23-يوليو-2020

وزير الاتصال السابق لمين بشيشي (فيسبوك/الترا جزائر)

ثمة فنّانون تؤهلهم مواهبهم الفطريّة لأن يبدعوا أعمالًا تصبح أيقونة في أذهان ووجدان الأجيال؛ فتتفوّق عليهم في الذّكر والحضور، ثمّ تنوب عنهم بعد رحيلهم في البقاء، فيصبح نسيانهم مستعصيًا على الموت.

أهّله حسّه الصحافي لأن يلتحق بمنبرين كانا العصب الإعلاميّ للثّورة هما جريدة المجاهد وإذاعة صوت الجزائر

هذا ما ينطبق تمامًا على ملحّن أغاني الأطفال لمين بشيشي (1927) الذي رحل، الخميس، فطفت على أذهان الجزائريين على اختلاف أجيالهم أنشودته التّي كتب كلماتها الشّاعر محمّد الأخضر السّائحي المعروف بالسّائحي الكبير (1918 -2005)، وقام هو بتلحينها ضمن أغاني مسلسل "الحديقة السّاحرة" الذي شكّل وعي أجيال كاملة.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل وزير الاتصال الأسبق لمين بشيشي

باتت هذه الأنشودة بالذّات التّي يقول مطلعها: "مدرستي آن الرّحيل وآن أن نفترقا"، تُّردَد على ألسنة التّلاميذ الجزائريّين؛ عند نهاية كلّ موسم مدرسّي.

نال قسطًا من التّعليم في "جمعيّة العلماء المسلمين"، التّي تأسّست خمسة أعوام من ولادته. ولأنّه من منطقة سوق أهراس اللّصيقة بالحدود التّونسيّة، فقد انتقل إلى تونس عام 1956، أي عامين بعد انطلاق ثورة التّحرير، للإشراف على إصدار الطّبعة الثّالثة من جريدة "المقاومة الجزائريّة" التّي صدرت طبعتاها السّابقتان في أجزاء محدودة من فرنسا والمغرب وتونس نفسها.

أهّله حسّه الصحافيّ لأن يلتحق بمنبرين كانا العصب الإعلاميّ الأقوى للثّورة هما جريدة "المجاهد" وإذاعة "صوت الجزائر"، إلى جانب أقوى صوت أثيريّ يومها هو عيسى مسعودي. وما أن استقلّت الجزائر حتّى أهّلته خبرته لأن يتولّى إدارة الإذاعة والتّلفزيون، في ظرف عزّت فيه الخبرات في هذا الحقل لأن فرنسا سحبت خبراءها وكفاءاتها، بعد أن تمّ استرجاع السّيادة الوطنّية على الإذاعة والتّلفزيون يوم 28 أكتوبر من عام 1962.

زاوج لمين بشيشي، بعد ذلك، بين وظائفه الإداريّة منها إدارة المعهد الوطنيّ للموسيقى وعضوية الأكاديميّة العربيّة للموسيقى، والإبداع الموسيقيّ، من ذلك كتابة موسيقى شارتي البداية والنهاية لمسلسل "الحريق" الذي ظلّ أيقونة الدّراما الجزائرية.

اندلعت سنوات العنف والإرهاب بداية تسعينات القرن العشرين، فعاد إلى إدارة الإذاعة الجزائريّة، ما بين عامي 1991 و1995، وقد تمّ فصلها عن التّلفزيون؛ ثمّ تولّى حقيبة وزارة الاتّصال، في عهد الرّئيس اليمين زروال.

يقول الفنّان الموسيقى محمّد شميسة، إنّ حضور بشيشي ارتبط بالإبداع لا بالصّراع؛ "ثمّ إنّ ما تركته أغانيه الطّفوليّة في وجدان الأجيال، جعل الجميع يعامله معاملة الأب والعرّاب، فحظي بحفاوة وتقدير خاصّين عرف كيف يحافظ عليهما بأخلاقه الحسنة وتفتّحه على المواهب وتواضعه الجمّ".

في السّياق ذاته، تقول الصحافيّة نبيلة سنجاق، إنّ الفقيد كان يتعامل مع الصّحفيين، داخل المسؤوليّة وخارجها، بروح خدومة، فلم يتكبّر على أحد أو يرفض دعوة لأحد؛ "فكان بذلك نموذجًا للمثقّف والفنّان والمسؤول الذّي يسخّر نفسه لخدمة الآخرين".

"ملحّن الأجيال" قام بعدّة أبحاث موسيقيّة وفنّية، منها كتابه عن المناخات والسّياقات التّي تشكّل فيها النّشيد الوطنيّ

تجدر الإشارة إلى أنّ "ملحّن الأجيال"، قام بعدّة أبحاث موسيقيّة وفنّية، منها كتابه عن المناخات والسّياقات التّي تشكّل فيها النّشيد الوطنيّ الجزائريّ، في عزّ ثورة التّحرير، بقلم شاعرها مفدي زكريّا، ثمّ آل تلحينه إلى الملحّن المصري محمّد فوزي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام

رحيل عبّاسي مدني.. "مناضل" و"إرهابي" في عيون الجزائريين!