07-يناير-2019

تحاول السلطات الجزائرية حماية نفسها من خلال التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

منذ ثلاث سنوات تقريبًا، استحوذ فيسبوك على المساهمة في إثارة النّقاشات الكبرى بين الجزائريين. ولم تعد وسائل الإعلام التقليدية والأطراف الأخرى حكوميةً ومستقلّةً تفعل ذلك ولو رمزيًّا، بما جعل هذه الأخيرة تتفاعل مع النقاشات والجدالات، التّي يثيرها "الفسابكة" الجزائريون، بغضّ النّظر عن كون هذا التّفاعل ثمرة للعفوية أم للإرغام.

إن روح القدامة، هي التي جعلت النخب الجزائرية تتعامل مع فيسبوك في البداية بصفته لعبة من لعب الأطفال، ثمّ تفاجأت بكونه ليس كذلك، فراحت تحمي نفسها بالتّضييق عليه

هنا، نسجّل أنّ معظم تلك النّقاشات الفيسبوكية لم تمسّ القضايا الجوهرية والملحّة، التّي تهمّ واقع ومستقبل العباد والبلاد، بل كانت غارقةً في الهوامش من قبيل إقدام فئة معيّنة على الصّلاة في السّاحات المخصّصة للحفلات الفنّية، وإقدام متطرّف معيّن على تشويه تمثال المرأة العارية في مدينة سطيف، وآخرها كان تتويج أوّل فتاة من الجنوب الصّحراوي بلقب ملكة جمال الجزائر للعام الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: هل سيحرر فيسبوك الجزائريين؟

غير أنّ فيسبوك تحوّل إلى وحش مخيف لكثير من الأطراف الجزائريّة، التّي في بطنها تبن مخافة النّار الشّعبية، في مقدمتها الحكومة، التّي اضطرّت تحت الضّغط الفيسبوكي إلى الاستغناء عن قرارات اتخذتها، مثل قرار الوزير الأوّل القاضي بفرض ضرائب على استخراج وثائق الهوّية، والمسؤولون التّابعون لها في مختلف القطاعات، الذين باتوا يتفاعلون مع المطالب، التّي تثار في فيسبوك، حتّى أنّ قطاعًا واسعًا منهم بات يملك حسابًا فيه، وهو ما لم يكن معمولًا به قبل فترة يسيرة.

ولعلّ أبرز حدثين حقّقا الإجماع فيسبوكيًّا بين الجزائريين، كانا حملة مقاطعة شراء السّيارات إثر رفع أسعارها من طرف المستوردين الخوّاص، تحت شعار "خلّيها تصدّي"-أي دعها تصدأ- ممّا اضطر الحكومة إلى التدخّل وتجميد رفع الأسعار، وحملة التّعاطف الشّعبي المطلق مع الشّاب عيّاش محجوبي، الذي سقط قبل أيّام في بئر، ولم تستطع إمكانيات الحماية المدنية إنقاذه.

هنا نجد أنفسنا أمام جملة من الأسئلة، التّي يفرضها السّياق: لماذا استطاع الجزائريون أن يتّحدوا في القضيتين السّابقتين، بما خلق ارتباكًا كبيرًا لدى الحكومة، وجعلها تبادر إلى التفاعل المغلّف بالخوف، فيما فشلوا في قضايا أخرى؟ هل هناك يد تتحرّك وفق خطّة مدروسة لتمييع النّقاشات الفيسبوكية القادرة على أن تؤدّي إلى تشكيل قوّة شعبية تكون في مواجهة النّظام القائم، أم أنّ الميوعة، التّي ميّزت كثيرًا من نقاشات الفسابكة الجزائريين هي مرآة لتراجع المستوى الثّقافي والأخلاقي في الواقع؟

هل الإدراك المتأخّر للأجهزة الحاكمة في الجزائر لقدرة فيسبوك على أن يقلب الطاولة عليها في أيّة لحظة، في ظلّ انخراط ربع عدد السّكان فيه، هو الذي جعلها تتقاعس عن تطوير تدفّق الإنترنت في البلاد، رغم وجود وزارة للتّكنولوجيات الحديثة، إذ يأتي ترتيب الجزائر متأخرًا عن دول أفريقية أقلّ منها مالًا وإمكانياتٍ، حتّى بات من مبرّرات الهجرة لدى الشّاب الجزائري إلى أوروبّا الحصول على تدفّق يمكّنه من السّباحة المريحة في العالم الأزرق؟

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر... فيسبوك وفضيحة تسريب أسئلة البكالوريا

لماذا تبادر الحكومة الجزائرية في كلّ مرّة إلى الإعلان عن مشروع المدن الذكية والحكومة الإلكترونية، ثمّ تتماطل في ذلك حتّى ينساه النّاس؟ لقد برّر وزير التّعليم العالي كون جامعاته لا تحظى بالدّخول إلى قوائم الجامعات الوازنة في العالم، لأنّ لجان التّصنيف تعتمد، حسبه، معايير تتعلّق بـ"الشّكليات"، منها مدى ربط الجامعات بشبكة الإنترنت، فما يمنع وزارته من تحقيق ذلك الرّبط، الذي باتت تحظى به حتّى المدارس الابتدائية في بعض الدّول الأفريقية؟

أرى أن روح القدامة، التي هيمنت على مختلف المنظومات والمفاصل في الفضاء الجزائري، بما فيها المنظومة الثقافية، حتّى أصبح الدّفاع عن تلك الرّوح عقيدة قائمة، هي التي جعلتها تتعامل مع فيسبوك في بدايات انخراط الجزائريين فيه بصفته لعبة من لعب الأطفال، تمتاز بالحيادية في صناعة وعي جديد، ثمّ تفاجأت بكونه ليس كذلك، فراحت تحمي نفسها بالتّضييق عليه، انسجامًا مع منطق المنظومات المتقادمة، عوض تكييف نفسها وتطوير أدائها. فهل يمكن لفيسبوك أن يحدث في سياق معيّن تغييرًا جذريًّا يومًا ما في الجزائر؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر..الانتخابات البرلمانية تبدأ من الفيسبوك

انتصارات "حزب الهواتف الذكية" في الجزائر