06-أغسطس-2022
عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (فيسبوك/الترا جزائر)

عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (فيسبوك/الترا جزائر)

يحلّ الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون بالجزائر قريبًا، بعد خمسة أشهر من تلقيه دعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون غداة انتخابه لولاية ثانية بقصر الإليزي شهر أفريل/ نيسان الماضي.

يتساءل متابعون إن كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية ستعود إلى سابق عهدها؟

وتأتي هذه الزيارة في ظرف استثنائي وخاص للعلاقات الجزائرية الفرنسية التي تتأرجح بين التقارب تارة والتباعد  تارات أخرى، وتتباين المواقف بين خطاب المجاملة مرة والتصريحات الهجومية مرات عديدة، وهو ما جعل فهم طبيعة هذه العلاقةر، أو على الأقل استشراف مستقبل الشراكة الجزائرية _ الفرنسية مهمة صعبة أمام المحللين السياسيين والخبراء الجيوسراتيجيين.

مرت العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ سنة 2019 بالعديد من الهزات والمطبّات، أدت إلى فتور في التوجه الجزائري نحو الشريك الفرنسي في أكبر الصفقات خلافًا لما كان عليه الحال قبيل الحراك الشعبي بتاريخ 22 شباط/فيفري 2019، حينما كانت الأولوية في السوق الجزائرية لكل ما هو فرنسي.

في هذا السياق، يتّجه قطاع التعليم في الجزائر إلى "سحب البساط" من اللغة الفرنسية، لاستبدالها بالإنجليزية، إذ أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قرارًا بتدريسها لتلاميذ المرحلة الابتدائية بدءًا من الدخول المدرسي المقبل.

وسجلت أعنف فجوة بين الجزائر وفرنسا في أعقاب تطاول الرئيس الفرنسي ماكرون على الأمة الجزائرية وتشكيكه في تاريخها عبر تصريحات مفاجئة وغير مسبوقة شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، والتي أدت إلى انتفاضة جزائرية مست الدولة والبرلمان والأحزاب والجمعيات، التي نددت وطالبت جميعها بالاعتذار.

فهل ستعود العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد زيارة ماكرون إلى سابق عهدها، أم أن عصر التقارب الجزائري - الفرنسي قد ولى؟

المنتظر من زيارة ماكرون

إلى هنا، يؤكد عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني، المكلف بالجالية الجزائرية بالخارج باديس خنيسة، في إفادة لـ"الترا جزائر" وجود عدة أسباب وراء التحرك النشيط لفرنسا اتجاه أفريقيا مؤخرًا، منها دوافع داخلية على غرار الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا والمحنة الطاقوية، وأيضًا خارجية يتقدمها ضعف الاتحاد الأوروبي الذي أصبح هشًا، وغير قادر على دعم أعضائه، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون مؤخرًا للبحث عن ورقة رابحة في أفريقيا.

كما يقول خينسة إنه خلف الستار يشهد العالم حرب نفوذ، حيث تتخوف فرنسا من تراجع حصة مصالحها بالقارة السمراء لصالح روسيا والصين التي تعد أكبر مستثمر في أفريقيا، فباريس أدركت ضرورة استرجاع مكانتها، خاصة وأن القارة السمراء ستكون مهد نهوض الاقتصاد العالمي مستقبلًا.

ويتخوف ماكرون أيضًا من زوال الفرانكوفونية واللغة الفرنسية بعد العزوف عنها على مستوى عدد من الدول الأفريقية التي كانت موطنًا لنشرها في السابق. أما بالنسبة للجزائر، فتظلّ، في أعين فرنسا دولة استثنائية، يقول خنيسة، يتم معالجة ملفها بقصر الإليزيه كقضية داخلية وليس خارجية، بحكم أن 10 بالمائة من سكان فرنسا جزائريي الأصل ويعادل عددهم 7 ملايين نسمة، ويشمل الرقم الأقدام السوداء والحمراء _ المهاجرون خلال فترة الإرهاب _، وسكان الضواحي، في حين تظلّ التأشيرة ، أحد الملفات الهامة التي ستوضع على الطاولة خلال زيارة ماكرون للجزائر، على حدّ تعبيره.

تفكر فرنسا، وفق خنيسة، بشكل حذر في علاقاتها مع الجزائر عبر محاولة إدارة ملف الماضي بسلاسة، عند معالجة القضايا المعاصرة، خاصة وأن كتاب الذاكرة لم يتم طيه بشكل تام، فالطرف الفرنسي ملزم هذه المرة إذا أراد بناء علاقات حقيقية مع الجزائر، باتخاذ قرارات صارمة تخص الماضي الاستعماري، لاسيما وأن ماكرون في عهدته الثانية قد تحرر من الضغوط التي كانت تؤرقه في العهدة الأولى ويتمتع بحرية أكبر لإدارة الملف، بحكم أنه لا يطمح في الحصول على عهدة رئاسية جديدة.

ويضيف المتحدث: "الطرف الفرنسي يدرك جيدًا أن الجزائر ليست ملفًا سهلًا، وأن مصير العلاقات المشتركة بين باريس والجزائر ستؤثر بشكل كبير في السياسة الخارجية والداخلية لفرنسا"، ناهيك عن العامل التاريخي بين الدولتين، الذي سيلعب دورًا حاسمًا في تحديد العلاقات المستقبلية، حيث تم فتح ورشات كبرى بخصوص ملف الذاكرة، وأيضًا المصالح التجارية والتنمية والاقتصادية والطاقوية.

هل الاعتذار ممكن؟

ويعتقد الخبير السياسي عامر رخيلة أن ماكرون لن يكرر ما ذهب إليه في فترة من الفترات، عبر فتح ملف الاعتذار أو الاعتراف مجددًا بالجرائم الاستعمارية في الجزائر، فحديثه عنها سنة 2017  كان مرتبطًا بمصالح سياسية، وهي الانتخابات، مضيفًا: "لذلك أرى إن زيارته المقبلة للجزائر لن تحمل في الحقيبة أي اعتذار رسمي، رغم أن ماكرون سبق له وأن أدان ما وصفه حينها بالممارسات الاستعمارية غير المبررة  والمرفوضة دوليا".

محدث "الترا جزائر" يؤكد أن خوف ماكرون من إثارة غضب اليمين المتطرف بفرنسا، يجعله يفكر في قبل أي خطوة يخطوها بملف الذاكرة، لاسيما وأن اليمين يتمتع بنفوذ كبير في فرنسا ومن شأن أية خطوة في هذا الملف أن تؤلب الرأي العام الفرنسي ضد ماكرون.

 كما أن الساحة السياسية الفرنسية لن تتقبل بسهولة هذا الاعتذار، الذي سيكون بحاجة إلى تشريع قانون جديد يؤطره، مثلما كان عليه الحال، عند إصدار قانون يمجد الاستعمار سابقًا.

ويمنع الدستور الفرنسي ترشح ماكرون لعهدة ثالثة، الأمر الذي يجعله بغنى عن مثل هذه الخطوة، _ أي الاعتذار _ يقول رخيلة، لاسيما وأن تصريحاته في العهدة الأولى كانت تستهدف المهاجرين وذوي الأصوات الجزائرية، الذين كان لهم دور في حسم الانتخابات حيث لم يتوان ماكرون عن رشقهم بالكلام المعسول بين الفينة والأخرى، لضمان صوتهم الانتخابي.

وعلى نقيض ذلك، توقع رخيلة أن يكون خطاب ماكرون المقبل اقتصاديًا، فـ "فرنسا تخشى من التقارب الجزائري التركي الإيطالي، الأمر الذي من شأنه تهديد مكانتها وتواجدها في السوق الجزائرية"، يضيف المتحدث.

"الكعكة الاقتصادية" تفتح الشهية

وفي سياق مصالح "البزنس"، يقول الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في تصريح لـ"الترا جزائر" إنه لا تعاون اقتصادي دون توافق سياسي، وأن الصفقات المقبلة التي ستعقب زيارة ماكرون للجزائر ستكون مسبوقة بالحديث عن ثلاثة ملفات سياسية.

ويتصدر هذه الملفات موضوع التأشيرة، إذا ستفاوض السلطات الجزائرية ليكون للجالية الجزائرية حظ أكبر مستقبلًا في الحصول على ردود إيجابية من السفارة والقنصليات الفرنسية، مقارنة مع سكان القارة، وأيضًا حول ملف الهجرة غير الشرعية، حيث لا تزال الجزائر إلى اليوم ترفض استلام الموقفين دون وثائق، لعدم وجود إثباتات تؤكد أنهم جزائريين، كما سيتم إثارة قضيتا مالي وليبيا، في مسعى لتحقيق التوازن بالمنطقة.

ويجزم خرشي أن إثارة الملفات الاقتصادية على رأسها الغاز، سيعقب الفصل في القضايا السياسية العالقة، ليتم بعدها أيضًا طرح إمكانية توقيع شراكات استثمارية وتجارية جديدة بين الطرفين، ولكن هذه المرة دون حصرية ولا أسبقية، فالجزائر تهدف اليوم لتنويع شركائها الاقتصاديين، دون النظر إلى فرنسا كعدو ولكن كشريك عادي، إلى جانب الصين وروسيا وأمريكا وإيطاليا وتركيا ودول أخرى، وهو مبدأ الدبلوماسية الاقتصادية الجديد الذي ينتهجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمنح الطرف الجزائري قوة تفاوضية اكبر دون منح الأولوية لأيّة دولة.

توظّف الجزائر ورقة الغاز للعب دور محوري في أفريقيا في ظل سعي أوروبا للتخلّص من التبعية الروسية 

وفي النهاية تدرك فرنسا اليوم أن "الجزائر الجديدة" تختلف عن الفترة السابقة، فهي تمتلك أوراق رابحة تؤهلها للعب دور محوري ومؤثر بالمنطقة، واحتلال دور القائد الأفريقي، خاصة الغاز، في ظل سعي الأوروبيين للتخلص من التبعية الروسية، فهل ستحسن استغلاله؟