قول

"لم يعُد العيد كما كان".. عن تحوّلات عيد الأضحى في الجزائر

8 يونيو 2025
لم يعد العيد كما كان
ماذا يتبقى من العيد؟ هل نعيش زمنًا نُمارس فيه العيد شكليًا، بينما يفرغ من رموزه شيئًا فشيئًا؟
بوبكر بلقاسم
بوبكر بلقاسمصحفي من الجزائر

لم يعُد العيد كما كان، باتت أشبه بأغنية ترافق مناسبة العيد منذ سنوات، وهذا ليس مجرد حنين ولا رثاءً للزمن الجميل، بل ملاحظة تتكرّر كل سنة، وتزداد حدّة كلما اقترب صوت "تكبيرات العيد". 

في السنوات الأخيرة، تغيّر شكل العيد وتغيّرت روحه، بل يقول أحدهم أنه قد تغيّر حتى شكل الكبش دلالةً على الكباش الرومانية الوافدة حديثًا لمشهد العيد الجزائري، لقد أصبح الكبش مركز العرض، وأصبحت القفة أهم من القُربة

في الجزائر، كما في كثير من البلدان الإسلامية، كان عيد الأضحى موعدًا روحيًا حميميًا، يتداخل فيه المقدّس بالعائلي، وتُصاغ فيه علاقات القرابة على مائدة واحدة، حيث اللحم ليس مجرد طعام، بل رمز للتضحية والكرم والبركة، أما اليوم، فقد تحوّل إلى اختبار قاسٍ لقدرة الناس على مجاراة السوق، والوقوف في طابور "أداء الواجب."

في السنوات الأخيرة، تغيّر شكل العيد وتغيّرت روحه، بل يقول أحدهم أنه قد تغيّر حتى شكل الكبش دلالةً على الكباش الرومانية الوافدة حديثًا لمشهد العيد الجزائري، لقد أصبح الكبش مركز العرض، وأصبحت القفة أهم من القُربة،  الجزّار صار أكثر ضجيجًا من الرحبة، والتنافس على نوع الأضحية حلّ محلّ نية الذبح.

 تجد الناس يتباهون بـ"كبش السلالة"، كما لو أنه قطعة أثاث أو رقمٌ يُضاف إلى رصيد الدرجة الاجتماعية في الحي، الأضاحي صارت تُعرض على "فيسبوك" قبل أن تُعرض على المذبح أو ذباح العائلة، بل وتُصوَّر بالهاتف قبل أن تُستقبل بالتكبير.

ثمّة عائلات لم تعد تشتري الأضحية بدافع ديني محض، بل اتّقاءً لكلام الناس، أو إرضاءً للأطفال فيُطلقُ رب البيت بنوع من التذمّر "والله غير شريتو على جال الدراري"، أو مسايرةً لعرفٍ اجتماعي يأبى أن يُنسى، وربما لهذا السبب لم يعُد العيد باعثًا على الطمأنينة كما كان، فبين القروض والديون، يدخل كثيرون إلى العيد بأثقال لا تنتمي إلى جوهر الشعيرة، بل إلى منطق السوق والمظاهر.

النساء أيضًا تغيّرت علاقتُهنّ بالعيد. في السابق، كنّ سيّدات الطقوس، يغسلن "الدوارة" بكثير من الفرح،  ويُحضّرن المرق والطعام ويشوين الكبدة قبل أن ينتصف نهار اليوم الأول، كثيرات بدأن ينفرن من هذه الأيام التي لا تعني لهن سوى الإرهاق، في حين صار البعض يستقبل العيد بتحضير الأطباق الجاهزة، أو الاستعانة بـ"جزّار متنقّل" يختصر الطقس في دقائق.

النساء أيضًا تغيّرت علاقتُهنّ بالعيد. في السابق، كنّ سيّدات الطقوس، يغسلن "الدوارة" بكثير من الفرح،  ويُحضّرن المرق والطعام ويشوين الكبدة قبل أن ينتصف نهار اليوم الأول، كثيرات بدأن ينفرن من هذه الأيام التي لا تعني لهن سوى الإرهاق

أما الأطفال، فتراجعت حماستهم، لم يعودوا يطلقون أسماءً على الكباش، ولا يعرفون الفرق بين "الكرشة" و"الدوّارة"، ألعابهم صارت رقميّة، وأعيادهم تمرّ دون أن تترك فيهم رائحة الدم ولا لذّة الشواء ولا خفقة القلب ساعة الذبح، هم أبناء جيلٍ آخر، يرون في العيد عطلة قصيرة، لا زمنًا للاحتفال المقدّس.

قبل أيام من حلول العيد، حدّثني سائق أجرة في العاصمة، بعد أن تشعبّ حديثنا ووصل إلى رمزية العيد، فأخبرني أنه بات يجد صعوبة في إقناع أبنائه المراهقين بمرافقته إلى القرية من أجل قضاء أيام العيد هناك، بل وأضاف بنوع من الحسرة: "أحدهم نصحني بتوفير ثمن الكبش لشراء مكيّف لغرفته".

في الريف، ما تزال بعض الملامح صامدة، توزيع اللحم، طقوس "الغذاء الأول"، الزيارات الواجبة، وتقاسم الأدوار بين أفراد العائلة، لكنّ حتى هناك، يتسلّل الشعور بأن العيد لم يعُد كما كان، الغلاء أكل من بساطته، والهجرة نحو المدن أضعفت لحمته، وانشغال الناس بأنفسهم قلّص من زمن الجماعة.

في حقيقة الأمر، لم يقف تغيّر العيد عند حدود المعنى، بل امتدّ إلى أدوات الطقس نفسها. فالأضحية التي كانت تُشترى من السوق بعد نقاشات طويلة تحت الشمس، حيث تمتزج رائحة التراب برائحة التبن والعرق، بل  صارت تُختار بضغطة زر، تُجار إلكترونيون يعرضون صور الكباش، مع الوزن والسلالة والسعر، ويقدمون خدمة "التوصيل إلى باب الدار" وكأنّ الأمر لا يختلف عن طلب بيتزا.

ثمّة أيضًا من صاروا يشترون اللحم جاهزًا، بلا ذبح ولا دم، "أضحية معبّأة"، تُذبح وتُقسّم وتُسلّم في علب مرتّبة، كلّ قطعة في مكانها. يُقال إنّها خدمة تسهّل الأمر، لكنّها أيضًا تسلب العيد أحد طقوسه الجوهرية

لم يعد كثير من الناس يحتكّون بأجواء السوق ولا يعرفون شيئًا عن "سوق الرحبة"، أو "قانون المساومة". الطفل لا يركض خلف الكبش، ولا يسمع ثغاءه، بل يراه يخرج من شاحنة صغيرة، يُسحب إلى الزاوية، ثم يُذبح بعد دقائق أمام كاميرا الهاتف، تُغلق العدسة، يحمّل الكبش المذبوح في السيارة، وانتهى العيد.

 حتى الذبح لم يعُد شأنًا عائليًا، فقد صار كثيرون يلجأون إلى "القصّاب المتنقّل"، رجل يحمل أدواته في حقيبة ويجول بين البيوت كفنّي كهرباء، يُنجز العملية نظيفة وسريعة، ويأخذ أجرته ويرحل، لقد ذهب زمن تعاون أفراد العائلة على تقطيع الأضحية، وما يشوبه من مناوشات جانبية طريفة حول الطريقة الأصّح لتقطيع الأضحية.

ثمّة أيضًا من صاروا يشترون اللحم جاهزًا، بلا ذبح ولا دم، "أضحية معبّأة"، تُذبح وتُقسّم وتُسلّم في علب مرتّبة، كلّ قطعة في مكانها. يُقال إنّها خدمة تسهّل الأمر، لكنّها أيضًا تسلب العيد أحد طقوسه الجوهرية، تلك اللحظة الجماعية التي تقف فيها العائلة حول الذبيحة، بين من يُمسك ومن يقطع ومن يقرأ الفاتحة.

المظاهر الجديدة ليست بالضرورة سلبيّة، فقد خفّفت عن الناس بعض الأعباء، وساعدت من لا يستطيعون الذبح أو التحضير، لكنها تطرح سؤالًا جوهريًا، إن تخلّينا عن الطقس، وعن النحر، وعن النار، وعن غذاء اليوم الأول وعشاء الليلة الثانية، ماذا يتبقى من العيد؟ هل نعيش زمنًا نُمارس فيه العيد شكليًا، بينما يفرغ من رموزه شيئًا فشيئًا؟.

الكلمات المفتاحية

موسيقى الراي

تأمّلات صيفية في موسيقى الرّاي

لطالما جلست خلال فترات الصيف في خلوتي، بين فترات الكتابة المتقطّعة أو الترجمة، أشتكي من حرّ لا يطاق في مدينتي الداخلية، قسنطينة، شرق الجزائر، ولم يكن أنيسي سوى الموسيقى.


معطوب لوناس

في ذكرى اغتيال معطوب لوناس.. حين لا يقدر الرصاص على قتل القصيدة

في ظهيرة 25 جوان 1998، انطفأ صوت من الأصوات التي لم تكن تُغنّي فحسب، بل كانت تصرخ بالحقيقة، لقد اغتيل معطوب لوناس برصاص الغدر بمنطقة ثالة بونان ببني دوالة واخترقت جسده 78 رصاصةً.


وفاة 3 مناصرين

عن السياج الذي قتل الرفاق وابتلع فرحة التاج التاسع

في المساء الذي كان من المفترض أن يُكتب فيه المجد بحروف خضراء وحمراء، تحوّل التتويج إلى تابوت، والمدرج إلى هاوية. لم يكن أحد يتخيّل أن مباراة احتفالية على أرضية ملعب 5 جويلية، بين مولودية الجزائر ونجم مقرة، ستُختتم بجنازات ولجنة تحقيق، لا بأغنية النصر المعتادة.


قطع الأنترنت خلال البكالوريا في الجزائر

في حضرة البكالوريا.. تُطفأ البلاد لتُضاء ورقة الامتحان

في كل عام، مع حلول امتحانات البكالوريا، تنفصل الجزائر عن العالم. لا إعلان حرب ولا كارثة طبيعية، فقط قرار رسمي يقضي بقطع الإنترنت كإجراء احترازي للحد من ظاهرة الغش وتسريب الأسئلة. هكذا، ومنذ سنوات، تحوّل الحدث التربوي الأهم في البلاد إلى ما يشبه "طوارئ رقمية".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

علي ذراع
أخبار

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض

توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.


حالة الطقس في الجزائر
أخبار

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب

توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.

الأكثر قراءة

1
أخبار

ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة: زوال الاحتلال الإسرائيلي "حتمية تاريخية"


2
أخبار

بطلب من الجزائر.. اجتماع طارئ لمجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا


3
أخبار

طقس الجزائر.. درجات حرارة قياسية في 6 ولايات جنوبية


4
مجتمع

رفع سنوات تكوين الأساتذة..تحسين للمستوى أم تمطيط بلا جدوى؟


5
أخبار

الجزائر تدين العدوان الإسرائيلي على سوريا وتدعو مجلس الأمن لتحمّل مسؤولياته