09-ديسمبر-2019

بعد قرابة أحد عشر شهرًا من انطلاقة الحراك الشعبي في  22 شباط/فيفري من السنة الجارية، يدخل الحراك الشعبي مرحلة جديدة مع موعد الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، حيث يرفض المتظاهرون في الحراك السلمي المشاركة والانضمام في الخيار الانتخابي. إشكالية تفتح عدّة تساؤلات حول ما هي الآفاق السياسية ما بعد الرئاسيات، وما هي انعكاسات نتائج الانتخابات على المشهد السياسي مستقبًلا، وكيف سيتعامل الحراك الشعبي مع رئيس الجمهورية بعد تنصيبه رسميًا، وما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد؟

لحسن خلاص: سيحاول الرئيس القادم تفتيت الحراك وتمييعه بهدف التحكم فيه

رسكلة النظام القائم

 في هذا السياق، لا يُبدي الكاتب والاعلامي، لحسن خلاص، كثيرًا من التفاؤل بشأن ما بعد موعد 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، ويعود السبب بحسب المتحدّث، إلى أن موعد الانتخابات لم يتّفق عليه جميع الجزائريين، بل أبعد من ذلك صار مثار فتنة وتنافر وتجاذب، على حدّ تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: مناظرة تلفزيونية لمرشّحي الرئاسيات.. هل ستحضر الأسئلة الصعبة؟

هذا الوضع، يضيف خلاص، نجم عنه أن أهمّ قضايا البلاد وأكثرها مصيرية، تتزحزح إلى مؤخّرة الاهتمامات، فالمواعيد الانتخابية تعدّ فرصة لطرح أمّهات قضايا الأمة للنقاش الحرّ، لكنه يستدرك قائلًا: "غير أن الملاحظ هو أن هذه الانتخابات صارت غاية في ذاتها، وليست وسيلة كما ينبغي أن تكون، لذا لا يمكن أن ننتظر منها أن تكون منتجة وخلّاقة".

يُوضّح المتحدّث، أن هذه الانتخابات تجري في جوٍّ متوتر ومشحون، وأحادية سياسية وإعلامية، وتراجع عن المكاسب الديمقراطية التي حقّقها الحراك الشعبي. "وإن جرت بهذه القسرية، ستنتج رئيسًا ضعيفًا موظفًا لدى سلطة فعلية خفيّة، وهو ما دأب عليه النظام في مواعيد سابقة".

مهام الرئيس القادم بحسب خلاص، هي الحفاظ على النظام القائم وإطلاق حوار يجنبّه الكثير من المزالق، متوقّعًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أن هذا الرئيس سيواجه تركة ثقيلة وضغطًا كبيرًا من طرف السلطة الفعلية، تجبره على الخضوع كليًا أو جزئيًا لها في المرحلة القادمة، وأضاف في هذا السياق: "يعمد الرئيس المقبل إلى سياسية تفتيت الحراك، سيحاول تمييعه وتأطيره بهدف التحكّم فيه".

انتخابات شكلية

من جهته، أشار الناشط السياسي والحقوقي، فاتح ڨرد، أنه بناء على حالة الانقسام الحادة وحالة الاستقطاب بين الجزائريين الرافضين للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين من يرى فيها الحل الوحيد لتجاوز الأزمة القائمة، ووفق هذا المشهد، وإصرار الطرف القوي في المعادلة على عدم التراجع عن تنظيمها، فإن سيناريو إجراء الانتخابات هو الأقرب للتحقيق، مع مشاركة شعبية لا ترقى لمستوى المشاركة المقبولة، على حدّ قوله.

وبخصوص انعكاسات المشاركة الضعيفة على شرعية الرئيس القادم، أشار الناشط السياسي، أن النتائج ستسفر عن رئيس للجمهورية، تلازمه عقدة الشرعية الكاملة، وإن كان يتمتّع بالشرعية الشكلية، لأنّ القانون الانتخابي لا يشترط نسبة معيّنة لصحّة العملية الانتخابية.

ويتوقّع الحقوقي أن ضعف شرعية الرئيس المنتخب، يدفعه لفتح باب الحوار مع الحراك الشعبي، من أجل تحقيق مطالب هذا الأخير في بناء ديمقراطية حقيقية وتكريس دولة القانون والحرّيات بواقعية.

 وبخصوص أولويات الرئيس القادم، يقول المتحدث، إنها تندرج في عملية إصلاح دستوري وقانوني، إضافة إلى تطهير الساحة السياسية من الطفيليات التي أفسدتها، على حدّ قوله.

واعتبر فاتح ڨرد في حديثه إلى "الترا جزائر" أن أولويات المرحلة القادمة قصد الخروج من حالة الانسداد، تمرّ عبر اتخاذ خطوات أساسية، تتمثل في ملف أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد وإضفاء الشفافية في المجال الاقتصادي وميدان الصفقات وكل هذا من المطالب الملحّة للحراك.

ماذا بعد الدور الثاني؟

وعن احتمالية المرور إلى الدور الثاني، وموقف الحراك الشعبي حينها، يرى الناشط السياسي، أنه يُمكن للحراك أن يرمي بثقله لصالح أحد المرشّحَين للدور الثاني، ويحسمها لصالحه، لكي يبدأ مسارًا إصلاحيًا توافقيًا بين الحراك والرئيس المنتخب.

ويخلص فاتح ڨرد، أن الأولوية بعد الانتخابات، تتمثّل في التواصل بين الحراك والرئيس الجديد، بهدف تحقيق مطالب الحراك الشعبي المشروعة، مضيفًا أن الرئيس مضطر في هذه الحالة للاستجابة إليها، من أجل تحقيق أجواء الطمأنينة والسلم اللازمة للشروع في حلّ الأزمة الاقتصادية التي يوشك أن تكون خانقة منذرة بخطر التوقف عن الدفع.

واقع سياسي جديد

 من جانبه أوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي، نور الدين بكيس، في اتصال مع "التر جزائر"، أن مرحلة ما بعد انتخابات 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، ستكون استفاقة على واقع سياسي جديد، لطالما فرض ضغطًا رهيبًا على النظام السياسي والحراك، وفي تقدير بكيس أن السلطة ستتجاوز رهان تنظيم الانتخابات الرئاسية؛ وهي الوضعية التي تضع النظام في أريحية نسبية تسمح له بمراقبة مسار التحوّل السياسي، بحكم أن صلاحيات الرئيس في الجزائر تكفّل بامتياز التحكّم في مسار الانتقال الديمقراطي.

 وأشار المتحدّث، أن الحراك سيتحرّر من ضغط الزمن السياسي واستقطاب الانتخابات الرئاسية، مشيرًا أن الحراك سيقف أمام حقيقة مدى قدرته على تغيير الأوضاع، ويترقّب بكيس، أن يتبنّى الحراك استراتيجيات تسمح بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة في المواعيد السياسية المقبلة، "ويبتعد نسبيًا عن المقاطعة الكليّة بعد الصدمة النفسية الناتجة عن إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية".

نور الدين بكيس: الحراك سيتحرّر من ضغط الزمن السياسي واستقطاب الانتخابات الرئاسية

وينتهي الباحث إلى قناعة، أن المعادلة الجديدة تفترض عدم إمكانية تغيير النظام من قبل الحراك، في مقابل عدم إمكانية بعث تنمية حقيقية من قبل النظام دون مرافقة جمهور الحراك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أسلحة قصر الرئاسة الجزائرية.. تعديل الدستور وحلّ البرلمان وحكومة كفاءات

رسميًا.. مناظرات تلفزيونية لمرشّحي الرئاسة يوم 7 ديسمبر المقبل