14-أبريل-2023
محل جزارة في ولاية البليدة (الصورة: Geety)

محل جزارة في ولاية البليدة (الصورة: Getty)

مع بداية العدّ التنازلي لنهاية شهر رمضان، وتحضيرات المواطنين لاستقبال عيد الفطر، ورغم وعود الحكومة المشدّدة على كسر أسعار بعض المواد الغذائية وإنهاء احتكار السلع خلال هذا الشهر، إلا أن أسعار المواد الأكثر استهلاكًا لا تزال ملتهبة في الأسواق الجزائرية، حيث لم تنجح التدابير الاستباقية في الحد من ارتفاع أسعار اللحوم والبصل والموز وعدد من الفواكه، الأمر الذي يعيد التساؤل حول إخفاق الحكومة في كل مرة تتوعّد فيها بخفض الأسعار.

رئيس منظمة "حمايتك": لأول مرّة استمر ارتفاع الأسعار في رمضان وقد كان مقتصرًا في سنوات سابقة على الأسبوع الأوّل فقط

 

يشكل ضبط أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع والمنتجة في أغلبها محليًا، تحدٍ للحكومة على مدار السنة، للحفاظ على القدرة الشرائية التي تراجعت في السنوات الأخيرة، لكن هذا التحدي يزداد أهمية بالخصوص في الشهر الفضيل، حيث تعلو تصريحات المسؤولين قبل بداية الشهر بفتح المجال لكسر الأسعار أمام المضاربين والتقليل من وطأة الاحتكار إلا أن ذلك لا يحدث.

تدابير حكومية

قبل شهر من حلول رمضان، بحث اجتماع مجلس الوزراء ملف التدابير المتخذة من طرف الحكومة لضمان التموين خلال شهر الصيام، حيث أمر الرئيس خلال الاجتماع بـ "استحداث جهاز يقظة دقيق، بالتنسيق بين وزارات الداخلية والفلاحة والتجارة، يتولى المراقبة والمتابعة اليومية لتموين السوق، بمختلف المواد الأساسية، التي أصبحت تستغلها عصابات لزعزعة الاستقرار الاجتماعي".

وقال الرئيس عبد المجيد تبون إن " تقليص فاتورة الاستيراد لا يكون على حساب المساس بحاجيات المواطن، وإنما بمراعاة توفر الإنتاج الوطني، كمًّا ونوعًا".

وبناء على هذه الأوامر، استأنفت الحكومة استيراد العجول لكبح الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم البيضاء والحمراء على حد سواءً، فقد تم استيراد عجول من البرازيل والسودان، تزامنًا مع تكثيف أنظمة الإنذار والرقابة، بدءًا من الأحياء والقرى والمداشر، بإشراك السلطات المحلية، بهدف رقابة أسعار المواد الأساسية وتموين الأسواق بكل أنواعها، وفق توجيهات رئاسية.

في هذا السياق، فتحت وزارة التجارة 600 سوقٍ جواري بهدف خفض الأسعار الملتهبة، حيث تبيع المواد ذات الاستهلاك الواسع بأسعار معقولة، لمكافحة المضاربة بالأسعار التي استمرت رغم سن قانون يقضي بعقوبات سجنية لمرتكبي هذه الجريمة.

ارتفاع متواصل

لم تعرف أغلب أسعار المواد الغذائية، وبالخصوص الخضر والفواكه واللحوم انخفاضًا طيلة الأسبوعين الأولين من رمضان، فإذا ما تم استثناء البطاطا والجزر التي كانت أسعارهما أقل من 100 دينار، فإن أغلب الخضر كانت ملتهبة إذ فاقت أسعار الطماطم والفلفل حاجز 150 دينار، والبزلاء ظلت فوق سعر 200 دينار، بل وصلت إلى 300 دينار في بعض الأسواق، ورغم الانخفاض المسجل في اليومين الآخرين إلا أنه يبقى ضئيلًا إذا ما قورن بالسنوات الماضية، وفي مقدمتها البصل الذي وصل هذا العام  حتى 250 دينارًا وأكثر.

أما الفواكه، فسعر الموز وصل حتى 800 دينار، لينخفض في اليومين الأخيرين إلى 42 دينار لكنه يبقى مرتفعًا، والبرتقال لم ينزل سعره عن 200 دينار كثمن أدنى، والبطيخ كان طيلة الشهر الفضيل أكثر من  230 دينار، وحتى بعد نزوله إلى 150 دينار يظل مرتفعًا إذا ما قورن بالقدرة الشرائية للجزائريين.

ويثبت هذا الارتفاع التقرير الأخير للديوان الوطني للإحصاء، بشأن مؤشر أسعار المواد الغذائية الذي أشار إلى تسجيل نسبة تضخم تصل إلى 15.04 % لشريحة المنتجات الغذائية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، الخاصة بشهري شباط/فبراير وأذار/مارس، حيث بلغ ارتفاع مؤشر المنتجات الزراعية الطازجة إلى 25.53 بالمئة.

وأشارت أرقام الديوان إلى ارتفاع أسعار البصل بنسبة 99.05 % ولحوم وبقايا الأغنام بـ 46.17 % والفواكه الطازجة بـ45.82  % والدجاج بـ 29.56 % و لحوم الأبقار بـ25.62 % والبيض بـ24.14 % والحليب والأجبان ومشتقاتهما بـ15.47 %.

لأول مرة

قال رئيس منظمة "حمايتك" للدفاع عن المستهلك محمد عيساوي في تصريح لـ" الترا جزائر"، إنه لأوّل مرة يلاحظ أن ارتفاع الأسعار استمر لرمضان حتى الأسبوع الثاني وأكثر، فيما كان الأمر يقتصر في السنوات الماضية على الأسبوع الأول من رمضان، وكان وقتها ارتفاعًا مبررًا يرجع إلى الإقبال الكبير للمستهلكين في الأيام الأولى للشهر الفضيل.

ويعتقد عيساوي إلى أن الارتفاع الذي سجل هذا العام سببه الخلل المسجل في وسائل ضبط السوق، فالحكومة مطالبة بوضع آليات فعالة لتحقيق التوازن في السوق، وذلك بإخراج المخزون الموجود قبل أسابيع من حلول الشهر الفضيل.

وأشار هنا إلى أنه على سبيل المثال الحديث عن استيراد عجول من السودان لم يتم إلا خلال الشهر الفضيل، وهو سبب جعل خفض أسعار اللحوم صعبًا، لأن ما تم استيراده من البرازيل لم يكف لكسر الأسعار في فترة يرتفع فيها الإقبال على شراء اللحوم الحمراء بشكل أكبر من باقي أشهر العام.

ورغم إرجاع البعض أن قانون مكافحة المضاربة كان سببًا في ارتفاع الأسعار، بالنظر إلى أن عقوبة السجن الثقيلة جعلت كثيرين من التجار ينأون عن تخزين كميات كبيرة لتموين السوق في رمضان مخافة الوقوع تحت طائلة هذا القانون، إلا أن محمد عيساوي يعتقد أن قانون مكافحة المضاربة يؤدي دوره كما يجب وساهم في التقليل من احتكار السلع وتخزينها بهدف رفع  الأسعار.

رئيس منظمة "حمايتك":  الجفاف الذي كان له دور كبير في عدم هبوط أسعار بعض المنتوجات الفلاحية

وإضافة إلى الجفاف الذي كان له دور كبير في عدم هبوط أسعار بعض المنتوجات الفلاحية جراء عدم توفرها بكميات مماثلة للتي سجلت العام الماضي، تبقى الفوضى التي تعرفها أسواق الجزائر، والتضخم المسجل في البلاد والعالم أحد هذه الأسباب، لذلك قد يكون تدخل الحكومة حسب البعض إن لم يفلح في خفض الأسعار في رمضان 2023، فإنه ساهم على الأقل في عدم ارتفاعها أكثرأ بالنظر إلى الظروف التي تحكم الأسواق الجزائرية.