14-مايو-2022

رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

أبرزت التصريحات التي أدلى بها قادة الأحزاب السياسية الستة والشخصيات الوطنية، لدى استقبالهم من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في سياق الحوارات السياسية بين الرئيس والطّبقة السياسية في البلاد، أنّ النّقاشات تركّزت حول ملفين أساسيين؛ يتعلق الأول بالإصلاحات الاقتصادية وما يتّصل بها من تأثير على الوضع الاجتماعي.

في لقاء الرئيس بالأحزاب غاب الحديث عن الملفات المتعلقة بالحريات وقضايا حقوق الإنسان والاعتقالات في الجزائر

أما الثاني فيتعلّق بالسياسة الخارجية والتطوّرات الإقليمية والدولية ذات التأثير المباشر وغير المباشر على الجزائر، ويلاحظ من كلّ هذا غياب النقاش حول القضايا السياسية والشؤون الداخلية المتصلة بملف الحريّات والديمقراطية ومعتقلي الرأي وغليان الجبهة الاجتماعية.

عجلة الاقتصاد

تتواصل الاجتماعات الثّنائية بين الرئيس ومختلف الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية تباعًا، في صورة مشاورات حول عدة مواضيع وقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، يريد بها الرئيس تبون إشراك الجسم السياسي الحزبي في خطواته المستقبلية أو احتمال كمقدّمة لما سيقبِل عليه في المستقبل فيما يتصل بمبادرة" لمّ الشّمل" التي لازالت لم تكشف بعد عن جميع خيوطها، وباتت بذلك هذه الحوارات خارطة طريق يمكن أن تتبعها عدّة قرارات في قادم الأيام.

من خلال تصريحات الوجوه الحزبية المشاركة في اللقاءات لحدّ اللحظة، ثمّة تركيز في النّقاش على الملف الاقتصادي في المستوى الأوّل، أو كما صرح به المعنيون عقب لقاءهم بالرئيس بما وصفه البعض بـ"ضرورة الإقلاع الاقتصادي"، فضلا عن التّركيز أيضًا على التّهديدات الدولية ورسم سياسات الجزائر الخارجية في المستوى الثاني.

 

📌 تصريح صحفي بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم بدعوة كريمة تلقاها رئيس الحركة...

Posted by ‎عبد القادر بن قرينة Abdelkader Bengrina‎ on Monday, May 9, 2022

والملفت أن محور النّقاشات مع الأحزاب تناول هذين الملفين، دون الحديث عن ملفّات سياسية أكثر أهمية، وذلك حسب التصريحات دائمًا، تبعث على طرح تساؤلات مهمة هل السّلطة والرئيس تبّون بصدد رسم سياسة اقتصادية جديدة، خصوصًا أمام التحولات الجارية في العالم وموقع الجزائر في علاقة مع حلفائها في مجال الطاقة، خاصة وأن الرئيس في آخر حواراته الإعلامية، مع الصحافة المحلية قال إن سنة 2023 ستكون سنة اقتصادية بامتياز؟

هنا، اعتبر المحلل السياسي، فريد قابة،أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن التصريحات التي أدلى بها رؤساء الأحزاب المعنية باللقاءات تتركز أساسًا على عصب الحركية الاجتماعية وهو الاقتصاد، وكما يقال في الحكم أو في السّلطة: "إذا تقدمت المشكِلات الاقتصادية تقهقرت المشكلات السياسية للوراء".

وأضاف الأستاذ قابة في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّ العصب الحيوي هو الاقتصاد، خصوصًا أمام الأزمة العالمية مع تداعيات فيروس كورونا، ومطالب المواطن في تحسين القدرة الشرائية تزامنًا مع التهاب الأسعار، وهو ما يمكن أن يؤثّر على جيوب الجزائريين خلال الأشهر القادمة، على حدّ تعبيره.

وقال في معرض حديثه تطرق إلى الأزمة العالمية، خصوصًا مع الحرب الأوكرانية الروسية، والتي تتأثر بها الدول المنتجة والمصدرة للغاز والبترول من باب مواقفها حيال المجتمع الدولي، وبذلك لن تكون الجزائر فيها بمنآى عن أيّ ارتدادات أو تفاعلات سياسية، خصوصًا وأن الجزائر عضو مهم في منظمة الدول المصدرة للبترول، ومن المنتجين والمزودين لعديد من الدول بالغاز وذلك "ما يجعلها محور تجاذبات سياسية وأمنية على الصعيد الدولي".

وفي هذا المضمار، وجب الإشارة إلى أن الرئيس قد فتح الموضوع أمام الإعلام المحلّي خلال لقائه مع الصحافة مؤخرًا، على اعتبار أن السنة المقبلة ستكون سنة اقتصادية كما وصفها، وهو ما يعني أو ما يؤشّر حسب المتابعين للشأن العام في البلاد، على ضرورة إعادة اختيار وزراء جُدد بإمكانهم السير في خط مساعي الرئيس في تنشيط الحياة الاقتصادية، أو إجراء عملية جراحية على الحكومة الحالية، واستخلافها بوزراء أكثر تحكّما في المجال الاقتصادي بمختلف قطاعاته، أو تعيين حكومة تكنوقراطية بإمكانها أن ترتكز على التسيير العام للشّأن الاقتصادي في مواجهة مع التداعيات الكبرى التي خلفتها أزمة فيروس كورونا خلال أكثر من عامين، وما سيترتب عن التحوّلات التي يعرفها المجتمع الدولي بسبب الحرب بين روسيا  وأوكرانيا.

مشاورات وخيارات

أمّا المؤشّر الثاني، فهو يُحيل إلى طرح سؤال جوهري ثاني مفاده: هل أن الرئيس تبون خلال حديثه مع عدد من الأحزاب، وتركيزه على القضايا الدولية والتّهديدات التي تترقبها الجزائر، يريد من ورائها إشراك الطبقة السياسية في قرارات ستتخذها الجزائر  مستقبلًا؟ وهل يعني ذلك أنه يريد إبلاغها بالمواقف التي ستتخذها الجزائر حيال القضايا الدولية في قادم الأيّام؟ 

قد تتباعد بعض المواقف التي تتخذها الجزائر حيال الأزمات التي تدور حول حدودها، خاصّة ما تعلق بالأزمة الليبية وتعدد المواقف الدولية إزاءها، وخاصة وأن الجزائر مقبِلة على احتضان القمة العربية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وتحتاج إلى إيجاد إجماع عربي حول عديد الملفات التي ستطرحها في القمة.

في هذا السياق، ذكرت بعض الأصوات في الجزائر، أن المشكلات الإقليمية تؤثّر كثيرًا على علاقات الجزائر بجيرانها وبحلفائها، إذ أكدت الباحثة في العلوم السياسية كريمة بوفناية أن الجزائر تعتمد على سياسية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدّول، غير أنها في المقابل من ذلك لها سيادة كاملة في اتخاذ أي قرارات تتعلق بأمنها الجيو-إسراتيجي، لافتة في إفادة لـ"الترا جزائر" أن الدولة الجزائرية تروم إلى لعب دور محوري وفعال في الساحة الدولية، على حدّ قولها.

مغلقة أم مؤجلة؟

رغم أهمية، هذين الملفين، وتداعياتهما على السّاحة الداخلية، إلا أن الملاحظة المهمة هي غياب مؤشرات عن وجود نقاش بين الرئيس وقادة الأحزاب لحدّ اللحظة حول قضايا السياسية الداخلية، تتعلّق أساسًا بالحريات وقضايا حقوق الإنسان والاعتقالات في الجزائر، إلا ما اتصل بما يوصف بـ"ضرورة تقوية الجبهة الداخلية".

لكن الملاحظة الأخيرة، فإن كلّ من الثلاثي رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ورئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان والوزير لأسبق عبد العزيز رحابي، جميعهم عوّدونا على إثارة الملفّات السياسية في علاقة بالحرّيات، غير أنهم جميعًا لم يقدموا هذه أي مؤشّر في تصريحاتهم عن فتح هذه الملفات مع الرئيس.

لا رغبة للسلطة في مراجعة المسائل السياسية ذات البعد الحقوقي وملفّات الحريات التي تظلّ ملفّات "حارقة"

وتأسيسًا على ما سبق، تعطي هذه اللقاءات انطباعًا بأنّ التغييرات المرتقبة من قبل الرئيس قد تكون ذو بعد اقتصادي فقط في علاقات بالسياسات الخارجية، وأن الخيارات التي ستتخذها الرئاسة قبل استكمال السنة الثالثة من عمر العهدة الرئاسية الأولى، ستكون موجّهة نحو تكثيف الاستثمارات، كما أنه لا رغبة للسلطة في مراجعة المسائل السياسية ذات البعد الحقوقي وملفّات الحريات، التي تظلّ ملفّات "حارقة" ذات أبعاد مُؤثِّرة في استقرار البلاد، حسب وصفها.