13-يوليو-2020

عدد الإصابات بفيروس كورونا تضاعف في الأسابيع الأخيرة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أثار تتابع القرارات والتدابير الصادرة عن السلطات الجزائرية للسيطرة على الوضع الوبائي، وتناقضها أحيانًا بين رفع للحجر الصحي، ثم العودة إلي بعض تدابيره، قلقًا بين الجزائريين من وجود ارتباك لدي السلطات العمومية، في تقدير الموقف وتقديم قراءة صحيحة لمعطيات الأزمة الوبائية، ووضع خطّة عمل منتظمة للسيطرة على المستجد الصحّي اليومي، في مقابل ارتباك لدى المواطن خصوصًا أن المنظومة الصحية في الجزائر، ظهرت في وضعية مزرية، وباعترافات المسؤولين في القطاع  في الجزائر.

لم يوفق مسؤلو هذه الهيئات الإدارية، ممثلين في الولاة ورؤساء الدوائر والبلديات، في الإحاطة بالأزمة وتطبيق التدابير الوقائية

تجريب الخطة

خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، تتالت القرارات والمخططات لمكافحة الفيروس وانتشاره في أكثر البلديات، غير أن المخطط عرف تراخيًا كبيرًا منذ شهر رمضان المنقضي، وباتت الجزائر تسجل أكثر الحالات، وبقي منحنى الوفيات يوميًا، إذ تُعلن لجة رصد ومتابعة الوباء عن إصابات تقارب الـ 500 حالة يوميًا، في مقابل واقعٍ مزرٍ في المستشفيات.

اقرأ/ي أيضًا: المجلس الوطني المستقل للأئمة يدعو إلى فتح المساجد وعدم إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي

من بين أكثر المؤاخذات على السلطة في الجزائر، منذ ظهور الأزمة الوبائية لفيروس" كوفيد- 19"، تسيير الأزمة وفق آليات إدارية، كانت أخفقت في تسيير ملفات أقلّ بكثير من أزمة كورونا، وأبسط من تعقيداتها، كتسيير "قفة رمضان"، والمساعدات الاجتماعية وغيرها من الأزمات الأخف من أزمة صحيّة طالت لأزيد من أربعة أشهر.

 ولم يوفق مسؤلو هذه الهيئات الإدارية، ممثلين في الولاة ورؤساء الدوائر والبلديات، في الإحاطة بالأزمة وتطبيق التدابير الوقائية التي طرحتها اللجنة العلمية منذ آذار/مارس الماضي، بسبب استمرار العمل بالطرق  التقليدية نفسها، في التنظيم والمراقبة البيروقراطية التي لم تعط أية نتائج مرضية.

يضاف إلى كلّ هذا معضلة التداخل بين الأجهزة الإدارية والقطاعات الصحية، وضعف التنسيق بينها، وهو ما اعترف به أخيرًا الرئيس عبد المجيد تبون بوضوح، عندما حمّل الولاة والمسؤولين الإداريين والمسيرين، مسؤولية ضعف التنسيق فيما بينهم ومع السلطات المركزية في تنظيم إدارة الأزمة، بغض النظر عن "مسؤولية بعض المواطنين الذين لا يحترمون الإجراءات الوقائية المعمول بها" .

هنا، يعتقد الباحث في الأنظمة الإدارية صالح سعودي، أن استمرار اعتماد السلطة المركزية على ما يصفها بكتل إدارية ثقيلة الحركة ومعقدة بشبكة من الأنظمة البيروقراطية التي تبدي بطئًا في تقدير الموقف و تعرقل الصدور في الوقت المناسب للقرار المحلّي، لتسيير الأزمة ونتيجة للانضباط الزائد بالقرارات المركزية، التي لا تتناسب أحيانا مع خصوصيات منطقة أو وضع محلي، زاد من صعوبة تسيير الأزمة بالشكل المطلوب، ولفت سعودي في تصريح لـ "الترا جزائر" إلى عامل آخر يتعلق بتأخر السلطة السياسية في تحرير القرار المحلّي وترك الفرصة للمسئولين المحليين، لاتخاذ القرارات المناسبة بناءً على ما يتطلّبه الوضع والتقديرات العلمية، حيث انتظرت الحكومة حتي الشهر الرابع من الأزمة الوبائية، للسماح للولاة ورؤساء المجالس المحلية باتخاذ قرارات ذات طابع محلّي بما فيها ما يتّصل بالحجر الصحّي وتدابيره.

السلطة المركزية

يتفق مع هذا الطّرح، الأستاذ المختص في علم الاجتماع مصطف راجعي، إذ تحدث عن "حضور الدولة الكامن وراء السلطة المركزية" موضحًا أن هذه الأخيرة" تحاصر الجميع، عبر "القيود التشريعية والتنظيمية " التي تجعل الفرد الجزائري في كل المناطق عاجزًا أمام الأزمة، في انتظاره للقرارات، خصوصًا بالنسبة للسلطة المحلية، التي بدورها " عاجزة عن التصرّف حيال الواقع في نطاقها الجغرافي"، رغم أن السلطة المحلية الممثلة في البلديات "مطلعة عن واقعها في حيزها الضيّق وليس السلطة المركزية".

في هذا السياق، يشير الباحث راجعي إلى "محدودية  الإدارة أو الحكومة، فهي - أي الأخيرة - عبارة عن أشخاصٍ محدودي المعرفة بالواقع في الداخل الجزائري، ولكنهم يعتقدون أنهم بامتلاك القانون يمكنهم أن يسيطروا على واقع لم يطلعوا عليه" حسب رأيه.

وبخصوص الأزمة الحالية، اقترح الأستاذ راجعي في خضم حديثه حلًا عاجلًا، بـ "أن تسمح الدولة لكل من رئيس بلدية أو مسؤول في قرية أو وحدة صغيرة، اتخاذ القرارات المناسبة لمشاكلهم الحالية، حتى تكون المسؤولية ملقاة على المسؤول المحلي أمام الساكنة في تلك البلديات والقرى" .

خطاب الطمأنة 

خلال الأزمة، اعتمدت السلطات وفتحت الباب واسعًا لمشاركة الجمعيات والمنظمات وفعاليات المجتمع المدني في التحسيس، والتوعية وتغطية جوانب اجتماعية وفي الوصول إلى مناطق محرومة وفي توزيع الكمامات، وتوفير التجهيزات لصالح المستشفيات، لكن هذا الاعتماد لم يكن منهجيًا ومنتظمًا، ناهيك عن الغايات والتركيز على الحضور والصورة دون هدف جدي، ومع غياب تنظيم جيّد لقوى المجتمع المدني لم يكن ممكنًا الاستفادة الجيدة من هذا الحضور، بدليل أن ولاية سطيف التي تضمّ أكبر عدد من الجمعيات النشطة في الجزائر، لم تحظ بالأزمة الوبائية وباتت أكبر ولاية تعرف معدّل إصابات بالفيروس.

لم تخل أزمة كورونا، من التوظيف السياسي، إذ بات النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطاردين، إذ أشاحوا اللثام عن عدة تجاوزات في المستشفيات، مثلما حدث في قسنطينة وباتنة وبسكرة والمسيلة، أو تم فضح عدّة وقائع عبر المؤسسات الصحية عبر الولايات.

كما سبق أن أوقفت السلطات الأمنية، الأستاذ عالم الاجتماع شرف الدين شكري، بعد دعوات وجهها عبر تسجيلات فيديو لمكافحة وباء كورونا المتفشي في ولاية بسكرة، وفي مناطق عدة من الوطن، ونداءاته بأن الوضع خطير وكارثي في القطاع، وأطلقت سراحه  بعد مثوله أمام الجهات القضائية بمحكمة بسكرة شرقي البلاد، في انتظار محاكمته.

كل هذا، ينافي للخطاب السياسي الذي يصدر عن الجهات الوصية، الذي يحتوي على رسائل طمأنة، رغم أن التهدئة "جزء من أجزاء حلّ الأزمة، إذ لا ينفع الترهيب والتخويف"، ولكن في الجهة المقابلة يقرّ المتخصّصون في اتصال الأزمات أن "الحلول المقترحة لمواجهة خطورة الوضع، هو التقيد بمخططات ذات مستويات عمودية، ننتقل فيها في معالجة الأزمة من مخطط إلى آخر، دون أن نخلّ بتسيير الأزمة من جوانب علمية واقتصادية واجتماعية".

من جهتها،عزت الأستاذة في الإعلام والاتصال، حسينة بوالشيخ، مجريات الوضع الحالي، إلى سببين رئيسيين، الأول بوجود "فئة تنكر وجود الوباء أصلًا، أمّا الثاني كامن في طريقة التعاطي مع الوباء".

وشرحت الأستاذة بوالشيخ لـ "الترا جزائر"، أن "كل المؤشرات جعلتنا نلمس ضعف في الاتصال وعدم اعتماد خطة اتصال أزماتية منذ ظهور أولى حالات المرض"، موضّحةً أن التقارير التي ترفعها مديريات الصحة، أثبتت أنّ "بعض الأخطاء في التشخيص أو تأخره، فحدثت حالات دفن كثيرة مشبوهة لمرضى اتضح أنّ نتائجهم كانت سلبية، فحدث نوعٌ من فقدان الثقة في التصريحات والأرقام الرسمية"، حسب تقديرها.

وختمت المتحدثة، بأن الخطورة في هذا الوضع، نابعة من إطالة عمر إيجاد حلول لتطويق الأزمة، والتي طالت معها فترة الحجر، وقلق كبير في الأوساط الاجتماعية بسبب تأثر الوضع الاقتصادي للمواطنين.

الواقع شيء آخر

وبناءً على ما سبق، فإن الملفت للانتباه أن تسيير الأزمة الصحية، كان على مستويين، مستوى تصريحات وخطابات ومستوى واقعي، إذ كان المستوى الأول يتعلق فقط بالقرارات والتدابير والبيانات والتعليمات المرسلة للسلطات المحليّة في الولايات والبلديات، مع تشديد التدابير والإجراءات لمكافحة الفيروس، أما المستوى الثاني، فهو تنفيذ تلك التدابير فعليًا في الأرض، وهو المستوى الأهم والأصعب يقول المتابع للشأن العام الجزائري الباحث في علم النفس من جامعة الجزائر -بوزريعة، سليم بوساحة، فالأول كان بعيدًا كل البعد عن الثاني، بدليل : "عدم امتثال المواطنين للإجراءات في الكثير من المناسبات، كاستمرار حفلات الزواج، رغم منع العقود في البلديات، فضلًا عن الالتزام بارتداء الكمامة في التجمعات التجارية كالأسواق، والمحلّات".

الباحث سليم بوساحة: حالة الاستسهال كانت نتيجة عدم تنفيذ الإجراءات الردعية وحالة الاختناق الاقتصادي

واعتبر الباحث بوساحة أن حالة الاستسهال التي طبعت الأسابيع الماضية في ظل الحجر الصحّي، راجعة إلى عدة أسباب أهمها: "عدم تنفيذ قرارات ردعية شديدة على المتهاونين في تطبيق التدابير، إضافة إلى عدم اكتراث المواطن بالفيروس الذي اعتبره حدث عابر أو غير موجود من أصله، علاوة على حالة الاختناق الاقتصادي لدى قطاع واسع من التجار والعمال لدى الخواص، مضيفًا أن المواطن باشر المواطن في رحلة بحثه عن الزرق واضعًا حياته في كفة ورزق أبنائه في كفة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد إجراءات رفع الحجر تدريجيًا.. استياء شعبيّ من تمديد غلق المساجد

بن بوزيد: لن يكون هنالك حجر صحي وطني وملتزمون بشفافية أرقام كورونا