04-نوفمبر-2021

في ضاحية حيّ الحرّاش شرق العاصمة (أ.ف.ب)

غُرف صغيرة مُوحشة، تُشبه الأكواخ، لا تواجد بداخلها نوافذ تَتسلل إليها أشعة الشمس الصباحية، تٌفوح منها رائحة الرطوبة، صفائح"الترنيت" تُغطي الأسقف لتقي ساكي الأكواخ من الأمطار. شبكة مياه الصرف الصحّي مهترئة ومفتوحة على الفضاء تنبعث منها روائح كريهة. النفايات مترامية على طول الأزقة الضيقة، هي ليس بيوت قصديريه بل "حي المكسيك" الواقع ببلدية المقارية (وسط العاصمة)، بنايات اسمنتية مصطفة ومتداخلة تضم ما بين 150 إلى 200 عائلة، تقطن هنا لما يقارب أكثر من 60 سنة.

مختص: المحيط البيئي الملوث الذي يعيش وسطه الأطفال من قاطني الأحياء القصديرية يساعد على انتشار أمراض تنفسية جمّة كالسل والربو والحساسية والأمراض الصدرية

مُعاناة يومية وقاسية لسكان البيوت الهشة، بسبب انتشار الجرذان والحشرات الضارة التي تُعشعش وسط جدران سكناتهم، حيث أصبح المكان بيئة حاضنة لتفشي كل الأمراض خاصة وسط الأطفال وحتى الكبار.

اقرأ/ي أيضًا: سكان الأقبية في العاصمة.. أحياءٌ لا تزورها الشمس

في حديث لـ  "التر جزائر" أوضح بعض قاطني الحي، أن عديد من الأطفال الصغار تعرّضوا إلى عضات الجرذان ولسعات البعوض، حث تتجرّع العائلات القاطنة هناك متاعب صحيّة جمّة جراء الحالة المزرية التي جعلتهم عرضة لكل الأمراض المعدية والفيروسية والتنفسية.

معاناة الأطفال

يعاني الطفل أيمن (10 سنوات)  من الحساسية ومرض الربو منذ كان صبيًا،هنا،  يقول والده في حديث لـ  "التر جزائر" إن الظروف المعيشية والسكنية هي السبب في المرض"، وأضاف أن كل الأفراد العائلة يعانون من الالتهاب التنفسي بسبب السكنات الهشة.

يبدو جسم الطفل أيمن نحيفًا وهزيلًا، ووجه شاحب الوجه، نتيجة المرض الذي تسبب له  في خلل في تنظيم عملية نمو الجسم، ويعاني في التمدرس نظرًا لغياباته المتكرّرة عن الالتحاق بالمدرسة بسبب المرض.

ظاهرة خطيرة

من خلال استطلاع "التر جزائر" وسط بعض الأحياء الشعبية كحي بومعزة وواد شايح بالعاصمة، أحصينا شهادات كثيرة عن أطفال صغار عرضة للكثير من أأمراض الحساسية والتشوهت الجلدية، وأمراض معدية وفيروسية، وأمراض مزمنة بين صغار السن يتم تشخيصها بشكل مُتأخر في كثير من الأحيان.

ياسين طبيب مقيم عَمل كثيرًا بالمؤسّسات الصحية الجوارية، يَكشف في حديث لـ "التر جزائر" أنّ ظاهرة الأمراض المزمنة وسط الأطفال من قاطني الأحياء الشعبية شائعة جدًا، وينبغي التنبيه لها، مضيفًا أن العوامل الوراثية والرطوبة والسكن الهش تتسبب في تفشي الأمراض المعدية والفيروسية كالأمراض الجلدية  مثل الإكزيما، الجرب، والقمل، والجدري.

وتابع أن المحيط البيئي الملوث الذي يعيش وسطه الأطفال من قاطني الأحياء القصديرية يساعد على انتشار أمراض تنفسية جمّة كالسل والربو والحساسية والأمراض الصدرية، وتولد بعض الأمراض المعدية مضاعفات صحية خطيرة، مستطردًا "خلال التشخيص نعاين انتشار القمل والجرب وسط الأطفال، نتيجة انعدم اهتمام بالنظافة الجسدية، أو الاحتكاك الأطفال في الوسط الدراسي والحي، وقد يرجع السبب إلى عدم صيانة مياه الصرف الصحي، وانتشار القمامات والأوساخ".

نقص فيتامين "د"

وبحسب الطبيب فإن نقص فيتامين "د" شائع للغاية ومن المشاكل الصحية الأكثر تفشيًا وسط الأطفال من سكان الأحياء الهشة، وهذا بسبب عدم التعرض لأشعة الشمس بالشكل الكافي، موضحًا أن النسيج العمراني الذي ينشأ فيه أطفال الأحياء الشعبية لا يستجيب لي أي معايير العيش المريح والصحي، والتي تسمح بانتشار أضواء الشمس، ناهيك عن سوء النظام الغذائي لبعض العائلات.

وتابع أن نقص فيتامين "د" يلحق أضرارًا كبيرة بالأطفال كهشاشة العظام والتهاب المفاصل، "وهو ما نعاينه كثيرًا خلال مناوبات العمل"، حيث يدقّ محدثنا  ناقوس الخطر عن الوضعية الصحية لأطفال الأحياء الهشة والفقيرة، فرغم حملات التطعيم لتقوية المناعة، إلا أن أمراض فيروسية وجلدية ما تزال منتشرة وسط أطفال مناطق الظل.  

العمل التطوعي

أمام الوضع المزري، يَنشُط كل من سيد علي ورضوان ضمن جمعية تطوعية على مستوى "حي واد شايح"، يقول رضوان في حديث لـ"التر جزائر" إن أطفال الأحياء الشعبية المهمشة والفقيرة يعانون من ظروف صحية ونفسية في غاية الصعوبة، مضيفًا أن معظم الأطفال يشتكون من دوام التعب، وقلة النوم والاكتئاب، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على التحصيل المدرسي، وهذا بسبب الظروف السكنية غير اللائقة وغير إنسانية.

وزاد المتحدّث، أن الوضعية المادية لكثير من العائلات تدفع ببعض الأطفال إلى ترك مقاعد المدرسة والتوجه إلى سوق العمل الموازي أو الاستغلال في التسول، معتبرًا أن الأحياء الشعبية تفتقد إلى المساحات الخضراء وفضاءات الترفيه، وأن "الضغط المتولد جراء الاحتكاك والتسرب المدرسي وراء ظاهرة العنف عند الطفل".

وتعمل الجمعية وفق إمكانيات جد محدودة، كتنظيم خرجات ميدانية، ورحلات ترفيه، مع تقديم دورس تدعيم مدرسي مجانًا، إضافة إلى التكفل النفسي والصحي عبر خلية خاصة تنسق مع السلطات، حيث يؤكد سيد علي أن العمل الجواري هو حلّ ظرفي لا يمكن أن يعوض البيئة المثالية للتنشئة السليمة.

تعمل الدول المتقدمة على توفير الرعاية والوقاية الصحية القبلية لتفادي الأعباء المالية والميزانيات الضخمة في الخدمات الصحية مستقبلً

تعمل الدول المتقدمة على توفير الرعاية والوقاية الصحية القبلية لتفادي الأعباء المالية والميزانيات الضخمة في الخدمات الصحية مستقبلًا، وتُمكن المرافقة الصحية الوقائية وتعزيز صحة الأطفال وتوفير رفاهية العيش الكريم مصدر أمان مجتمعي متكامل جسديًا وعقليًا واجتماعيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في العمارة الجزائرية: حياة مفخخة

المساحات المخصّصة للأطفال الجزائريين..براءة مخنوقة