11-يناير-2022

أمام محكمة سيدي امحمد بالعاصمة (الصورة: الإخبارية)

"مكافحة الفساد.. الحرب معلنة"، هكذا عنونت إحدى الصحف الحكومية، والتي خصصت حيّزًا مهما لموضوع مكافحة الفساد في الجزائر، في ظلّ تعزيز أدوات الرقابة والوقاية من الفساد عبر استحداث ثلاث هيئات جديدة، واحدة تتمتع بالاستقلالية بنص الدستور، والمتمثلة في السلطة الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد، والأخرى أعلن عنها الرئيس الجزائري، وهي هيئة جديدة للتحرّي في مظاهر الثراء عند الموظفين العموميين، أما الأداة الثالثة فهي تتعلق بتنصيب المفتشية العامة لمصالح الدولة والجماعات المحلية تابعة إلى رئاسة الجمهورية.

أمام ترسانة من الهيئات ستخوض حربًا ضد الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة في العقدين الأخيرين

تجدر الإشارة أن الهيئات المذكورة، يُضاف لها العمل التقليدي الذي تتكفل به المصالح الأمنية بمختلف تشكيلاتها، والتي تتمتع بالضبطية القضائية والتحري.

اقرأ/ي أيضًا: محاكمة الوزراء في الجزائر.. ثوب سياسي لقضايا فساد

 وعلى ضوئه، نحن الآن أمام ترسانة من الهيئات ستخوض حربًا ضد الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة في العقدين الأخيرين، حيث عرفت الجزائر طفرة مالية بفعل ارتفاع مداخيل العملة الصعبة، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل هل بإمكان تلك المؤسسات مكافحة الفساد فعليا؟

عَطفاً عما سبق، بداية علينا تحديد مفهوم الفساد، فبحسب البنك الدولي، الفساد هو شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة، وذلك قصد الحصول على مزايا غير مشروعة، أو إساءة استخدام السلطة لصالح الفرد.

ويَشمل الفساد عدة أشكال وأنشطة تتضمن الرشوة والاختلاس، استغلال النفوذ، التعدي على المال العام، ويرتبط الفساد الإداري والاقتصادي والمالي ارتباطًا وثيقًا بالفساد السياسي، ويتفشى الفساد في ظل الأنظمة الشمولية وحكم الاوليغارشية، ودول ينعدم فيها التداول السلمي على السلطة، وغياب أدنى معالم الديمقراطية والشفافية، وغياب العدالة وسيطرة حكم الافراد والجماعات على دواليب السلطة.

في السياق، أكيد أن استحداث هيئات مراقبة المال العام ومكافحة الفساد يُعبر عن وجود رغبة الدولة في التصدي إلى الجريمة الاقتصادية والمالية التي أنهكت خزينة الدولة وأعاقت التنمية، لكن هل يكفي تعزيز أدوات الرسمية في استئصال الفساد؟ في حين الواقع يؤكد تزايد وتفشي الظاهرة بشكلٍ أفقي، لم تثنيها حملات التوقيفات والمحاكمات التي طالت مسؤولين ووزراء ورجال المال والأعمال.

وفي ظلّ الحديث عن مكافحة الفساد، نتوقف عند تبرئة والي السابق بشير فريك، الذي قضى سبع سنوات في السجن بتهمة الفساد، ويستذكر بعضنا حملة الأيادي النظيفة التي طالت مدراء ومسؤولي الشركات العمومية، والتي أدت إلى نزيف في الكفاءات الوطنية، تَبين بَعدها تمسّك المحبوسين بالمحافظة على رصيد المؤسّسة العمومية ورفض الخوصّصة.

في سياق متصل، لقد ارتبط خطاب مكافحة الفساد بالمواعيد الانتخابية والتوازنات والتجاذبات السياسية السلطوية، فاستئصال الفساد يحتاج إلى مسارات متعدّدة، منها التشريعية والردعية، ومنها الإجراءات الميدانية التي تتجسد عبر عصرنة الجهاز الإداري في الدولة واستخدام التكنولوجية الحديثة، ورقمنة مصالح الضرائب والجمارك والبنوك وكل هيئات التي لها علاقة تماس بالمواطن والإدارة.

 ففي هذا الشأن، يجدر القول أن الجزائر تملك مليوني موظف عمومي في خط التماس الأول في تقديم خدمات والإجابة عن انشغالات المواطن، بدأ من تسليم شهادة الميلاد إلى رخصة البناء أو رخصة الإنتاج أو الموافقة والمصادقة على أي وثيقة، مليوني موظف عمومي وإداري وضعيتهم المعيشية هشة، بفعل عقود التشغيل المؤقتة، و سلم الأجور الأدنى مستوى، ولن يمنع الإرث الأخلاقي مهما تمتع به صاحبه في الحصول على مزايا أو رشوة، فخلال محاكمة أحد أعون مديرية التعمير، كشف هذا الاخير  أنه قدم امتيازات وتسهيلات لمرقي عقاري مقابل تكفله بدفع مصاريف أداء مناسك العمرة إلى بيت الله الحرام.

إن مكافحة الفساد ليس بالأمر السهل والهين، لذلك وضعت المؤسسات الدولية في مجال الحوْكمة، مؤشرات تراتبية CPI تعاين بشكل سنوي الخطوات الإيجابية في مجال ترشيد الأموال العمومية والحوكمة وتصنيف الدول.

قرار مكافحة الفساد يتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية للدولة والتي ينبغي لها أن تجد حاضنة مجتمعية تساهم في مكافحة الفساد بمختلف أشكاله

وعلى العموم فقرار مكافحة الفساد يتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية للدولة والتي ينبغي لها أن تجد حاضنة مجتمعية تساهم في مكافحة الفساد بمختلف أشكاله، دون اهمال جوانب أساسية كتطبيق مبدأ الديمقراطية التشاركية، والشفافية وحرية الصحافة، ورفع مستوى المعيشة وخفض مستويات الفقر.