03-نوفمبر-2020

الاستفتاء عرف أضعف نسبة مشاركة للجزائريين في المواعيد الانتخابية (تصوير: مصعب رويبي/الأناضول)

سجّلت الجزائر أدنى نسبة تصويت ومشاركة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في البلاد، إذ أعلن رئيس السلطة الوطنية للانتخابات محمد شرفي عقب غلق مكاتب التصويت في ربوع الوطن والخارج عن نسبة 23.7 في المائة، أي ما يعادل 5.5 مليون ناخب تقريبًا، بتراجع يقدّر بثلاثة ملايين صوت مقارنة مع آخر استحقاق انتخابي (الانتخابات الرئاسية) جرى في 12 كانون الثاني/ ديسمبر 2019.

المتتبّع للمسار الانتخابي في الجزائر يلمس مدى اتّساع المسافة بين الثقة الشعبية ومؤسّسات الدّولة

مبرّرات النّاخبين

أبرز مؤشّر على المقاطعة الانتخابية الكبيرة للاستفتاء هذه المرّة، ليست نسبة التصويت المتدنّية فقط، ولكن معدّل التصويت المتدني وغير المسبوق في ولايات كانت في كلّ الاستحقاقات الانتخابية على مرّ الفترات السابقة، تمثّل حاضنة شعبية للسّلطة ولأحزابها الموالية، على غرار ولايات الجنوب، كمثال ولاية ورقلة التي لم تتجاوز نسبة التصويت فيها 28 في المائة إضافة إلى ولاية الجلفة والأغواط والمسيلة وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: الرئاسة تعلق على نتائج الاستفتاء وتتجنب الحديث عن المقاطعة

في بحث تفسيرات سياسية لأسباب ومبرّرات مقاطعة الجزائريين للاستفتاء، تبرز جملة من العوامل التي غذّت هذا الموقف الشعبي، وأفرزت هذه النسبة غير المسبوقة في العزوف الانتخابي، تأتي على رأسها الآلية غير التوافقية التي صيغ عبرها الدستور وهي اللجنة الدستورية، وهي لجنة تقنية تضم فريق من الخبراء عددهم 17 خبيرًا، برئاسة الخبير الأممي أحمد لعرابة، عينهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الـ 8 كانون الثاني/ جانفي الماضي، دون استشارة الأحزاب والقوى السياسية، ودون أن تكون للأسر السياسية البارزة في البلاد تمثيلًا فيها.

ويأتي في المقام الثاني، عامل آخر لا يقلّ أهمية عن سابقه، وهو أن السّلطة لم توفّر للعمليّة الدستورية الظروف ولا التوافقات اللازمة، التي تليق بحجم الدستور كوثيقة عليا وروح القوانين، إذ يتطلب التأسيس لها الحوار والنقاش باعتبارها -أيْ وثيقة الدستور- حسب الأستاذ في القانون الدستوري خالد سدراتي "عمودًا فقريًا لتسيير الحياة العامة وتنظيم كل المؤسّسات المجتمعية"، لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن الخطوة التي لم ترض الكثيرين من الحقوقيين والفاعلين السياسيين كانت "مُستعجلة" حيث لم يتم فتح نقاش مجتمعي مباشر، وبذلك "أخفقت في توفير التوافقات الضرورية لإنجاح لصياغة نصّ ومواد الدستور وعملية الاستفتاء".

اتّساع الهوّة

المتتبّع للمسار الانتخابي في الجزائر يلمس مدى اتّساع المسافة بين الثقة الشعبية ومؤسسات الدّولة، إن على مستوى التسيير المحلّي أو الولائي والوطني، فضلًا عن احتقان الشارع الذي ظلّ لأكثر من سنة ينادي بالتغيير ولكن ليس بنفس الوسائل والوجوه، وهي الشعارات التي لطالما حملها المتظاهرون في مسيرات الحراك الشعبي، وهذا هو العامل الثالث الذي يؤسّس عليه المتتبعون لـ "هبوط حادّ في بورصة  المشاركة الانتخابية" في استفتاء تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، فمالت الكفّة حسبهم إلى جهة "اللاثقة" في مشروع لم يلق إجماعًا على عدّة مستويات كما تمّ توثِيقه خلال الفترة الأخيرة، بصفة خاصّة، وحيال العملية الانتخابية بصفة عامّة.

العامل الرابع الذي أدخل الجزائريين مرحلة الشكّ، يتمثّل في استعانة السّلطة بأحزاب ورموز مرتبطة بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الترويج للدّستور، وهي الوجوه التي كان دورها بارزًا في فترة الفساد السّابقة، ونالت نصيبها من مسألة "التّزوير" في عدد من الاستحقاقات الانتخابية السّابقة، كما قالت الأستاذة في العلوم السياسية خيرة شابوني لـ "الترا جزائر"، موضّحة أن "التسويق لمشروع سياسي بحجم الدستور، لا يمكن أن يتمّ في ركن واحد وبوسائل سياسية واحدة سبَق للكثير منها أن سارت في درب  الدعوة للاستمرارية حكم بوتفليقة ودعوته للترشح لعهدة رئاسية خامسة، في مقابل إجهاض كلّ محاولات الطبقة السياسية المعارضة لمخرجات السلطة في تقديم آراءها وتجمعاتها".

وما يعزّز هذا العامل حسب الأستاذة شابوني، هو تلك "الصورة المشوّهة في الخطاب السياسي خلال الحملة الانتخابية، إذ لم ترق لتفسير مواد الدستور خلال التجمّعات في الداخل الجزائري في البلديات والولايات إبّان أيام الحملة الانتخابية، والإبقاء على تأطير محدّد للوثيقة وأخذها نحو منحى أحادي التوجّه السياسي، وتغييب للنّقاش المجتمعي العميق، أمام حتمية ضرورة التصويت بـ "نعم" للمشروع، واصفة إياه بأنه كان عبارة عن "خطاب تحدٍّ صريح للجزائريين"، في حين أن الاستفتاء هو حقّ ديمقراطي مشروع، يحتمل  عدّة أوجه: إمّا بنعم أو لا أو"التصويت الاحتجاجي" أو "التصويت الأبيض"، الذي يُعتبر بدوره وسيلة ديمقراطية في التعبير أخلاقية عن رأي في الممارسة الانتخابية ورفض العملية برمّتها، على حدّ تعبيرها.

تسويق أحادي النّظرة

زيادة على ما سبق ذكره، يمكن إضافة عامل خامس أسهم في إضعاف نسبة المشاركة، وفرض منطق العزوف عن التصويت، يتمثّل في حملة الدعوة للمقاطعة التي شابت العملية السياسية خلال الأيام الأخيرة، وهو عامل رفعت من رصيده وسائل التواصل الاجتماعي، كما قال الأستاذ في علوم الاعلام والاتصال محمد خواص لـ "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن الانتخابات في الوقت الحالي باتت تتعامل مع الناخب الواقعي والناخب الافتراضي الذي لا يمكن "مسكه من خلال جملة أو صورة أو مشهد، بل العملية تحتاج إلى جيش من الأخصائيين في التسويق الانتخابي، وإيصال الرسالة السياسية في ظلّ توتر عاشه الشارع الجزائري خلال سنة كاملة، ومن الصعوبة الانتقال من فترة إلى فترة  دون التخطيط الجيّد لاستقطاب الناشط الاجتماعي عبر الوسائط الإعلامية". 

وما يضاف إلى هذه العوامل، هو تكثيف التسويق الإعلامي للدستور كعامل سادس ومحاولة الضّغط على المتلقّي والنّاخبين في التجمّعات الميدانية، التي من المفروض يحضر فيها التقارب الاجتماعي بسبب جائحة كورونا، وهي صورة أعطت للناخب/المواطن إزدواجية الخطاب السياسي والصحّي في آن واحد.

نسبة المشاركة تأثّرت كثيرًا بالظروف المحيطة بمجريات العملية الانتخابية

بعيدًا عن النتيجة النهائية للاستفتاء، فنسبة المشاركة تأثّرت كثيرًا بالظروف المحيطة بمجريات العملية الانتخابية، خاصّة وأن الحلقة الأقوى في دوائرها، هي المواطن الذي علا سقف آماله طوال السنوات الماضية، وتضرّر كثيرًا من تداعيات جائحة فيروس كورونا، وتسلّل إليه الشك في إيجاد أفق التغيير المنشود، لذا فإن السؤال الجوهري هو ماهي مصداقية العملية الانتخابية إن مالت الكفّة إلى جانب المصوتين بـ "نعم"؟، خاصّة أن ما سيعقب هذا الاستفتاء هو انتخابات أخرى برلمانية ثم محليّة، وما مدى مشروعية هذا الدستور؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقري: النتائج الرسمية تسقط مصداقية الدستور وتفقده الشرعية

الأرسيدي: نسبة المشاركة الحقيقة في الاستفتاء كانت برقم واحد