25-أكتوبر-2019

تقدم السكوار لزبائنها أفضل سعر تحويل للدينار الجزائري مقابل العملات الأجنبية (فيسبوك)

لم يعد سرًّا أن يلجأ كثير من الجزائريين اليوم، إلى فتح حسابات بالعملة الصعبة في الخارج، وذلك بسبب التعقيدات البنكية المفروضة على الذين يتلقون مستحقّاتهم بعملتي اليورو والدولار من شركات أجنبية، حيث تفرض عليهم البنوك الجزائرية سحبها بالدينار الجزائري، بنصف قيمتها المتداولة في السوق.

يبقى المراسلون الصحافيون الضحيّة الأولى لبيروقراطية البنوك الجزائرية 

عندما كان يقطع تلك المسافة، من أجل الحصول على أمواله من البنك، يضطر عبد الناصر لقطع مسافة حوالي 650 كيلومتر ذهابًا ومثلها إيابًا من الجزائر العاصمة إلى مدينة طبرقة بأقصى الشمال الغربي التونسي، وكان يمكن أن يُجري العملية بسهولة تامة باستعمال أقرب موزّع آلي وباستخدام "فيزا كارد".

اقرأ/ي أيضًا: أموال الجزائريين المهرّبة إلى الخارج.. هل يُمكن استرجاعها؟

كان يفكّر في تلك المشقّة الكبيرة، وهو يفكّر في سرّ الإبقاء على ذلك القانون الذي يُجبر أيّ فرد في الجزائر من تلقّي أمواله المحوّلة من الخارج على فتح حساب مصرفي بالعملة المحليّة، وتسلّم أمواله بالسعر الرسمي من اقتطاع نسبة معتبرة وهو ما يعني حرمانه من نصف القيمة الحقيقية مقارنة بسعر السوق الموازية.

لم يعد يدري أي السعرين هو الرسمي، هل هو المعتمد في مختلف البنوك التي تشتغل فيها البلاد بما فيها الأجنبية؟ أو سعر السوق الموازية "السكوار"، وهو المكان المعروف في الجزائر العاصمة بالتحويلات؟، يقصده الجميع بمن فيهم كبار المسؤولين ورجال الأعمال من أجل شراء وبيع العملة التي يريدون.

يقول عبد الناصر في تصريحه لـ"الترا جزائر"، إنه قطع يومًا المسافة بين الجزائر العاصمة وطبرقة ذهابًا وإيابًا في يوم واحد، ولم يمكث في الأراضي التونسية إلا ما مكّنه من الذهاب إلى أقرب بنك. حصل على أمواله المحوّلة من الخارج، وكاد يموت من التعب، وبل ونجا من حادث مرور كاد يودي بحياته.

وبكثير من الحسرة والأسف، يستعيد سعد، وهو رسّام كاريكاتور ومصمّم، تجربته التي يصفها بـ"المرّة" في هذا الشأن. قبل سنوات كان قد بدأ ينشر بعض الرسمات في مجلة "جون أفريك" الفرنسية، وعندما طلبوا منه حسابه المصرفي سارع إلى إرسال رقم الذي فتحه حديثًا عبر "بنك الجزائر الخارجي"، وكم كانت صدمته كبيرة عندما ذهب إلى البنك لاستلام علاوته.

أمروه بأن يفتح حسابًا آخر بالعملة المحليّة، حتى يحوّلوا القيمة بالسعر الرسمي مع اقتطاع نسبة معتبرة، ولأنّ السعر الرسمي منخفض جدًا مقارنة مع سعر السوق الحقيقي، ثارت ثائرته ورفض الاستلام وطلب منهم إعادة الحوّالة إلى مصدرها. وبعدها يقول إنه فتح حسابًا عبر الانترنيت، وطلب أن تصبّ له فيها المؤسسة الفرنسية التي يتعامل معها، ليستلم أمواله عند أوّل مناسبة يغادر فيها البلاد.

قانون التسعينات

يعتقد البعض مخطئًا، أن فتح حساب لدى بنك أجنبي أو تابع للقطاع الخاصّ على غرار "سوسيتي جنرال" و"بي.أن.بي باريبا" وغيرها من شأنه أن يحلّ المشكلة، فالأمر يعتمد على قانون كان قد أصدره البنك المركزي الجزائري، يُلزم جميع البنوك العاملة في البلاد على التعامل به.

فأن تتلقى أموالًا من الخارج مهما كان مصدرها، فعليك أن تُثبت أنك عملت بشكلٍ رسمي مع تلك المؤسّسة في مقرّها بالخارج، حتى تتلقى أموالك بالعملة الصعبة وفي هذا الصدد فإن العمّال المتقاعدين الذين كانوا مهاجرين إلى فرنسا على وجه الخصوص، وعددهم كبير، مستثنون من هذا الإجراء.

يبقى المراسلون الصحافيون الضحيّة الأولى لهذا القانون، الذي كثرت انتقاداته حتى من قبل المسؤولين الرسميين دون أن يتغيّر الأمر، إلى درجة أنك عندما تحتجُّ أمام الوضعية أمام الموظفين البنكيين، يقولون لك بكل أسف أنهم يطبّقون القانون، ويقترح عليك أحدهم أن تفتح لك حسابًا في بلد مجاور حتى تستلم أموالك كاملة، ويقترح آخرـ بأن تسافر في أقرب فرصة إلى إسبانيا وتفتح حسابًا هناك، وعندما تتلقى مستحقّاتك، تصلك رسالة إلكترونية تؤكّد لك ذلك.

يسري هذا القانون منذ تسعينيات القرن الماضي أمام العنف الدموي الذي كانت تشهده البلاد، حيث لجأت إليه السلطات من أجل محاصرة الجماعات المسلّحة ومنع تمويلها من الخارج بالعملة الصعبة، لكن الوضع تغّير الآن والقانون لم يتبدّل رغم الوعود الكثيرة في هذا الشأن.

إجراءات جديدة

قبل أكثر من سنة من الآن، أكّد بنك الجزائر المركزي، وجود إجراءات جديدة تشمل أصحاب الحسابات البنكية باليورو والدولار الأميركي، تسمح لهم باستيلام أموالهم المحوّلة من الخارج بالعملة الصعبة، لأجل إعطاء دفعٍ جديد لحركة الأموال التي ستنعكس إيجابيًا على الاقتصاد.

في هذا السياق، يرى خبراء أنّ أوّل إجراء يُمكن أن يخدم هذا المسعى هو فتح مكاتب الصرف المنعدمة في الجزائر وغلق سوق التحويلات غير الرسمي في "السكوار" بقلب مدينة الجزائر، وغيرها من الأسواق الفوضوية في مختلف مدن البلاد.

غير أنّ هذا الأمر لم يحدث؛ وبقيت وعود بنك الجزائر حبرًا على ورق، وصار الوضع أسوأ من ذلك؛ فبعض البنوك ولأسباب بيروقراطية ترفض أصلًا فتح حسابات للخواص، إلا وفق إجراءات مقدّمة، وهو ما يؤدي إلى هروب الزبائن إلى الخارج ومنهم "تهرّب" العملة الصعبة من البلد.

ازداد الوضع سوءًا بعد انهيار منحة السياحة للجزائريين من 120 يورو إلى 100 يورو في سنة 2018

الأمر على صعيد آخر، زاد سوءًا عندما انهارت منحة السياحة للجزائريين من 120 يورو إلى 100 يورو في سنة 2018، وعلى المسافر أن يذهب إلى السوق الموازية لشراء ما يريد من العملة بمبلغ خيالي مقارنة مع سعر الصرف الرسمي، مع العلم أن التونسي الراغب في السفر بإمكانه الحصول على منحة 3 آلاف دولار، والمغربي يحصل على 4 آلاف دولار، في شكل منحة للسفر ولا يضطر للذهاب إلى السوق السوداء.