ليست مُجرّد وجبة.. حين تتحوّل اللّمجة إلى مُعاناة الأسرة

بسبب الوجبة الخفيفة أو اللُّمجة؛ نُقِل عماد ذو التسعة أعوام، إلى المستشفى بعد تعرّضه لمُضاعفات صحية خطيرة، عقب تناوله وجبة خفيفة صباح السبت 3 مايو/ أيار الجاري. 

ووفقًا للطبيب المعالج في مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، فإنّ الطعام السريع "غير صحي في معظم الأحيان، خاصةً بالنسبة للأطفال الذين لا تزال مناعتهم في طور النموّ".

 الأخصائية نورة عميرات لـ" الترا جزائر": في عصر تتزايد فيه المغريات الغذائية، وتنتشر فيه الأطعمة الجاهزة عبر الإعلانات، أصبحت مادة التربية الغذائية في المدارس ضرورة ملحّة

في قاعة الانتظار بقسم الاستعجالات، لا تلبثُ الأمهات أن يتبادلن القلق نفسه: "اللمجة"، ويتحول الحديث بينهنّ إلى قصص يومية مليئة بالتعب والتردد، بين من تُصر على إعدادها في المنزِل، ومن ترضخ لضيق الوقت أو الإمكانيات وتلجأ إلى الأطعِمة الجاهِزة، رغم إدراكهنّ مخاطرها المحتملة.

بين سندويتش البيت وحلوى المحلّ.. معركة يومية

وسط تحذيرات الأخصائيون في التغذية من خطورة بعض المكونات على صحة التلاميذ، تقع الوجبة الخفيفة اليومية بين من تُحضّر "اللُّمجة" لأبنائها في المنزل، ومن تكتفِي باقتنائها من المحلات، تُطرح تساؤُلات مُتزايدة حول مدى مُطابقتها للمعايير الصحية.

تعيش السيدة سامية رحماني، وهي موظفة في مؤسسة حكومية، حالة من القلق اليومي بسبب تحضير "اللّمجة" لأبنائها الأربعة. 

ورغم ضيق الوقت، تحرص كل صباح على إعداد وجبات خفيفة لهم، غالبًا ما تتكوّن من ساندويتشات بالبيض والجبن والزيتون، إلى جانب قارورة ماء وحبة فاكهة، محاولة الحفاظ على نمط غذائي صحي بعيد عن الأطعمة الجاهزة.

وتُضيف السيدة سامية في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّها تحرِص على أن تكون "اللُّمجة" امتدادًا لما يُحضّر في البيت، مفضّلة الأطباق المنزلية العادية على تلك المعلبة أو الجاهزة. 

وتوضح أنّها تتجنّب قدر الإمكان تعويد أبنائها على الأطعمة الغنية بالسكريات الصناعية أو المواد الحافظة والملونات، كالحلويات المعلبة والمأكولات المصنعة المنتشرة في المحلات التجارية.

ثمن الصحة 

على عكس ما ترجُوه العديد من الأمهات، يرفُض كثير من الأطفال تناول الأطعمة المُعدّة منزليًا، وتنجذب أنظارهم نحو العصائر المعلبة، الشوكولاتة، الزبادي (الياغورت)، بل وحتى المشروبات الغازية. هذا الميل يُجبر العائلات على تزويد أبنائهم بمصروف يومي قد يتجاوز ألف دينار جزائري إذا كان عدد الأبناء المتمدرسين أربعة، ما يُعادل تقريبًا أجرة شهرية كاملة.

اللُّمجة الصحية مكلفة نسبيًا، نظرًا لاعتمادها على مُكوّنات طبيعية تريح المعدة وتُسهم في تحسين الهضم

وتعترِف بعض الأسر بأنّ اللُّمجة الصحية مكلفة نسبيًا، نظرًا لاعتمادها على مُكوّنات طبيعية تريح المعدة وتُسهم في تحسين الهضم. 

يتطلّب إعداد وجبة متوازنة توفير مواد مثل العسل كبديل للسكر الأبيض، إلى جانب الفواكه الجافة، وهي عناصر غالبًا ما تتجاوز القدرة الشرائية للعديد من العائلات.

غير أنّ أسعار هذه المكونات الصحية، وعلى رأسها العسل، تُعدّ مرتفعة جدًا، ما يدفع الكثير من الأمهات إلى اللجوء لشراء ما يتوفر في الأسواق من أطعمة جاهزة ومحلاة بطرق صناعية، مثل الأجبان التجارية والشوكولاتة. 

إلاّ أنّ تترك هذه الخيارات أثرًا مباشرًا على ميزانية العائلات، رغم سهولة الحصول عليها، إذ تُرهق جيوب الأولياء بشكل يومي.

تحضير وجبة منزلية

تحرِص الأستاذة كريمة، على إعداد "اللّمجة" الصحية لطفليها المتمدرسين في المرحلة الابتدائية. وتقول لـ"الترا جزائر" إنها تلتزم بوضع قائمة أسبوعية متنوعة من الوجبات الخفيفة، تراعي فيها الجانب الصحي وإمكانيات الأسرة المادية.

وأوضحت أنّ "اللّمجة الصحية تعني خلوّها من المواد الحافظة، مع تجنّب الخبز الأبيض، إذ تعد في المنزل خبز الشعير، وتشتري الزبادي الطبيعي الذي تخلطه بالعسل، إلى جانب تقديم الفواكه الموسمية.

ولا تكتفي بهذه الوجبة، بل تفضّل أيضًا تحضير وجبة الغداء في البيت لتجنّب لجوء طفليها إلى محلات الوجبات السريعة أو الأطعمة الجاهزة والباردة، ما يساهم في ضبط مصاريف الأسرة والحد من الإنفاق الغذائي الخارجي.

سُموم حُلوة المذاق

في المقابل، لا يزال كثير من الأولياء يكتفون بتقديم حلويات صباحية لأطفالهم، مثل "الكرواسون"، أو علبة عصير، أو شوكولاتة جاهزة، وهي، بحسب خبيرة التغذية نورة عميرات، "سموم بأشكال جذابة وحلوة المذاق". 

وتُوضّح في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ العديد من المنتجات التي تُباع في المحلات لا تمتّ بصلة لما يُعرف بـ"الأكل النظيف"، لا من حيث التركيبة، ولا من حيث طرق الإعداد، بل تعتمد فقط على اللون والرائحة والذوق لجذب الأطفال.

العديد من المنتجات التي تُباع في المحلات لا تمتّ بصلة لما يُعرف بـ"الأكل النظيف"،  لأنّ بعضها يعتمد فقط على اللون والرائحة 

الغذاء غير الصحي الذي أصبحت تتضمنه اللّمجة تحوّل إلى موضُوع جدل واسِع في الأوساط الطبية، في ظلّ الزّحف المُتزايد للأكل السريع على العادات اليومية للجزائريين، ما يُشكّل خطرًا مُتزايدًا على صحة الصغار والكبار على حدّ سواء.

ووجب التّذكير بحَملات التوعية التي أطلقها أخصّائيو التغذية في المدارس، كمُحاولة لمُواجهة هذه الظاهرة، وركّزت هذه الخطوة على التّحذير من "اللّمجة" المكوّنة من الأغذية المصنعة. كما شدّد الخبراء على ضرورة عدم اعتبار "اللّمجة" بديلًا عن وجبة فطور الصباح، بل وجبة خفيفة تُؤخذ خلال فترة الاستراحة المدرسية، وقبل وجبة الغذاء الرئيسية.

 الأخصائية نورة عميرات لـ" الترا جزائر": ما يتناوله الأطفال خارج المنزل غالبًا ما يظل بعيدًا عن رقابة الأهل، وهذا يعود إلى التعود أو التأثر بالمحيط

وفي سياق ذلك، طرحت الأخصائية نورة عميرات مسألة "التربية الغذائية"، مؤكدة على ضرورة إدخالها كجزء من المناهج الدراسية في الجزائر. 

وأوضحت أنّ ما يتناوله الأطفال خارج المنزل غالبًا ما يظل بعيدًا عن رقابة الأهل، وهذا يعود إلى التعود أو التأثر بالمحيط، إذ يتأثر الطفل بالأطعمة الجذابة المعلبة والمُحلاة بالسكريات والمواد الحافظة، التي غالبًا ما تكون في متناول اليد.

وأضافت عميرات لـ" الترا جزائر" أنّ "مادة التربية الغذائية" أصبحت أمرًا ضروريًا في ظلّ تدفّق الأطعمة الجاهزة والمغريات التي يتم الترويج لها عبر التلفزيون والإعلانات في الشوارع، ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأشارت إلى أنّ "سلامة ما يتناوله الأطفال اليوم تؤثر بشكل مباشر على صحة أجيال المستقبل وتوازنهم الصحي والعقلي. 

كما لفتت إلى أنّ "الثقافة الغذائية لدى البعض ما تزال محدُودة، ممّا يضاعف من خطورة هذه الأطعمة الملوثة.

مع الانتشار الواسِع لمطاعم الوجبات السريعة التي تُسهّل على التلاميذ شراء الأطعمة غير الصحية، حثّت عميرات على أهمية أن يحرص الآباء على تحضير وجبة فطور متوازنة لأبنائهم قبل مغادرتهم إلى المدرسة، لضمان صحتهم وتنبههم خلال الدروس. 

كما شدّدت على ضرورة تعليم الأطفال شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على نشاطهم وتجنب الجفاف والخمول أثناء اليوم الدراسي.