23-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

كنت أعتقد أن اللقاء الذي جمع الرئيس عبد المجيد تبون، بمدراء وسائل إعلامية ورؤساء تحرير، يُناقش القضايا الحقيقية لهذا القطاع؛ تلك التي تجعل الوسائل الإعلامية لا تستطيع تغطية الحراك الذي يخرج فيه مئات الآلاف من الجزائريين كلّ جمعة، ويرفعون فيه شعارات مناوئة للسلطة، أو تلك التي تجعلهم لا يستضيفون معارضي تبّون نفسه ومنتقديه، في بلاتوهات التلفزيون العمومي والخاص.

ربّما كان تبون ومحيطه، يعتقدون أن هذه الندوة ستقدّم صورة وردية عن تفتّح السلطة على وسائل الإعلام

ما قام به الرئيس تبون، هو أنه أحضر مجموعة من مدراء المؤسّسات الإعلامية، وأدار بهم ندوته الصحافية، أو سمح لهم بطرح بعض الأسئلة حول برنامجه ودستوره أمام الكاميرات فقط.

اقرأ/ي أيضًا: رئاسة الجمهورية "تتوعّد" الصحافيين وتحذّر من الدعاية خارج بياناتها

كان من المفروض أن يناقش اللقاء الذي يجمع رئيسًا بمدراء وسائل إعلامية، القضايا التي تهمّ الإعلام فعلًا، لا أنّ يوظّفهم في ندوته للقيام بدور صحافيين عاديين، وهي مهمّة كان يستطيع صحافيو هذه المؤسّسات المبتدئون القيام بها.

لقاء تبون بمدراء وسائل إعلامية، هو إدانة لتبون نفسه، فمن شاهد اللقاء، سيكتشف حالة البؤس التي آل إليه وضع الإعلام الجزائري، إذ اقتصر المشهد على مجموعة من مسؤولين بوسائل إعلامية، تحلّقوا حول الرئيس، وطرحوا أسئلة سطحية مجانبة للقضايا الحقيقية التي يعيشها الإعلام.

كميّة الأوراق التي كان الصحافيون يقرأون منها الأسئلة، خلال لقائهم مع الرئيس، كان يوحي بأنّ هناك أسئلة جاهزة وُزّعت عليهم مثل أوراق الامتحانات الفجائية، وما كان عليهم سوى قراءتها حرفيًا.

هل يمكن أن نتصوّر، أن مديرًا لمؤسسة إعلامية يُفترض أن يلتقي برئيس الجمهورية لمناقشة قضايا الإعلام، يطرح السؤال الآتي: متّى يتم تعديل الدستور؟ ومتى تجرى انتخابات تشريعية مسبقة؟ وهل هناك انتخابات محليّة مسبقة؟

هل كان يجب جرّ مديري مؤسّسات إعلامية، من أجل طرح مثل هذه الأسئلة التي أجاب عنها تبون في لقاءات صحافية سابقة؟ هل انتهت كلّ مشاكل الصحافة في الجزائر، ليصبح دستور الرئيس القادم هو أهمّ ما يشغل بال الصحافيين؟ ألم يكن الأجدر بهم أن يستدعوا مجموعة من المواطنين البسطاء لطرح هذه الأسئلة، بدل إحضار مدراء مؤسسّات إعلامية؟

أعتقد أن المشكلة ليست في الرئيس تبون؛ فالرئيس ومن يحيطون به، لا علاقة لهم بالإعلام، ولا يُستبعد أن يكون هذا الإخراج المملّ صادرًا عنهم، ولكن المشكلة في القائمين على هذه المؤسّسات الإعلامية، الذين رضوا بممارسة هذا الدور أمام كاميرات تلفزيوناتهم.

هناك أمر آخر محيّر، وهو إذا افترضنا أن اللقاء الذي جمع تبون بمدراء ورؤساء تحرير، كان لـ "تنوير الرأي العام" كما زعم البعض، فهل كان من الضروري إحضار مسؤولي الوسائل الإعلامية؟ ثم لماذا يحتكر تبون تنوير الرأي العام؟ ألم يكن يجدر به أن يرفع الآلة القمعية عن الإعلام، لتغطية الحراك الشعبي، واستضافة المعارضين، وإطلاق سراح المدوّنين الذين انتقدوه في تدوينة فيسبوكية، لتنوير الرأي العام؟ ألم يكن هؤلاء يقومون بدورهم في تنوير الرأي العام؟

ثم إذا افترضنا أن اللقاء فعلًا، مخصّص لتنوير الرأي العام، لماذا طرح الصحافيون أسئلة في كلّ المجالات، بما فيها تلك المتعلقة بحفريات الغاز الصخري، وتفادوا مناقشة القمع الذي تمارسه السلطة على وسائل الإعلام.

يبدو أن الحدث الأبرز في لقاء الرئيس مع الصحافة، هو لقاء الرئيس مع الصحافة نفسه، ففي وقت تُعتبر الندوات الصحافية للرؤساء في الدول الديمقراطية، مجرّد نشاط روتيني للرؤساء لتنوير الرأي العام، تُصبح عندنا إحدى الإنجازات التي تستدعي تقديم جزيل الثناء والشكر لسيادة الرئيس. هنا، يعبّر رئيس تحرير إحدى الجرائد واسعة الانتشار، ممّن حضروا اللقاء، عن امتنانه قائلًا: "نشكركم أنكّم وفيّتم بالتزامكم، ونشكركم على هذه المبادرة الجميلة والجريئة، التي تأتي لتطبّع العلاقات بين الرئيس وأسرة الإعلام، بعد سنوات طويلة من القطيعة غير المبرّرة، وهذه المبادرة بالتأكيد ستنوّر الرأي العام".

ربّما كان تبون ومحيطه، يعتقدون أن هذه الندوة ستقدّم صورة وردية عن تفتّح السلطة على وسائل الإعلام، ولكن العكس هو ما حدث تمامًا، فقد بدى الصحافيون كمصابين بمتلازمة ستوكهولم، غارقين في مدح من يمارس عليهم القمع. فمن أراد أن يشاهد مدى التضييق والقمع الذي تتعرّض له وسائل الإعلام في الجزائر، فعليه أن يعود إلى ندوة اللقاء الذي جمع تبون بالصحافيين.

لقاء الرئيس تبون بالصحافيين، قطع كلّ مجالات الشكّ بأنّ هناك تغييرًا مرتقبًا في مجال الإعلام

صحيح أن واقع الإعلام اليوم، يسير على عكس ما كان يصرّح به تبون في حملته الانتخابية، حيث دعا في أكثر من مناسبة، إلى رفع سقف حرّية الرأي، وأنّه مع حريّة الصحافة "إلى أقصى حدّ"، وكان البعض يدّعي أن تحقيق ذلك مسألة وقت فقط، ولكن لقاء الرئيس تبون بالصحافيين، قطع كلّ مجالات الشكّ بأنّ هناك تغييرًا مرتقبًا في مجال الإعلام، وأكّد بأن الوضع الذي يعيشه الإعلام اليوم، هو أشبه بما كان يعيشه في فترة الرئيس بوتفليقة، وربّما الفرق الوحيد بينهما، هو أنّ تبون أثبته صوتًا وصورة في لقائه الأخير بالصحافة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام الجزائري في 2019.. "سلطة راكعة"؟

 الإعلام الجزائري بعد الحراك.. خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف