كتاب "زمن العسكر... القلاع والبوصلة".. قراءة في التحولات السياسية في الجزائر
15 يونيو 2025
تُعتبر العلاقة بين المؤسسة العسكرية والفضاء السياسي في الجزائر من أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية، إذ غالبًا ما يتمّ التعاطي مع هذا الموضوع ضمن أطر تحليلية تقليدية.
غير أنّ التحوّلات العميقة التي تشهدها البلاد تفرض مقاربات مختلفة، وهو ما يتجلّى في كتاب "زمن العسكر.. القلاع والبوصلة" للكاتب والإعلامي أبوبكر زمال، الذي يقدّم قراءة فكرية معمّقة وتحليلاً مختلفًا لهذه العلاقة المحورية.
يبرز الكاتب جوانب أخرى من العلاقة بين العسكري والسياسي، وربما محاولته لأنسنة هذه العلاقة بدلاً من التركيز على الصراع التقليدي
في هذا الكتاب يبتعد زمال عن السرديات المعتادة ليُسلط الضوء على ديناميكيات خفية شكّلت المشهد السياسي، داعياً إلى فهم جديد يقوم على التواصل وأنسنة هذه العلاقة، خصوصاً في سياقات متغيرة وفي خضم التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه البلاد.
ودعا الكاتب القراء؛ خلال جلسة نقاش ترأسها الكاتب حميدة العياشي، بمكتبة "الاجتهاد" بالجزائر العاصمة بحضور جمع غفير من المثقفين، إلى استكشاف زوايا رؤية مختلفة، متجاوزاً الجدلية التاريخية حول "أولوية السياسي على العسكري" التي طالما هيمنت على النقاشات، ليفتح آفاقاً جديدة للتفكير في دور المؤسسة العسكرية في تشكيل الدولة.

مضامين
يقع الكتاب في 180 صفحة، حيث ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية؛ يضم الفصل الأول مجموعة من المقالات التي سبق نشرها، والتي تناول فيها الكاتب مواقف المؤسسة العسكرية إبان فترة الحراك الشعبي، وكيفية تعاملها مع هذا الحدث السياسي الهام.
يعتمد في طرحه لمختلف أطروحاته في صفحات الكتاب على الأسلوب السردي المثير والتشويقي
أمّا القسم الثاني من الكتاب، فيتضمّن تقديم شخصيات "بروفايلات" تُسلّط الضوء على عدد من الأسماء العسكرية البارزة التي كان لها تأثير ملمُوس في المشهدين السياسي والإعلامي، من بينها اللواء محمد قايدي، والفريق محمد مدين (المعروف بالفريق توفيق)، والجنرال خالد نزار.
ويُخصَّص جزء من هذا القسم لتقديم بورتريه شامل للفريق أول السعيد شنقريحة، ما يمنح القارئ رؤية أعمق لفهم ملامح هذه الشخصيات العسكرية وأدوارها في تشكيل المشهد السياسي والإعلامي في الجزائر.
أما في المٍحور الأخير من الكتاب، يقدّم الكاتب أبوبكر زمال تقريرًا موسّعًا حول المركز الأمني المعروف بـ"مركز عنتر"، معتمدًا في طرحه لمختلف أطروحاته على أسلوب سردي مشوّق يجمع بين الإثارة والتحليل.
ويُبرز هذا الأسلوب، الخلفية الأدبية والشعرية للكاتب، ما يُضفي على النص بُعدًا جماليًا ويجعل من القراءة تجربة ممتعة وجذابة للقارئ.
السياسي والعسكري..أنسنة العلاقة
ما يُميّز هذا الكتاب مقارنة بعنوانه، هو أنّه لم يتعمق في معالجة الجدلية التاريخية القائمة منذ مؤتمر الصومام عام 1956، والمتعلقة بإشكالية "أولوية السياسي على العسكري".
واللافت إنّ هذه المسألة ما زالت تُطرح بقوة على الصعيد التاريخي والسياسي والمؤسساتي في الجزائر.
في متون الكتاب؛ يرتفع سقف النّقاش حول مبدأ "أولوية السياسي على العسكري" بشكل ملحوظ كلما واجهت البلاد أزمة مؤسساتية أو هزات سياسية، كما حدث في سنوات 1988، وعند توقيف المسار الانتخابي عام 1992، وعند تعيين بوتفليقة رئيسًا للدولة في عام 1999، وكذلك خلال إدارة المؤسسة العسكرية لمرحلة الحراك الشعبي في بداية عام 2019.
يُبرِز هذا الجانب في الكتاب اهتمام الكاتب بجوانب أخرى من العلاقة بين العسكري والسياسي، وربما محاولته لأنسنة هذه العلاقة بدلاً من التركيز على الصراع التقليدي.
الحراك الشعبي.. محطة للتفكير
كما سبقت الإشارة، يحرِص أبوبكر زمال على الوقوف خارج النقاش السياسي والأيديولوجي التقليدي حول دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.
فهو لا ينخرط في السرد التاريخي المعتاد للمحطات المفصلية، مثل انقلاب 19 حزيران/جوان 1965، حين أطاح وزير الدفاع وقائد الأركان آنذاك، هواري بومدين (محمد بوخروبة)، بأول رئيس للجزائر المستقلة، السيد أحمد بن بلة.
تطرق الكاتب إلى تحليل المشهد السياسي خلال 2019، وتَشريح مواقف المؤسسة العسكرية من مجريات الحراك الشعبي
في السياق ذاته، يُركز الكاتب على مرحلة الحراك الشعبي كمحطة للتفكير والكتابة، وعلى ضوء أحداث 22 شباط فبراير 2019، تطرق الكاتب على تحليل المشهد السياسي ومعالجته.
كما قام بتَشريح مواقف المؤسسة العسكرية من مجريات الحراك الشعبي، محاولا رسم مَعالم تلك اللحظات، ومَالاتها، والمآخذ التي سجلت في حق كل من الجيش والشارع.
وتحت عنوان "مكابدات العسكر والشارع الحيران"، يُسلط الكاتب الأجواء بعد شهر الخامس للحراك الشعبي، الشارع مشحون وضغط نفسي رهيب تشهده شوارع العاصمة وكبرى المدن الجزائرية، تبقى المؤسسة العسكرية تراقب الوضع، الحراك أو جزء منه يرفع أسماء قصد تمثيله على شاكلة مولود حمروش وطالب الابراهيمي وبن بيتور وغيرهم من الوجوه السياسية التي عمرت المشهد منذ عقدين.
وفقًا لما ورد تحت هذا العنوان، فإنّ "المؤسسة العسكرية أعلنت التزامها بالدستور، ورفضها للحل الانتقالي أو الذهاب إلى مسار مرحلي غامض الأفق".
المخابرات في المخيال الشعبي
في سياق متصل؛ تعرّض في فصل "الجيش والمخابرات والشعب الجزائري جدل الصدع والجبر" إلى صورة المخابرات في مخيال الجزائري، نظرا إلى الصورة المُبهمة التي لفت الجهاز الأمني، ودوره المفصلي في معركة التحرير الوطني سابقا، إلى غاية أنّ تحولت كما قال "دولة داخل دولة"، وعلى رغم من حل جهاز "الدياراس" بقيت التسمية تتداول في الصالونات والمواقع والأحاديث.
العقيدة العسكرية
كما يتناول الكتاب العقيدة العسكرية التي يصفها زمال بـ"الإرث الثقيل" الذي كَبَسَ مفاصل المؤسسة منذ الاستقلال وحتى اليوم.
ويرى الكاتب أنّ هذا الحِمل التقليدي جعل من بعض الجوانب مُقدسة وغير قابلة للمسّ أو التغيير، مما يستدعي ضرورة الإصلاح والتجديد والابتكار.
ويؤكد في رؤيته على أنّ هذا التغيير لا بدّ أن يتماشى مع التحولات الكبرى والمتسارعة التي تلوح في أفق المستقبل.
في هذا السياق، يتساءل الكاتب عن الرهانات الجديدة والمعالم الحديثة التي تواجه العقيدة العسكرية، مطروحًا تساؤلًا جوهريًا: هل ستتمكن المؤسسة من تجديد ذاتها وتجاوز هذا الإرث الثقيل، أم أنّها ستفتح ثغرات يصعب إغلاقها في مسار تطورها المستقبلي؟ هذا السؤال يعكِس قلق الكاتب وتطلّعه إلى إصلاح حقيقي يواكب المتغيرات المتسارعة في الميدان.
الغُموص
في فصل "تقديم الشخصيات"، يتناول زمال شخصية الفريق محمد مدين (المعروف بالفريق توفيق)، الرجل الذي تربّع على رأس جهاز المخابرات لأكثر من 25 عامًا.
يروي الكاتب لحظة تلقيه مكالمة هاتفية تفيد بأن "الرئيس أصدر أمرًا بإنهاء مهامك وإحالتك إلى التقاعد"، وكان ذلك في عام 2015.
ويُشير المؤلف إلى أن الفريق توفيق، في لحظة اقترابه من مغادرة منصبه، أطلق بلهجة تحمل تهديدًا مبطنًا تصريحًا قائلاً: "سيكون موعدنا سنة 2019".
كما يُثير هذا التصريح تساؤلات حول الدلالات التي أراد زمال إيصالها بهذا التاريخ تحديدًا، وما الرسائل الخفية التي تحملها هذه الإشارة في سياق الكتاب.
وفي سياق الصراعات التي دارت بين أركان النظام السياسي قبل عام 2019، يُركّز الكاتب على الطريقة التي تمّ بها إضعاف الفريق توفيق وجهازه الأمني داخل منظومة الحكم.
التاريخ قد يصنع أقدارًا غير مُتوقعة، وقد يصنع أيضًا نهايات مُدوية
ويصف كيف جرى تفكيك أدوات الجهاز الأمني، وحلّ بعض المديريات، واستعادة قيادة الأركان لبعض الأجهزة والصلاحيات.
في الوقت ذاته، يطرح الكاتب تساؤلات مهمة حول المستفيدين من هذه الإجراءات، ومن يقف وراء قيادة هذه "اللعبة" السياسية، بالإضافة إلى دور شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، في رسم ملامح المرحلة القادمة.
نهاية الأساطير
يُشير الكتاب في هذا الجزء إلى أنّه مهما كانت أسطورة الفريق توفيق كبيرة، إلاّ أنّ التاريخ قد يصنع أقدارًا غير مُتوقعة، وقد يصنع أيضًا نهايات مُدوية.
نظرة مختلفة
يبتعد أبوبكر زمال عن التشخيص السياسي والتاريخي التقليدي والمتداول بشأن دور المؤسسة العسكرية في تشكيل المشهد السياسي والمؤسساتي.
لا يتناول الكتاب بشكل مباشر مقاربة "أولوية السياسي على العسكري"، بل يسعى إلى جعل الحراك الشعبي منصة ومنطلقًا لفهم طريقة عمل المؤسسة العسكرية، انطلاقًا من سياق واقعي شاهده الكاتب عن كثب.
كما اختار زمال لغة ناعمة وذكية، وعبارات متوازنة لا تكشف عن قاموسه السياسي المعارض، بل يعكس كاتبًا يراهن على ضرورة التواصل والتفاهم بين المؤسسة العسكرية والمجتمع السياسي، خاصة في ظل الرهانات الإقليمية التي باتت تهدد أمن واستقرار الأوطان.
وفي النهاية، يعيد الكتاب فتح النقاش حول القضايا السياسية وأعطاب الانتقال الديمقراطي في زمن الصمت والسكون.
الكلمات المفتاحية

حوار| الزبير بن بردي: فلسطين كانت في صلب اهتمام الجزائريين حتى خلال فترة نضالهم ضد الاحتلال الفرنسي
ما يزال هول الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض إليها فلسطين منذ أكثر من عام ونصف يشد انتباه الجزائريين، وبالخصوص الأكاديميين المتخصصين الذين لاحظوا أوجه تشابه كثيرة بين نضال الشعب الفلسطيني وحركة التحرر الجزائرية، لذلك ازدادت المؤلفات التي تتناول قضية العرب الأولى خلال هذه الفترة، ولعل آخرها كتاب ""قضية فلسطين في كتابات أحمد توفيق المدني والفضيل الورتلاني" لمؤلفه الدكتور الزبير…

على خلفية تعيين عسلاوي وزكريا بلخير.. سجال سياسي وأيديولوجي بين مقري والأرسيدي
اندلع سجال سياسي وأيديولوجي حاد في الجزائر، بين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعروف بتوجهه العلماني، وبين الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بعد تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان.

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه
أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

"علامات متدنية" في مسابقات توظيف الدكاترة تثير الغضب.. هل المقابلة الشفوية معيار ظالم؟
أثار نشر تفاصيل علامات مسابقات التوظيف الجامعي في الجزائر، مؤخرًا، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، بعد تداول أرقام ونقاط المقابلات الشفوية التي اعتُبرت مجحفة وغير موضوعية في حق عدد من المترشحين.

إدانة نقيب السكك الحديدية لونيس سعيدي بسنتين حبسا نافذا.. وحزب العمال يعتبر الحكم "سابقة خطيرة"
أدانت محكمة سيدي أمحمد، النقابي لونيس سعيدي، الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية، بالسجن سنتين نافذتين مع تغريمه بمليوني دينار جزائري، على خلفية توقيعه إشعارًا بالإضراب يوم 25 حزيران/جوان الفارط.

إجماع سياسي على إدانة العدوان الإسرائيلي على سوريا.. وتحذير من توسيع دائرة الصراع
أدانت مختلف الأحزاب السياسية في الجزائر العدوان الإسرائيلي على سوريا، معتبرة أنه انتهاك لسيادة دولة عربية ومسّ بأمنها واستقرارها، في وقت عبّرت فيه الجزائر رسميًا عن رفضها لهذا التصعيد ودعت إلى تحرك أممي لوقف الاعتداءات.