12-أبريل-2022
أبطال مسلسل عندما تجرحنا الأيام (فيسبوك/الترا جزائر)

أصبحت الوجبات الدراميّة التّي تقدّمها القنوات التّلفزيونيّة الحكوميّة والمستقلّة؛ خلال كلّ موسم رمضانيّ، محلَّ تنافس بين هذه القنوات؛ لأنّها باتت محلَّ اهتمام واسع لدى الأسرة الجزائريّة؛ على اختلاف مكوّناتها بما فيها الجيل الجديد الذّي إن فاتت قطاعًا واسعًا منه المشاهدةُ مباشرةً من القناة أثناء البثّ الأصلي؛ فهو يتابع لاحقًا من خلال مواقع التّواصل الاجتماعيّ.

ولم يعد يخلو أيّ موسم رمضانيّ من جدالات ونقاشات بخصوص الموادّ الدراميّة التّي تقدّمها القنوات الجزائريّة

ولم يعد يخلو أيّ موسم رمضانيّ، حتّى قبل أن يكتمل، من جدالات ونقاشات بخصوص الموادّ الدراميّة التّي تقدّمها القنوات الجزائريّة التّي أثبت أكثر من سبر للآراء أنّها تستعيد المشاهد المحلّي من القنوات العربيّة والفرنسيّة، خلال شهر رمضان، بالنّظر إلى خصوصيّة وحميميّة فعل المشاهدة فيه.

من بين ما أثير في المواسم الأخيرة، أنّ بعض الأعمال الدّراميّة أظهرت جليًّا هوّيّة الأماكن التّي صُوّرت فيها؛ بعد أن ظلّ هذا المعطى مغيّبًا في الدراما الجزائريّة، فهي مذكورة بالاسم والرّسم؛ على غرار وهران في مسلسل "أولاد الحلال" ومنطقة الأوراس في مسلسل "دوّار الشّاويّة".

ويبرّر الممثّل عمّار دامة ذلك بهيمنة الدراما الاجتماعيّة التّي أثبتت نجاحها في استقطاب المشاهد الجزائريّ الذّي بات يستبعد مشاهدة مسلسلات بلا هوّيّة مكانيّة؛ "ومن طبيعة هذا النّوع من الدراما، الواقعيّة في ذكر الفضاء المكانيّ للأحداث وألقاب الشّخوص. وهو ما يُعطي انطباعًا بأنّنا نشاهد عملًا جزائريًّا مكانًا وإنسانًا وثقافةً وعقليّةً".

لقد كنّا وما نزال في كثير من الأحيان؛ يقول محدّث "الترا جزائر"، نشاهد مسلسلاتٍ لا يدلّ على جزائريّتها إلا كونها ناطقةً باللّهجة الجزائريّة؛ وهذا تستّر غير منطقي على جملة المعطيات الدّاخلة في هوّيّة العمل الدّرامي، عكس ما يحدث، مثلًا، في الدراما المصريّة والدراما التّركيّة، إلى درجة أنّ المخرجين عندنا يطمسون لوحات ترقيم السّيّارات المستعملة، حتّى لا يعرف المشاهد أيَّة ولاية احتضنت الأحداث؛ تجنّبًا لمشاكل يعتقدون أنّها ستطرأ بسبب نسبة المخلّ من تلك الأحداث إلى تلك الولاية!

هنا، يقول الإعلاميّ عمّار بورويس إنّ الدراما لا تسيء إلى أحد ولا تسيء إلى أيّة مدينة، لأنّها لا تنقل الواقع كما هو بقدر ما تحاكيه فنّيًّا؛ "نحن لا نشاهد الواقع في الدراما، بل نشاهد قراءةً معيّنةً لهذا الواقع، وهي تختلف من مخرج إلى آخر ومن سيناريست إلى آخر. فلو كانت الدراما تسيء إلى المدينة التّي تدور فيها الأحداث لكانت الآن مدن إسطنبول والقاهرة ولوس أنجلوس ونيويورك مدنًا سيّئة السّمعة. ولَما قصدها ملايين السّوّاح سنويًّا".

فأنا لم يسبق لي أن قرأت أو سمعت؛ يواصل بورويس؛ أنّ سكّان اسطنبول، مثلًا، قد اعترضوا على مسلسل ما وطالبوا بوقفه لأنّه يسيء إلى مدينتهم. ما أعرفه أنّ المسلسلات التّركيّة ساهمت بشكل كبير في التّرويج لتركيا كوجهة سياحيّة. وأنّها أصبحت تُشاهَد في نحو مئة دولة، وتجني أزيد من مئة مليون دولار سنويًّا أرباحًا صافية". يسأل: "هل ينبغي أن نصوّر مشاهد مسلسلاتنا القادمة على سطح المريخ مثلًا؟".

نقلنا سؤال عمّار بورويس لمخرج أحد المسلسلات الدراميّة التّي طمست هوّية المدينة التّي صُوِّرت فيها؛ رفض الكشف عن اسمه؛ فقال إنّه يؤمن شخصيًّا بجدوى الكشف عن الفضاء المكانيّ في العمل الدراميّ؛ فمن شأن ذلك أن يُعمّق اللّحظة الدراميّة؛ "لكنّني أجد نفسيّ أمام عائق مسكوت عنه هو أنّ الجهة التّي تشتري الإنتاج ترفض ذلك تجنّبًا منها لما قد ينتج عن ذلك من تشنّجات شعبيّة، خاصّةً إذا كانت قناةً حكوميّة؛ فهي مطالبة بمراعاة المزاج العام".

ويلفت محدّث "الترا جزائر" الانتباه إلى أنّ معظم النّقاشات التّي تناولت واقع الدراما في الجزائر لم تُدرج عقليّة المشاهد الجزائريّ في النّقاش بصفته طرفًا رئيسيًا؛ "لم نعمل بعد عقود من الاستقلال الوطنيّ على جعل المخيال الشّعبيّ يتعاطى مع اللّقطة السّينيمائيّة والدراميّة ومع المشهد الرّوائيّ بصفتهما تخييلًا لا واقعًا؛ فكيف أمضي بصفتي مخرجًا محكومًا بشروط الفنّ لا بشروط الشّارع؟ ما يزال شارعنا بعيدًا عن شروط وأصول التّلقّي؛ وهو ما يشكّل عائقًا حقيقيًّا أمام تطوّر الفنون".

ورغم أنّ مسلسل "بابور اللّوح" الذّي أخرجه التّونسيّ نصر الدّين سهيلي، وتبثّه حاليًا قناة "الشّروق"، قد كشف عن فضائه المكانيّ الذّي هو مدينة أرزيو في الغرب الجزائريّ؛ على غرار ما حصل في مسلسل "أولاد الحلال"، حيث كان حيّ "الدّرب" الشّعبيّ في مدينة وهران محلّ تصويره، حتّى بات من أشهر الأحياء الجزائريّة الشّعبيّة المسحوقة، إلّا أنّ الإعلاميّة نبيلة سنجاق ترى أنّ الفريق المشتغل على السّيناريو كان بخيلًا في التّعامل مع المكان؛ "ولم يوظّفه بالشّكل الذّي يجعل منه فضاءً  إنسانيًّا يضمّ كلّ الحيوات فيه. فلم يتمّ الاشتغال على بساطة المكان وواقعيته التّي كان يمكن تحويلها إلى جماليّة فارقة تُحدث الدّهشة وتثير التّعاطف".

"وبدل أن يأخذ المكان/ البيئة حقّه من التّصوير ليصبح شخصيّة قائمة بذاتها، تضيف سنجاق في تدوينة فيسبوكيّة لها، انطمست ملامح البيوت وشحب لونها وكذلك الأسطح والزّقاق والسّوق وحتّى شاطئ "الحرقة". ذلك أنّ الخيار الفنّيّ للمخرج وضع  المخرج عبد القادر جريو في قلب العدسة ومحلّ تركيزها".

وتتدارك بالقول: "ما يزال أمامنا كثير من الحلقات؛ وقد نرصد الاشتغال على مفردات المكان خلالها".

تحتاج الدراما لتنتعش وتوغل في حرّيتها إلى بيئةِ تلقٍّ تحتكم إلى شروط الفنّ لا إلى شروط القبيلة

قد تعمل الدراما التّي باتت في طليعة الفنون المثيرة للاهتمام الشّعبيّ؛ بما تملكه الصّورة من سلطة وجماليات، على تغيير شطر من الذّهنيات الرّاكدة، لكنّها تحتاج في الوقت نفسه لتنتعش وتوغل في حرّيتها إلى بيئةِ تلقٍّ تحتكم إلى شروط الفنّ لا إلى شروط القبيلة.