23-أبريل-2020

تغيّرت اهتمامات الجزائريين في رمضان بسبب إجراءات الحجر الصحي (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

في بداية شهر شباط/ فيفري الماضي، اجتمعت العشرات من النساء وربّات البيوت في أحد المحلّات لبيع أواني المطبخ وأغراض البيوت. محلٌ استقطب الكثيرات، يقع بساحة أوّل ماي بقلب العاصمة الجزائرية، المثير في هذا المشهد أنّهن يتبادلن أطراف الحديث عن كلّ أغراض المطبخ استعدادًا لشهر رمضان قبل شهرين من المناسبة، فغالبيتهن يبحثن عن قطع جديدة، والعمل على تغيير بعض الأواني القديمة، تفاؤلًا بقدوم الشهر الفضيل، وهي من العادات التي رسّخت في العائلة الجزائرية لاستقبال هذا الشهر.

لا يختلف الجزائريون في كون العائلات الجزائرية تستعدّ لرمضان بطقوس وعادات تختلف من منطقة لأخرى

علامات قدوم الضّيف..

هذا المشهد، ليس غريبًا في الشوارع الجزائرية، وفي الأسواق الشعبية، فالمناسبة العظيمة تجعل من السّلع الجديدة محطّ استقطاب الزبائن، فقبل شهرين من قدوم الضيف العزيز، تبدأ ربّات البيوت في الاستعداد لاستقباله بأبهى الأواني وبتنظيف في المنازل، تقول السيدة نعيمة بختي لـ "الترا جزائر"، مضيفة أنها تعودت على استخدام أفضل الأطقم من أواني تزيّن بها مائدة الإفطار والسهرات الرمضانية، على حدّ قولها.

اقرأ/ي أيضًا: مغتربون جزائريون قبيل رمضان.. بين مرارة الغربة وخطر الوباء

لا يختلف الجزائريون في كون العائلات الجزائرية تستعدّ لرمضان بطقوس وعادات تختلف من منطقة لأخرى، وبطرقٍ متعدّدة، تقول السيدة بختي، موضّحة أن عادة أواني رمضان الجديدة ماهي إلا "فأل حسن"، صارت مع مرور الزمن متوارثة بين الأسر، كطريقة للتفاؤل بشهر الرّحمة والمغفرة، حسب تعبيرها.

من بين العادات الجزائرية التي لم تحد عن قاعدة تغيير الأواني في شهر رمضان، ما يسمّى تجهيز "عولة رمضان"، التي تؤذّن بقدوم الشهر وتغيير الأجواء في الأيام العادية، وذلك بتحضير مختلف المواد الغذائية المهيأة للطبخ، خصوصًا التّوابل المصنوعة بالطرق التقليدية، وتحضير الفلفل الأخضر بالخلّ وأيضا الزيتون المحضّر بالطريقة التقليدية، وغيرها من العجائن التي تحضّر في البيوت، لاستهلاكها طيلة أيام رمضان.

مظاهر خافتة مع الفيروس

الظروف تغيّرت من شهر إلى شهر، غابت بعض المظاهر التي تعود عليها الجزائريون، إذ خفتت في بداية شهر آذار/مارس الماضي، بعد اكتشاف أولى حالات الإصابات بفيروس كورونا، وما تلتها من قرارات غلق للمحلّات طيلة أيّام الحجر الصحّي، وتغيرت معها الأنظار نحو انتظار محاربة الفيروس ورفع الأيادي للسماء لرفع البلاء، رغم ارتباط الأسر باستعداداتها لرمضان.

تغيّرت اهتمامات الجزائريين، وباتت خطورة الفيروس  حديث العام والخاص، بعدما أدخل السكان البيوت بالتزام تدابير الحجر الصحّي، وإجراءات حظر التّجوال، وغابت تحضيرات كانت تشهدها المساجد كلّ سنة، إذ التزم كثيرون في السابق بتنظيف البيوت وتزيينها ترقّبًا لبلوغ هلال بدء شهر رمضان، وكانت المساجد تتزيّن بأيام قبل استقبال الشهر الفضيل، وهو ما ألغي هذه السنة بعد إلغاء الصلاة في المساجد وتعليق صلاة التراويح.

هذا المعطى، أحدث قلقًا كبيرًا لدى العائلات. إذ أنّ كثيرين كانوا يتلهّفون لتأدية صلاة التراويح في المساجد، كما تعوّدوا عليه كل عام، ومنهم من يعبّر عن عدم صبره على هذا الوضع بالبقاء في البيوت، "حلاوة  رمضان في تلك الأجواء الروحية التي تتزيّن لها بيوت الرحمان" يقول فضيل بومايدة في حديث إلى "الترا جزائر"، لكن "الحكمة هي في اتّقاء أضرار الفيروس المُعدي" على حدّ تعبيره.

كثيرون يتحسّرون أيضًا على قضاء سهرات رمضان هذه السنة في البيوت، بعدما كانت الحياة عقب الإفطار تدبّ في المقاهي والمحلّات في الليالي الرمضانية، حيث كانت العائلات في السّابق تتمسّك بزيارة الأقارب، والاستجابة لدعوات الأهل والأحباب في ليالي شهر الصّيام، إذ تتحدّث السيّدة منيرة لـ "الترا جزائر"، أنّها تعوّدت على قضاء شهر رمضان بشكلٍ مختلف عن أيام السنة، لافتة إلى أنها تقطن في حيٍّ شعبي، تعودت فيه على تبادل الزيارات بين الأقارب، والأصدقاء، متأسّفة على أنها ستكتشف رمضان دون عادات متجذّرة في الأسرة الجزائرية، تفاديا للتجمعات والعدوى بسبب كورونا".

مطاعم الرّحمة؟

تعوّدت الجزائر على انتشار مطاعم الرحمة في معظم بلدياتها، كمظهر من مظاهر الصيام، منها ما هو تابع للهلال الأحمر الجزائري، ومنها ما هي تابعة لخواص من الميسورين والمحسنين، وبعضها تتكفّل به جمعيات الخير، وجمعيات إفطار الصائمين، وخصوصًا تلك التي تتكفّل بإفطار المشرّدين والأشخاص دون مأوى، والموجّهة أيضا لإفطار المسافرين وعابري السبيل، على مستوى الطرقات السريعة.

اللاّفت، في رمضان الفائت، انتشار مبادرات الإفطار الجماعي للعائلات في الشوارع في عديد المدن الجزائرية، بل وأكثر من ذلك إذ عاش الجزائريون مبادرة الإفطار الجماعي في الحراك، بعد مسيرات شعبية في أيّام الجمعة خلال الشهر الفضيل العام الماضي، في صور ومشاهد للتراحم بين الجزائريين، يقول فيصل زياني من منطقة باتنة شرقي البلاد، لـ "الترا جزائر"، مضيفًا أن رمضان الماضي، كان في ظرف سياسيٍّ واجتماعيٍّ خاص، اتّسم بالمسيرات الرافضة لرموز نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وذو رمزية إيجابية ترسم التراحم والتضامن بين الجزائريين، على حد تعبيره.

انتشار فيروس كورونا، لم يغيّر سلوك الناس وطبيعة العلاقات الاجتماعية والمهنية فقط منذ ظهوره في الجزائر

بركة رمضان

هذا العام، سيكون رمضان أكثر خصوصية من سابقه، إذ أنّ انتشار فيروس كورونا، لم يغيّر سلوك الناس وطبيعة العلاقات الاجتماعية والمهنية فقط منذ ظهوره في الجزائر، لكنه سيغيّر أيضًا، عادات الجزائريين وتقاليدهم المتوارثة في شهر رمضان، إذ أن الجزائريين في الشوارع غالبًا ما يدّدون مقولة "رمضان يأتي ببركاته"، وهو الأمل الذي يرفع من مناعة الجزائريين النفسية، رغم أيام الحجر الصحّي والاجتماعي في هذا الشهر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عروضٌ افتراضية.. هل يملك الفنّ القدرة على كسر الحجر؟

الكاميرا الخفية في الجزائر.. برامج "الرعب" تستثمر في وباء كورونا