25-يوليو-2022
نحج أعضاء من منظمة الفهود السود في تحويل طائرة أميركية إلى مطار الجزائر (الصورة: the skies belongtous)

نحج أعضاء من منظمة الفهود السود في تحويل طائرة أميركية إلى مطار الجزائر (الصورة: the skies belongtous)

ظهيرة 3 جوان/ حزيران سنة 1972، يَشهدُ مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة حالة طوارئ واستنفار قصوى، استدعت تدخل ضباط من مختلف الأسلاك الأمنية، والتحقت إطارات من وزارة الخارجية، وسارعت كوادر من حزب جبهة التحرير الوطني إلى الدار البيضاء بالعاصمة الجزائرية، مٌرفقة بأعضاء الحزب الثوري للأميركيين السود أو ما يطلق عليهم بـ "الفهود السود" إلى مختطفي الطائرة الأميركية، وهو التنظيم الثوري الأميركي الذي افتتح مكتبًا دوليًا بالجزائر العاصمة سنة 1970.

حطت الطائرة الأميركية المختطفة في مطار هواري بومدين وكان روجر هولدر قد تحصل على فدية تقدّر بـ 500 مليون دولار أميركي

كان عقارب الساعة تدق على واقع أخبار اختطاف طائرة أميركية نحو الجزائر، رقم الرحلة 701من مطار لوس انجلس متوجهة إلى سياتل على متنها 87 راكبًا، وطاقم مكون من سبعة أفراد من طرف الثنائي روجر هولدر وكاثي كاركو.

أنزل الخاطفان نصف الركاب في مطار لوس أنجلس، والنصف الآخر في مطار نيويورك، وتم تزويد الطائرة بالوقود، قرر الثنائي روجر وكاثي التوجه إلى الجزائر، كان روجر هولدر  قد تحصل على فدية بنصف مليون دولار، في البداية قال هولدر إنه ينتمي إلى "تنظيم الفهود السود"، ثم زعم أنه من أعضاء جماعة "الطقس تحت الأرض" weathermen" .

 هولدر والفهود السود 

حطت الرحلة الخطوط الجوية الأميركية في مطار هواري بومدين، وأعين الإعلام العالمي مُصوبة نحو بوابة الطائرة، صعد إلى الطائرة عناصر من المخابرات والأمن الجزائري مصحوبة بوفد مدني من أعضاء جبهة التحرير الوطني المكلفة بالحركات الثورية، لحظات وفجأة ظهر شخص أمام مُدرج الطائرة ذو ملامح أفرو أميركية مبتسمًا يدعى ويلي روجر هولدر(23 سنة)، يحمل على كتفيه حقيبة يدوية، وخلفه تقف فتاة شقراء هي كاثي كاركو cathy kerkow  (20 سنة).

تم اصطحاب الثنائي إلى القاعة الشرفية بالمطار، حيث كان في انتظارهم وفد جزائري، مكون آنذاك من محمد أبركان ممثل عن وزارة الخارجية، ونائب مدير الأمن الوطني لهادي الخضيري، رفقة جلول مليكة مسؤول عن الحركات الثورية والتنظيمات الدولية على مستوى حزب جبهة التحرير الوطني

من جانبه حضر الاستقبال، أعضاء حزب الفهود السود المكون من القيادي إلدريج كليفر، رفقة Don Cox  و Pete O’Neal، وشاركت في  تغطية الحدث واللقاء  صحفية مجلة "الثورة الأفريقية" المختصة في الحركات التحريرية إلين مختفي.

احتجاجات منظمة الفهود السود بأميركا

بالقاعة الشرفية وفي جو من الضحك والتنكيت، قص ويلي روجر هولدر قصة الحقيبة التي كانت تحمل القنبلة التي هدد بها سلطات المطار الأميركي وكشف أنها كانت وهمية، وكيف انخدع طاقم الطائرة، واتضح أنها كانت تحمل كتابين وماكينة حلاقة كهربائية وقطع من أسلاك نحاسية، أما مرافقته كاثي فلم تدرك حقيقة القنبلة إلا بعد وصولهما المطار.

كان ويلي روجر جنديًا من القوات الجوية ومن محاربي حرب فيتنام، وتم تسريحه من الجيش الأميركي بعد سجل مُشين وعدم انضباطه العسكري والمهني، خلال مباشرة عملية الاختطاف، ادعى أنه من أعضاء حزب الفهود السود، وبعد وصوله إلى الجزائر قال للسلطات الجزائرية إنه من نشطاء تنظيم "الطقس تحت الأرض"، وهي منظمة أميركية شيوعية وثورية عناصرها من السود الأفرو أميركيين، قامت بعدة أعمال تخريبية وتفجيرات منتصف السبعينات، وساهمت في 15 أيلول/سبتمبر 1970 في هروب ثيموثي ليري Timothy Leary من السجت وتهريبه وارساله إلى الجزائر.

كان محمد أبركان ممثل وزارة الخارجية الجزائرية يحظى بعلاقات مع دوائر رسمية أميركية، تمكن من نسجها خلال فترة دراسته بالولايات الأميركية المتحدة، كانت واشنطن منزعجة من موقف السلطات الجزائرية من احتضان المكتب الدولي لعناصر الفهود السود، فقد تم تصنيف التنظيم على أنه جماعة إرهابية، كما لم ترغب السلطات الجزائرية من التصعيد الدبلوماسي مع الأميركان، فكيف تعاملت السلطات الجزائرية مع الفدية والخاطفين؟

مصير نصف مليون دولار

بعد لقاء المجاملة بالمطار، ثم نَقل الثنائي ويلي روجر وكاثي إلى فندق أليتي وسط العاصمة( السفير حاليًا)، أمضيا فترة قصيرة هناك، بعدها شدا الرحال إلى مقر "الفهود السود"،والمقر سكن من ثلاثة طوابق مع فناء جميل تتزين أسواره زهور البُوغَنفلية بأعالي الأبيار.

وكانت أعين كليفر وأعضاء الفهود السود على المبلغ المالي والفدية المقدرة بـ 500 مليون دولار، وكان التنظيم في أمس الحاجة إلى التمويل المالي قصد إعادة بعث نشاطاته الخارجية، بينما الخاطفان لن يبديا أي اهتمام بمصير الفدية.

بالمطار احتفظت مصالح الهادي الخضيري بالمبلغ المادي وقيل للخاطفين وأعضاء حزب الفهود السود، إن السلطات ستحتفظ بالأموال وتَعدها بشكل مُرتب.لكن في الأخير رفضت السلطات الجزائرية تسليم المبلغ إلى الخاطفين و"الفهود السود" وأعادته إلى السلطات الأميركية، فيما لم يتم تسليم الخاطفين.

روجر هولدر

غضب الفهود السود

وقد أزعج موقف السلطات الجزائرية أعضاء "الفهود السود" المقيمين بالجزائر، وفتح  كليفر النار وبشكل علني خطوة إعادة الأموال إلى أميركا قائلًا": إن الشعب الافريقي الأميركي لا يطالب من الشعب الجزائري أن يخوض معاركنا، وما نطلبه ألا تخوض الحكومة الجزائرية معارك الحكومة الأميركية."

كان هذا الإعلان الذي رفضه الرجل الثاني في القيادة بيت أونيل، والنصيحة التي قدمتها الصحفية المقربة من كليفر "إلين مختفي" بعدم الحكم على السلطات الجزائرية، التي لا ولن تتسامح مع من يوجه لها الانتقاد.

كاثي كاركو

 بدأ العد التنازلي بين السلطات الجزائرية وحزب يالفهود السودي، وتم تشديد الرقابة الأمنية على نشاطات أعضائها، لكن لم يتم ترحيل أي أعضاء التنظيم الدولي، وعلى ضوء تطور الأحداث في أميركا والعالم، أصاب التنظيم عديد من الاختلافات والتوترات داخل هيكلية، إذ فيما فضلت بعد القيادات الإقامة والاستقرار بدول أفريقيا، قرر البعض المراجعة الذاتية والعودة إلى الولايات المتحدة.

كانت الجزائر بعد الاستقلال مكة الثوار، وقبلة الحركات التحريرية والثورية واحتضت كافة التيارات والتنظيمات المناهضة للاستعمار والمعادية للتميز العنصري والإمبريالية.

كان روجي هولدر يقول عن اختطاف الجزائر إنه عند وصوله إلى الجزائر كان يعلم أن الأموال ستتبخر لكنه سيكونون هناك أحرارًا

في 2011 توفي روجي هولدر عن عمر 62 عام بجلظة الدماغية، بعدما أصبح مدمنًا على المؤثرات العقلية وأصبح يعاني من مرض انفصام الشخصية، وكان يقول عن تجربة اختطاف الطائرة: عند وصولنا إلى الجزائر كنا ندرك أن الأموال ستتبخر لكننا سنكون هناك أحرارًا.