03-يناير-2020

تستثمر السلطة في الماضي الاستعماري لمغازلة الشارع (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

وجدتُ نفسي في اليوم العالميّ للّغة العربيّة أمام جملة من الأسئلة التّي، لم أتمنَّ أن أجد نفسي أمام إجابتها لأنّني أعرفها مسبقًا: لماذا لم ترفع حكومة نور الدّين بدوي التّجميد عن قانون تعميم استعمال اللّغة العربيّة، في ظلّ قولها وقول من أبقاها إنّ ثمّة حالة حرب تحريرٍ ثانيةٍ مع فرنسا؟

لماذا تمّت إثارة حفيظة فرنسا برفع حظوظ اللّغة الإنجليزيّة في المفاصل التّربويّة والجامعيّة؟

لماذا تمّت إثارة حفيظة فرنسا برفع حظوظ اللّغة الإنجليزيّة في المفاصل التّربويّة والجامعيّة، ولم يتمّ ذلك برفع التّجميد عن القانون المذكور؟ إذ قال وزير التّعليم العالي إنّ الجامعة الجزائريّة ستعتمد لغة شكسبير عوضًا عن لغة فولتير لغةً ثانية في البحث. "وهو ما سيسمح لها بأن تحسّن ترتيبها العالميّ"، من غير أن يخبرنا عن الآليات التّي يتحقّق بها هذا الانتقال اللّغويّ.

اقرأ/ي أيضًا: البطاطا.. من بوتفليقة إلى تبّون

لماذا استمرّت نشرات التّلفزيون الحكوميّ في تمرير التّصريحات التّي بالفرنسيّة من غير ترجمةٍ وكأنّها لغة وطنيّة؟ بحيث تتمّ ترجمة التّصريحات التّي تكون بالإنجليزيّة والصّينيّة والرّوسيّة، بل إنّه تمّت أحيانًا ترجمة التّصريحات التّي باللّغة الأمازيغيّة التّي هي لغة أصيلة في الفضاء الجزائريّ وهي لغة وطنيّة بنصّ الدّستور القائم والمعدّل عام 2016، لكن إذا كان ثمّة تصريح باللّغة الفرنسيّة، فإنّه يمرّ من غير ترجمة لإعطاء انطباع بأنّها لغة أصيلة لدى الجزائريّين.  

ولماذا استمرّت القنوات غير الحكوميّة التّي وحّدها هاشتاغ #الجزائر_تنتخب ثم هاشتاغ #الجزائر_تنتصر في بثّ أفلام السّهرة باللّغة الفرنسيّة، في عزّ تقديمها لرئيس الأركان قبل رحيله على أنّه الباديسيّ النوفمبريّ الذّي استعاد الجزائر من القبضة الفرنسيّة؟ إذ كيف يصحّ في الأذهان استرجاع البلاد من تلك القبضة من غير استرجاع الهوّيّة اللّغويّة؟

ثمّ ألم يُدشّن السّيّد عبد المجيد تبّون تبّون، رئاسته بإظهار كونه مستقلًّا عن فرنسا وأنّه ندّ لرئيسها، فراح يقول إنّه لن يردّ على تصريحات إيمانويل ماكرون المنافية للأعراف الدّيبلوماسيّة، إذ عوضًا عن تقديم التّهنئة للرّئيس الفائز راح يحثّه بنبرة أبويّة رغم أن الفارق في السنّ بينهما يصل إلى أربعين عامًا، على ما يجب أن يفعل في تعامله مع الحراك الشّعبيّ والسّلميّ؟ فلماذا لم يتعامل معه خلال المكالمة الهاتفيّة التّي هنّأه فيها لاحقًا بإحدى اللّغتين الوطنيِّتين لا باللّغة الفرنسيّة؟

الأكثر من هذا أنّ الرّجل لجأ إلى اللّغة الفرنسيّة في أوّل نشاط رئاسيّ له خارج قصر المراديّة، حين افتتح معرض الصّناعات الوطنيّة، ليس في تواصلاته مع رجال الأعمال الذّين التقاهم في المعرض فقط، بل في حديثه من رجالات المؤسّسة العسكريّة أيضًا، وهي مؤسّسة سياديّة، حيث أدّى سلوكه اللّغويّ هذا إلى إحداث صدمة لدى الجزائريّين، بما فيهم أنصاره والمتحمّسون له. حتّى أنّ قطاعًا واسعًا منهم، انتبه إلى أنّ الرّئيس كان يتحدّث بالفرنسيّة في الوقت الذّي كان مدير مجمّع "الصومام" المتخصّص في الحليب ومشتقاته، كان يتحدّث باللّغة العربيّة هو المنحدر من منطقة بجاية الأمازيغيّة.

لماذا لم تراسل وزارة الخارجيّة السّفارات المعتمدة في الجمهوريّة، بضرورة اعتماد إحدى اللّغتين الوطنيّتين في المراسلات الرّسميّة لا باللّغة الفرنسيّة؟

 إنّ الجماعة يُدركون أنّ ثمّة شطرًّا واسعًا من الشّعب، يملك حساسيةً عمياءَ من كلّ ما هو فرنسيّ، لذلك يكفيهم القول إنّهم ضدّ فرنسا ليستطيعوا جعلَه يصدّق، في واحدةٍ من أبغض الابتزازات باسم الحسّ الوطنيّ، أمّا على مستوى الواقع، فالعكس هو الحاصل تمامًا وسيبقى حاصلًا.

أنتم فعلًا نوفمبريّون؟ وتريدون فعلًا وقولًا إن تغيضوا فرنسا؟

وهو المعطى الذّي يجعلنا نواجههم بهذا السّؤال: أنتم فعلًا نوفمبريّون؟ وتريدون فعلًا وقولًا أن تغيضوا فرنسا؟ إنّ ثمّة طريقة وحيدة لذلك هي دمقرطة الحياة السّياسيّة، وتحرير الكفاءة والعدالة والصّندوق، وتكريس الإيمان بالتّعدد وسلطة القانون. أمّا ما دون ذلك فلا يعدو الأمر أن يكون داخلًا في سياسة الإلهاء والاستغباء وابتزاز الضمائر باسم القيم الوطنيّة الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا:

تسييس الحِداد.. من تقديم العزاء إلى نظرية التصفية

هل يتبنّى تبّون نظرة القايد صالح للحراك؟