أثار الكشف عن القميص الجديد للمنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم، ضجّة على منصات التواصل في البلاد بسبب هوية تصميمه التي ارتبطت بهندسة قصر المشور بتلمسان إحدى الشواهد التاريخية المهمة وأجمل القلاع التي بنيت في القرن الثاني عشر في عهد الدولة الزيانية.
قصر المشور بني في أواسط القرن الـ 13 للميلاد بجنوب تلمسان على يد السلطان الزياني يغمراسن بن زيان ومن رسوماته استوحي قمصر الخضر
الخضر.. وقصر المشور؟
وتضمن القميص الجديد الرسمي للمباريات الذي جهزته شركة "أديداس" خصيصًا لمشاركة المحاربين في مونديال قطر 2022، قبل أن يقصوا على يد الكاميرون، اسم الجزائر باللغة العربية على يمين القميص مع وجود اللونين المألوفين الأخضر والأبيض، غير أنّ شكله وتصميمه مستوحى من القميص الذي شارك به الفريق الوطني في كأس العالم 1982 بإسبانيا.
وما خلّف النقاش وأثار النقاش أيضًا قميص التدريبات المستوحى من فن العمارة العربية الإسلامية بقصر المشور إحدى أجمل القلاع بالجزائر موجودة بتلمسان غربي البلاد.
واستمد القميص تصميمه من الزخرفة التي تزين جدران ومرافق قصر المشور الذي تأسس في نهاية القرن الـ12 وأوائل القرن الـ13 في عهد السلطان يغمراسن بن زيان والذي اتخذه مقرًا لإقامته وحكمه آنذاك.
وتحول قصر المشور بعدها إلى إقامة رسمية لبني عبد الواد ملوك تلمسان والأتراك ، الذين أعادوا ترميم بعض مداخل وزوايا هذا الصرح.
وذكر الكاتب محمد قاضي في دراسة تاريخية نشرتها مجلة "منبر التراث الأثري" عام 2019، حول قلعة المشور أنّها بنيت على يد السلطان الزياني يغمراسن بن زيان في أواسط القرن السابع الهجري الثالث عشر للميلاد بجنوب تلمسان، وقد شهد عمران قلعة المشور تطورًا كبيرًا من خلال الأحداث التاريخية التي تعاقبت عليه، خاصة عند السلاطين الزيانيين الذين تداولوا على البلاط الزياني، لكن بعد انهيار الدولة الزيانية فقدت القلعة دورها الريادي مما جعلها تشغل عدة وظائف في العهد العثماني وفترة الاحتلال الفرنسي، لكن رغم التعديات تبقى قلعة المشور شاهدة على الماضي وشاغله في الحاضر، فهي لا تزال تثير اهتمام وفضول المهتمين بالتراث الأثري والسياح.
وكانت "شركة أديداس"، قد كتبت على حسابها بـموقع انستغرام،حول تقديم القميص وأرفقت المنشور بمجموعة صور مختلفة عنه: "عندما تجتمع الثقافة مع التاريخ في تصميم مجموعة راقية من القمصان، نقدك لكم الأطقم الأساسية والاحتياطية 22/23 الجديدة لمنتخب الجزائر، وتشكيلة الملابس الثقافية".
وفي منشور آخر كتبت الشركة: "مجموعة تليق بالأناقة الملكية، مستوحاة من الثقافة الجزائرية العريقة والتصاميم المعمارية المميزة لقصر المشور بتلمسان".
ردود فعل حول القميص
وعلى منصات التواصل اختلفت ردود فعل النشطاء حول القميص الجديد للمحاربين، خاصّة في شقه المتعلق بالتاريخ، حيث رأى بعضهم أنّ التصميم لا يقتصر فقط على هندسة وزخرفة قصر المشور، بينما يتعلق بشواهد تاريخية أخرى، واعتبر آخرون أنّه يفتقر للابداع.
وكتبت ناشطة تسمي نفيها "ديامون مورتال" قائلة: "اليوم حبيت نحط منشور بعيدًا عن موضوع الصفحة بعد نشر حساب شركة (أديداس) صور قميص المنتخب الوطني الجزائري للتدريبات والمستوحى من التراث الجزائري انهالت عليه التعليقات من دولة الجوار مدعين أن هذا تراثهم".
وأضافت: " صفحة أديداس ذكرت أنه مستوحى من قصر المشور بتلمسان وهو قصر ملكي يعود إلى العهد الزياني بني وفق المعمار الجزائري الأندلسي، لكن أنا لما رأيت القميص مباشرة تبادر إلى ذهني آثار قلعة بني حماد".
وتابعت قولها: "تعود هذه القلعة بداية القرن الحادي عشر وهي العاصمة الأولى لدولة بني حماد الجزائرية وتمثل هذه هي النموذج الأول لعدة فنون معمارية انتقلت فيما بعد إلى الأندلس وازدهرت هناك من بين هذه الفنون نجد الزليج الذي تعد قلعة بني حماد النموذج الأول في بلاد المغرب والأندلس".
وأشارت إلى أنّه " من دولة يدّعون أنهم لهم لم يعرفوا هذا الفن إلا في عهد المرينيين عبر الأندلس، أي أنه ليس لهم لا ناقة ولا جمل في الموضوع فقط عقدة النقص من تحركهم".
وعلقت صفحة "أهداف ملخصات محترفينا المنتخب الجزائري عن الموضوع ما يلي: "قميص الاحماءات الخاص بالمنتخب الوطني أبدعت فيه شركة أديداس، المصمم أخذنا في رحلة عبر التاريخ".
وأردفت قائلة: "القميص مستوحى من قلعة المشور التاريخية في مدينة تلمسان التي كانت سابقًا جزء من قلعة مشوار الكبرى. تم تحديد اسم القصر "مشوار" لأنه خصص كمكان للتشاور حيث تدار شؤون حكومة السلطان".
وكتبت صفحة "الشلف قالول" في نشور أرفقة بصور القميص الجديد للخضر وصور لقلعة المشور: "بعد الهدوء قميص المنتخب الوطني للاحماء مستوحى من رسومات قصر المشور من تلمسان، وشركة أديداس أكدت ذالك في حسابها الرسمي.
وذهب الصحفي محمد بوروبي إلى تقديم رأي مخالف قائلا في منشور على حسابه بفيسبوك : "القمصان قضية أذواق مثل باقي الملابس ... ولكن هذا لا يمنع أن قميص المنتخب الوطني الجديد يفتقر لتصميم إبداعي ولمسة فنية"
وأضاف بوروبي: "وفي الصورة مثلا قميص "الخضر" سنة 2012 والذي شاركنا به في "كان 2013" بجنوب إفريقيا، حيث أن تصميمه وخطوطه الداخلية كانت مستوحاة من أشكال هندسية من القصبة العتيقة و مختلف البنايات الإسلامية في الجزائر من الشرق إلى الغرب".
داخل المشور
ويقع قصر المشور في قلب مدينة تلمسان، مربع الشكل، مساحته نحو 400 متر مربع، يحتوي على قصر ملكي فسيح، وحوض مائي، أرضيته وجدرانه بالرخام مزية بزخارف ونقوشات ملونة، مصممة بأسلوب فريد يعكس فن العمارة العربية الإسلامية.
ويضم المشور الذي يستمد تسميته من "الشورى والمشاورات" صومعة مسجد مربعة الشكل وذات طابقين، ويبلغ ارتفاعها نحو 25 مترًا، مزخرفة بزخارف مصنوعة من مادتي الآجر والزليج، كما تتوسطها نوافذ صغيرة.
قصر المشور تحيط به أسوار عالية وتتوسطه أروقة تؤدي إلى أربعة أجنحة رحبة في ساحاتها نافورات ماء صغيرة
وتحيط بالمشور أسوار عالية وأروقة تؤدي إلى أربعة أجنحة رحبة تحتوي على نافورات ماء صغيرة، إلى جانب وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية مدونة على الجدران ملونة بالرخام والفسيفساء، وكذا حديقة وحوض مائي تتوسطه نافورة ماء ذات شرفات مسننة تعكس مدى إبداع الزيانيين في فن العمارة.
