30-مايو-2020

أحد شوارع مدينة سعيدة غربي الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

أظهر قطاع واسع من الجزائريّين التبرّم من الحجر المنزليّ وتضايقهم منه، فتفاعلوا بإيجابيّة مع الخبر الذّي راج قبل عيد الفطر بخصوص رفع الحجر بعده. فكان قرار التّمديد وإضافة ساعتين إلى فترة منع الخروج على الأشخاص والمركبات، حيث صارت عتبة المنع السّاعة الخامسة مساءً عوضًا عن السّابعة، في حكم الصّاعقة عليهم.

نسبة كبيرة من الجزائريّين تعاملت مع قرار التّمديد بروح تجاوزت الرّفض إلى الدّعابة

ظهر الاستياء من القرار الحكوميّ الجديد، في الواقع والمواقع. ووصل البعض إلى درجة الدّعوة إلى التمرّد على القرار، فيما أشار البعض إلى أنّ الحكومة نفسها لا تحترم شروط التّباعد الاجتماعيّ، من ذلك ترخيصها لانعقاد مؤتمر حزب سياسيّ حضره المئات في قاعة مغلقة، "فما المانع بعدها من فتح الأسواق والمساجد والمطاعم والمقاهي؟". يتساءل التّاجر رابح جريبات.

اقرأ/ي أيضًا:  البليدة.. مدينة الورود التي تُقاوم الوباء

يضيف: "إنّ حكومةً لم تحترم شروط الحجر في الأمور التّي تخدم مصالحها، ولم تقم بالتّعويض للمتضرّرين منه، ولم تفكّر في مساعدة العامل غير المؤمّن، ليس من حقّها أن تُلزم المواطنين بأن يقبلوا التّمديد الجديد".



غير أنّ نسبة كبيرة من الجزائريّين تعاملت مع قرار التّمديد بروح تجاوزت الرّفض إلى الدّعابة بالتّركيز على إبداء الرّغبة في السّفر إلى ولاية سعيدة، 500 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، والاستقرار فيها، لأنّها كانت واحدة من الولايات القليلة التّي لم يشملها التّمديد، إذ سجّلت صفر إصابة بفيروس كورونا، على مدار أيّام متوالية.

كلّ الولايات الأخرى التّي أعفيت من التمديد، تندوف وإليزي وتمنرست، تقع في أقصى الجنوب، حيث تتجاوز درجة الحرارة 50 درجة، فلم يُدرجها الجزائريّون ضمن أحلامهم بالسّفر إليها والإقامة فيها، وبقيت ولاية سعيدة وحدها محطّ أحلامهم، هروبًا من الحجر المنزلي، لأنّها تقع في الشّمال القريب من البحر.

كتب الممثّل سيد علي ربّاحي في منشور فيسبوكيّ له: "فلنذهب إلى سعيدة، فإنّ بها ملكًا لا يُحجر عنده أحد"، اقتباسًا من الحديث النّبويّ "اذهبوا إلى الحبشة، فإنّ بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد". وأردف بمنشور ثانٍ: "لست أفخر عليكم. سأخطب من ولاية سعيدة"، في إشارة إلى أنّ الولاية باتت محطّ فخر واعتزاز.

فيما استحضر قطاع واسع من "الفسابكة"، في سياق الحلم بالهروب من الحجر المنزليّ الى ولاية سعيدة، أغنية "سعيدة بعيدة والمشينة غادية" التّي كتب كلماتها شاعر الملحون الشّيخ زروال، خلال الحرب العالمية الثانية، وغنّتها نخبة من الفنّانين القدماء والمحدثين، مثل الشّيخة الرّيميتي والشّاب مامي.

يقول النّاشط عبد الرّحمن هيلول إنّ الجزائريّين لم يتطلّعوا إلى الإقامة في ولاية سعيدة هروبًا من العطالة من العمل المترتّبة عن الحجر المنزليّ، بل هروبًا من الإحساس بالقرف. يقول: "لم يكن العمل يومًا هاجسًا شعبيًّا، في ظلّ سيادة الدّولة المانحة، بل كان وما يزال التّرفيه والخروج إلى الفضاءات العامّة هو الهاجس الشّعبيّ العامّ. ويسأل محدّث "ألترا جزائر": أتفهّم أن تصبح ولاية سعيدة مهوى أحلام الجزائريّين، في ظلّ وطأة الحجر، لكن لماذا لم يسألوا عن الأسباب التّي جعلتها تقضي على الوباء، فيعملوا بها في ولاياتهم، حتّى يُخرجوها من دائرة التّمديد؟".



وإذا كان يجوز لنا التّحفظ على قرار الحكومة بالتّمديد، يقول عبد الرّحمن هيلول، فإنّ استثناء الولايات التّي تغلّبت على الفيروس جدير بالتّثمين، فمن شأنه أن يخلق منافسة حميدة بين الولايات ادارةً ومواطنين. يختم: "أدعو الحكومة إلى إطلاع الجزائريّين على الإجراءات التّي اتّبعتها هذه الولايات حتّى استطاعت أن تحقّق هذه النّتائج المبهرة".

ونقرأ في الصّفحة الرّسمية لأمن ولاية سعيدة الإشادة بحرص سكّان الولاية على احترام شروط التّباعد الاجتماعيّ، والانسجام مع إجراءات الحجر المنزليّ. يقول نصّ الإشادة: "تجاوب مواطني ولاية سعيدة مع تطبيقات الحجر الصّحيّ خلال أوّل يوم لعيد الفطر. إنّه الوعي الصّحّي والتّجاوب الإيجابيّ، من خلال المعاينة الميدانيّة. تحيّة شكر وتقدير".

ترى الإعلاميّة فاطمة بن شعلال أنّه لا ينبغي على ولاية سعيدة أن تغرق في الانتشاء وتغفل عن اتّخاذ الاحتياطات

وترى الإعلاميّة فاطمة بن شعلال أنّه لا ينبغي على ولاية سعيدة والولايات التّي تجاوزت الوباء أن تغرق في الانتشاء وتغفل عن اتّخاذ الاحتياطات اللّازمة التّي تقيها العودة إلى المربّع الأوّل، "أرى أنّه من المستحسن إغلاقها بحيث لا يخرج منها أهلها ولا يدخلها الغير. الرّفع الكليّ للحجر بهذه الولايات يعني أنّها تعافت تمامًا من فيروس كورونا، وإبقاؤها مفتوحة للخروج منها والدّخول إليها كفيل بأن يعيد إليها انتشار الفيروس مجدّدًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"البليدة" الجزائرية.. مدينة الورود الساحرة

وزيرة الثقافة: تصنيف مدينة مليانة ضمن القطاعات المحفوظة في الجزائر