16-نوفمبر-2022
(الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

ما يزال المتقاعد الستيني عبد القادر، يتذكر تفاصيل تعرضه إلى عملية احتيال ونصب راح ضحيتها رفقة أفراد عائلته، وخسر على إثرها الكثير من المال، ليتنهي به الأمر في أروقة المحاكم.

يعتقد مُختصون في المجال القانوني أن النصب والاحتيال ينتشران في وجود مَد ثقافي مجتمعي يُشجع الرشاوي والعمولات، والاعتماد على الوسيط الموازي والقوة الوهمية

تعود تفاصيل القضية، حسب عبد القادر، بعد مواجهته نزاعًا عقاريًا مع مصالح أملاك الدولة، وهو ما دفعه للبحث عن محامٍ أوصله إليه أحد الوسطاء، التقى به أمام مجلس قضاء الجزائر بحي الرويسيو وكان يلقّب بـ "الأستاذ".

هنا، يقول محدث "الترا جزائر"،  أن ملامح وهيئة وطريقة حديث المدعو "الأستاذ"، كلها كانت توحي أنها فعلًا يشتغل في مجال المحاماة، وله دراية ومعرفة قانونية بالإجراءات القضائية في مجال النزاعات العقارية.

وأشار عبد القادر أن لقب "الأستاذ"، وهي التسمية التي كانت تتداول على لسان كل من يصادفه أمام المجلس القضاء الجزائر، هي ما جعله محل ثقة بالنسبة له، خاصّة وأنّه كان يتعمد أن يعقد اللقاء معه أمام المحاكم، قصد إبعاد عنه الشبهات وتفادي اللقاء في المكتب غير الموجود أصلًا، موهمًا ضحاياه بكثرة ملفاتها القضائية، وله علاقات قوية داخل أروقة العدالة.

يقول عبد القادر إن الشكوك بدأت تساوره، بعدما ستة أشهر من تسليم الملف للمدعو "الأستاذ"، وبعد دفع مستحقات الملف أولًا، ثم مطالبته بالدفعة الثانية من الـأموال قصد ترتيب وتسريع القضية.

وأشار المتحدث أنه بعدما طالبه المحامي النصاب بدفع مبلغ 500 ألف دينار من أجل دفع التسوية النهائية في الملف، تحفظ عبد القادر عن الدفع إلى غاية صدور الحكم النهائي، قائلًا له إنه سبق وأن دفع له 500 ألف دينار دون أيّة نتيجة تُذكر.

بعدها أدرك عبد القادر أنه وقع ضحية نصب واحتيال، إذ بات رقم هاتف "الأستاذ" مغلقًا بشكلٍ نهائي، وعرف بعدها ألا أحدًا من المحامين يعرف شخصًا باسم "الأستاذ"، لينتهي به الأمر عند مركز الشرطة لإيداع شكوى ضدّ شخصٍ مجهول ونصاب.

انتشار ظاهرة الانتحال

قضية عبد القادر هي عينة صغيرة من يوميات الفرد الجزائري، إذ لا تكاد تخلو الصفحة الرسمية للشرطة الجزائرية أو ما ترصده الصحافة الوطنية من عرض حالات من النصب والاحتيال تمس مختلف الفئات المجتمعية، على غرار المعاملات المالية أو النزاعات العقارية أو التجارة الإلكترونية أو مختلف المجالات.

وانتشرت ظاهرة النصب والاحتيال، واستشرت ممارسات الخديعة بين أفراد المجتمع ومؤسّساته، لتطال حتى العمل الخيري والسطو على حقوق المحتاجين من المواطنين.

ومن خلال ما تعرضه الصفحة الرسمية للشرطة الجزائرية، نجد صورًا لأشخاص محلّ متابعة قضائية ومشتبه فيهم في قضايا نصب واحتيال، عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو انتحال صفة نظامية أو صفة مسؤولين في الدولة، نرصد أشخاص من مستويات عمرية مختلفة تتروح ما بين 18-60 سنة، وتشمل ذكورًا وإناث منها من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي واستغلال حسابات مجهولة، فيما ينتحل البعض صفة نظامية ورسمية.

وقد تفشت الظاهرة بشكل خطير في العقد الأخير بسبب جملة من الأسباب منها ما هو سياسي وما هو مجتمعي، خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وظهور ما عرف في السنوات بالأخيرة بالجريمة الإلكترونية.

عقوبة انتحال الصفة

في سياق التصدي للظاهرة الانتحال الصفة يعاقب القانون الجزائري انتحال الصفة في عدة مواد من قانون العقوبات وهي المواد: 247-248-249 وتتمثل العقوبة من سنة إلى خمس سنوات سجنًا وغرامة مالية من 500 ألف إلى 100 ألف دينار جزائري.

ونَقلاً عن مختصين في المجال القانوني وعلم الاجتماع، فإن انتشار الظاهرة وتغولها وسط المجتمع، تعود إلى أسباب عديدة، حيث أن الظاهرة تَحَولَت إلى ممارسة عامة، غزت الوسط الاجتماعي، ما يٌفسر ارتفاع الحالات أمام المحاكم، إذ بات يرتكب جنحة النصب والاحتيال أشخاص من مختلف الأعمار، سواءً من العنصر النسوي أو الذكوري، ينتمون إلى مستويات تعلمية ومهنية مختلفة، يكون السطو على المال هو الدافع الأساسي للوقوع بضحايا.

يشار هنا، أن قضية يعقوب بلحاسني الذي انتشر خبر إلقاء القبض عليه مؤخرًا على قناة التلفزيون مؤخرًا، مازالت قيد المتابعة، حيث اشتهر الشاب ( 22 سنة)، بعدة قضايا نصب نفذها ضدّ مسؤولين وإطارات في الدولة، ونشرت وكالة الأنباء خبرًا يفيد تحقيقات قضائية تم إطلاقها في الجزائر واليونان من أجل القبض على "الجنرال المزيف" وترحيله نحو الجزائر.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية في تقرير  سابق لها، أن "المدعو بلحاسني يعقوب المتابع قضائيًا لضلوعه في قضايا نصب واحتيال خطيرة استهدفت وزراء سابقين وشخصيات سياسية ودبلوماسية، يواصل في ممارساته الاجرامية انطلاقا من اليونان التي التحق بها بطريقة غير شرعية".

تبين في النهاية أن خبر الإلقاء على يعقوب بلحساني لا أساس له من الصحة، وأنه كان شخصيًا كان وراء انتشار هذه الإشاعة بعدما تلاعب بمدير التلفزيون ووزير الاتصال من خلال مكالمات هاتفية ورسائل انتحل فيها صفة مسؤول في الجيش، وبعد نشر عواجل على التلفزيون الرسمي تفيد بإلقاء القبض عليه، اختفت تلك العواجل فجأة دون توضيح من إدارة التلفزيون عما حدث.

إلى هنا، يَعتقد مُختصون في المجال القانوني أن النصب والاحتيال ينتشران في بيئة حاضنة للنصب والخديعة، أي هناك وجود مَد ثقافي مجتمعي يُتشجع الرشاوي والعمولات، والاعتماد على الوسيط الموازي والقوة الوهمية، من أجل استرجاع الحق أو الحصول على امتياز بدل الاعتماد على القنوات الرسمية أو الطرق القانونية،وقد يكون هذا نتيجة التشكيك في العدالة أو غياب الثقافة القانونية أو عدم الثقة في تأمين القانوني.

وعلى ضوء غياب الثقافة القانونية والتشكيك، يقع الكثير من المواطنين ضحايا شبكات النصب والاحتيال والخديعة، وقد تنتهي بأصحابها إلى التقدم بشكاوى لدى المصالح الأمنية والمثول أمام المحاكم.

التسيب السياسي

في سياق متصل بالموضوع، يَربط متابعون الانتشار الواسع لظاهرة انتحال صفة نظامية أو مسؤول سامي في الدولة، قد تعود من تَرسبات وتركات النظام السياسي السابق، الذي كرس الزبائنية والمحسوبية، والجهوية واستغلال النفود الشخصي والعلاقات الشخصية في إدارة الحكم، عَلاوة على انتشار هائل للوسطاء والعلاقات الموازية في الحصول على الصفقات والامتيازات والوظائف وحتى السكن الاجتماعي والتساهمي والتدخل الخارجي في الشأن القضائي.

وبناءً على تكريس الممارسات السياسية الموازية وغير الشفافة في عديد من المجالات لفترة امتدت لعقدين، بات التشكيك في العدالة وعدم اللجوء إلى القانون يمتد وسط الفئات المجتمعية في حل النزاعات أو التسوية القانونية، أو الحصول على الحق الدستوري كالسكن والوظيفة. 

المطالبة بتشديد العقوبة

بدوره، وأمام تزايد عدد حالات المسجلة أمام القضاء والإعلام الشعبي، يطالب عدد من المحامين ورجال القانون والمواطنون من تشديد العقوبات وصد الثغرات القانونية التي يستغلوها منتحلو الصفة والنصب والاحتيال.

الثقافة القانونية

في المقابل، يرى مختصون في المجال، أن تشديد العقوبات في حق النصابين والمحتالين ومنتحلي الصفة، قد يكون الجانب القانوني العقابي والرادع من انتشار الممارسة، لكن هذا لا يكفي في ظلّ غياب ثقافة قانونية والتشكيك في قدرة العدالة، وبناء عليه فالأمر يَفرضُ عمل تحسيسي وتوعوي حول مخاطر الاعتماد على الوسطاء الموازين، أو السقوط في شبكات تدعي النفوذ والعلاقات القوية داخل المنظومة الحكم، كما يجب أن تعم ثقافة التبليغ عن النصاب والمحتال بدل البحث عن طرق تسوية تعتمد على العصابات والبلطجة.

غياب الشفافية وانتشار المحاباة والزبائنية عناصر تغذي مناخ انتشار ظاهرة النصب والاحتيال

وعلى العموم، فإن غياب الشفافية وانتشار المحاباة والزبائنية عناصر تغذي مناخ انتشار ظاهرة النصب والاحتيال والخديعة وقصد حل إشكالية باتت تمس غالبية الجزائريين، وجب إبراز أهمية القانون وقوة الدولة وأجهزتها وإرساء الثقة بين المواطن والعدالة وزجر النصابين والمحتالين مهما كانت مسؤولياتهم.