترة الاستعمارية، معقلًا للثوّار الجزائريين، ومعبرًا استراتيجيًا للتزوّد بالإمدادات والأسلحة، ولذلك كان ردّ الاستعمار وحشيًا ضدّ القرى التونسية التي ساندت الثورة، فالتاريخ المشترك، يحتفظ بمجزرة ساقية سيدي يوسف التي اختلطت فيها الدماء الجزائرية والتونسية سنة 1958.
بعد الاستقلال، أشرف السبسي على تسوية ملف قائد أركان الجيش الجزائري سابقًا الطاهر الزبيري، الذي فرّ إلى تونس هاربًا من الموت، بعد فشل محاولته الانقلابية في العام 1967 ضدّ الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث استقبله السبسي وكان وزيرًا للداخلية حينها، وأرسله إلى سويسرا لتجنّب مطالبة نظام بومدين برأسه، وأرسل إلى الدولة الجزائرية خطابًا اعتبر فيه أن الزبيري لاجئ سياسي.
بعد عودته إلى الحكومة التونسية عام 2011، كانت الجزائر أوّل بلد يزوره، وحصل مستغلًا علاقته مع الرئيس بوتفليقة للحصول على دعم بـ 100 مليون دولار لتونس. زار الجزائر أكثر من مرّة بصفته رئيسًا للحكومة وتحت قبّعته الحزبية رئيسًا لـ حزب "نداء تونس"، ورئيسًا للجمهورية، كانت آخرها في ديسمبر/ كانون الأوّل سنة 2017، إذ كان يراهن كثيرًا على دور الجزائر في دعم تونس ومسارها الديمقراطي.
الجزائر أوّلًا
اللافت، أنه عقب الثورة التونسية، كانت الجزائر الوجهة الأولى للمسئولين التونسيين لتعزيز العلاقات بين البلدين في الفترة ما بين 2011 و2013، وهي الفترة الانتقالية لحكومات انتقالية في الجارة الشرقية.
لعبت الجزائر في سنة 2014، دورًا بارزًا في تأسيس التوافق بين السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، إذ راهنت الجزائر على الرصيد السياسي الذي يتمتّع به السبسي، لتكريس الاستقرار السياسي في تونس حيث كانت الجزائر معنية بهذا الاستقرار.
كانت الجزائر، أوّل بلد يزوره الرئيس الراحل السبسي في فيفري / شبّاط 2015، بصفته رئيسًا للجمهورية التونسية عقب الانتخابات الرئاسية التعدّدية الأولى من نوعها في تاريخ تونس في ديسمبر/ كانون الأوّل 2014، وهي الزيارة التي استمرّت ليومين.
من جهتها، عبرت الجزائر عن وقوفها الدائم إلى جانب" شقيقتها الشرقية تونس في مواجهة كل التحدّيات المشتركة وحرصها على تعميق أواصر الأخوة والتضامن بين البلدين". كما ارتكزت الجزائر في علاقاتها مع تونس على "الارتقاء بتعاونهما إلى مستويات أعلى من الشراكة والتكامل تحقيقًا لطموحات الشعبين".
مع بداية الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر اليوم، انتصر الباجي قايد السبسي للمسيرات الشعبية، وبدا متفائلًا من التحوّلات التي تشهدها جارته الغربية، وقال مجيبًا محاوره في مطلع أفريل/ نيسان الماضي، أنّه "لاخوف على الجزائر، فشعبها على قدر كبير من الوعي، وهو مدرك تمامًا لمخاطر الخلافات”، يأتي هذا في وقت وقف فيه الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون ضدّ الإرادة الشعبية، ومساندته للرئيس السابق بوتفليقة.
مصالح مشتركة
صادق البرلمان الجزائري في جانفي 2013 على مشروع قانون يتضمّن ترسيم الحدود بين الجزائر وتونس، يضمّ الموافقة على اتفاقية الحدود البحرية بين الجزائر وتونس، تشمل"تسع مواد تهدف في مجملها إلى الضبط النهائي للحدود البحرية بين البلدين، من خلال ممارسة كل طرف في مجاله البحري، سيادته أو حقوقه السيادية أو ولايته القانونية".
وبحسب التقرير التمهيدي لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية، تنصّ الاتفاقية "على تبادل المعلومات في حال التنقيب لاستكشاف أو استغلال الموارد الطبيعية على مقربة من خط الحدود البحرية، وفي حال استغلال هذه الموارد كليًا أو جزئيًا انطلاقًا من الجانب الآخر لخط الحدود، يضبط الطرفان باتفاق مشترك الترتيبات المتعلقة بهذا الاستغلال".
كما تنصّ هذه الاتفاقية على "تسوية كل خلاف ينشأ بين الطرفين بخصوص تفسيرها أو تطبيقها عن طريق المفاوضات، وإن تعذّر ذلك يتمّ اللجوء إلى أيّة طريقة سلمية أخرى يقبلها الطرفان وفق القانون الدولي".
الحزن تونسي وجزائري
اجتماعيًا، يُضاف إلى الامتداد الجغرافي والثقافي واللغوي الذي يجمع البلدين، علاقات عائلية تجمع بين الشعبين التونسي والجزائري، وهو ما يخلق اليوم هذا التعاطف الشعبي مع المحنة التي تعرفها تونس، إذ شارك السياح الموجودون على الأراضي التونسية والمقدّرين بأزيد من 200 ألف جزائري، التونسيين في محنتهم وتعاطفوا معهم إثر رحيل رئيسهم.
تجاوز عدد السيّاح الجزائريين في تونس سنة 2015 مليوني سائح لإنقاذ موسمها السياحي بعد الهجمات الإرهابية
مشاهد التضامن بين الشعبين، تكرّرت كثيرًا في عهد الرئيس قايد السبسي، فبعد تفجيرات متحف باردو في تونس مارس/ آذار 2015، تحدّى الجزائريون الهجمات الإرهابية التي تهدّد السياحة التونسية، وأطلقوا حملة وطنية لقضاء عطلة الصيف في الجارة الشرقية دعمًا للاقتصاد التونسي وإنقاذ الموسم السياحي، وهو ما حدث بالفعل، إذ تجاوز عدد السيّاح الجزائريين وقتها مليوني سائح.
اقرأ/ي أيضًا: